راحت “السَكرة” التي أصابت أهل 8 آذار بعد الاتفاق السعودي – الايراني، وأتت الفَكرة. هؤلاء شعروا عقب التفاهم الاقليمي، انهم حققوا انتصارا سياسيا كبيرا وان “تقارب بكين” نفخ الرياح في أشرعة سفنهم تماما كما تشتهيها. وقد سوّقوا في إعلامهم وعبر مسؤوليهم ان الانتخابات الرئاسية باتت وشيكة وستكون لصالح مرشحهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، “بعد ان لزّمت السعودية لبنان الى ايران مقابل ان تسهّل طهران الحل في اليمن”. هذا ما تم ترويجه في الاسابيع الماضية قبل ان تأتي التطورات والمواقف لتُثبت زيف هذه المعطيات وتُعيد الممانعين الى ارض الواقع، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
أمس وفي مواقف صحافية، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري بلسانه، ألا تبدّل في المشهد الرئاسي، وان الموقف السعودي من الملف اللبناني على حاله ولم يغيّره اتفاق بكين، ما يعني اعترافا ضمنيا بأن الثنائي الشيعي غير قادر بعد على تأمين الاكثرية لمرشحه. فقال بري عن اللّقاء الأخير الّذي جمعه بسفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري “الأجواء كانت إيجابيّة، لم نتّفق ولكن لم نختلف، وبالتالي، فلا بد من التوافق مع المملكة حول الخيار الرئاسي. وهكذا حصل، على ما يبدو، في لقاء باريس الأخير بين السّعوديين والفرنسيين، لم يصلوا إلى رؤية مشتركة ولكنّهم لم يختلفوا والنّقاشات مفتوحة”.
ليس اللافت فقط اقرار بري “الضمني” بأن “طحشة” الثنائي نحو تبني فرنجية والرهان على ان معظم النواب السنّة والمستقلين سيقررون، في ضوء الاتفاق السعودي – الايراني، الانتقالَ الى ضفه مؤيدي زعيم المردة، لم يكونا “موفّقين”، بل كان لافتا ايضا اصراره على ضرورة “التوافق” مع الرياض على الخيار الرئاسي!
عجيب هذا الموقف، تتابع المصادر، فحتى مَن كان الثنائي الشيعي وسيما حزب الله، يتّهمهم حتى الامس القريب بالعمالة للسعودية وانتظار تعليماتها، لم يقولوا يوما “ان لا بد من التوافق معها رئاسيا”. وهذا الموقف يدل ايضا على حجم تأثير الحسابات الايرانية على مواقف حزب الله وحركة امل. فبعد ان تفاهم الجباران الاقليميان، انتقل الثنائي من ضفة مهاجمة المملكة الى ضفة الوقوف عند رأيها ومسايرتها. وقد انتقل حزب الله من تخوين السعوديين الى اعتبارهم جزءا من محاربة المشاريع الاسرائيلية الاميركية للمنطقة، فغرد الرجل الثاني في الحزب نعيم قاسم امس “بدأت المنطقة تتحرك بعكس الاتجاه الأميركي الإسرائيلي، فالاتفاق الإيراني السعودي أسقطَ مشروع جعل إيران عدواً بديلاً عن إسرائيل، ومحاولة ترتيب العلاقة مع سوريا من قبل الإمارات وتركيا والسعودية ودول أخرى فيه خير لكل هذه الدول.”
وفي عود على بدء، تأمل المصادر ان تنسحب “الفَكرة” مرونةً رئاسية من بري وحزب الله، وتخليا عن معادلة “مرشحنا او لا احد”، وإلا فإن الشغور سيستمر.