لم يسبق أن مرّت اسرائيل بأزمة سياسية كما يجري حالياً. كانت الاجيال السياسية الاسرائيلية منذ عام 1948 تلملم خلافاتها تحت عنوان رصّ الصفوف في مواجهة التحديات الوجودية. لا تزال تلك التحديات ذاتها قائمة، لا بل زادت مخاطرها نتيجة وجود انتفاضة فلسطينية غير تقليدية تعتمد على جيل جديد، لا يستخدم الحجارة، بل يمتهن استخدام السلاح الفردي، مما يسرّع في العبور الاسرائيلي، اولاً نحو خيار “الدولتين”.
تراكمت التباينات في الساحة الاسرائيلية، ولم يعد مفهوم التحديات الوجودية ينفع في رأب الصدع الداخلي، وخصوصاً ان “اليمين” الاسرائيلي الذي تتشكّل منه الحكومة، فشل في جرّ الاسرائيليين نحو خياراته الداخلية، في العناوين السياسية والقضائية والامنية، وبات رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو امام وقائع صعبة تستلزم منه امّا التفرج على انحدار تل ابيب نحو الحرب “الاهلية”، أو الهروب نحو صناعة مواجهات اقليمية تُشغل الاسرائيليين عن مطالبهم، وتمنع سقوط حكومته وسياساته و”اليمين” معه، بعد فشل رئيس الحكومة الاسرائيلية بجر خصومه الى الاتفاق معه.
واذا كان حزب “الليكود” المعروف هروبه التقليدي نحو الحروب الاقليمية، سواء ضد الفلسطينيين او اللبنانيين او غيرهم، فإنه يعاني من حقيقة عدم تقبل الاسرائيليين، ومن ضمنهم مؤيدو “الليكود” لأي خطوة يفعلها، ليس في شأن القضاء فحسب، بل فيما يعني الخيارات الاقليمية. ويبدو ان الهاجس الاسرائيلي الاكبر على صعيد المستوطنين هو الوضع الاقتصادي، نتيجة هبوط العملة “الشيكل”، وارتفاع التضخم والفوائد المصرفية، وهروب رؤوس الاموال، وتوقّف الاستثمارات، بينما تستمر التظاهرات التي توحي بفشل كل المحاولات الحكومية لوقفها.
يحضر السؤال: هل تستنسخ تل ابيب واقع لبنان الاقتصادي، فيما يتعلق بالعملة ومسارها بشكل اساسي؟.
ان كل المحطّات الاسرائيلية تؤكد ان الازمة تتراكم، وان الاميركيين يسعون لإسقاط نتناياهو في الشارع، بدليل كلام سفيرهم في تل ابيب الذي تعرض الى رد قاس من “اليمين” لم يسبق ان تعرّض له ممثل الرئيس الاميركي في تل ابيب في تاريخ العلاقات الاميركية-الاسرائيلية.
من هنا يفرض السؤال نفسه: هل يتخذ نتانياهو قرار الهروب نحو حرب ضد غزة، او لبنان، او سوريا؟.
لا احد يمكنه استبعاد سيناريوهات الحرب الاسرائيلية، لكن التصرف الفلسطيني يوحي بعدم الرغبة في اعطاء نتانياهو فرصة الانقاذ الداخلي، بينما يحافظ لبنان على قواعد الاشتباك الجارية، في وقت تراجعت فيه سيناريوهات المواجهة بعد ترسيم الحدود اللبنانية الجنوبية وبدء الاسرائيليين بالعمل في حقول الغاز.
اما في سوريا، فلا يسمح الروس للاسرائيليين بتوسيع مساحات الاستهداف التي تجري حالياً ضد اهداف محددة، وهي تطال مصالح ايرانية بشكل رئيسي.
لا يعني ذلك ان الحرب غير واردة في الاقليم، بدليل الاستعداد الذي يظهر في كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، للرد على اي استهدافات اسرائيلية محتملة.
لكن مراقبين يرون ان هناك ازمات تستوجب الحرب للخروج بتسويات:
-الوضع الاسرائيلي الداخلي الذي يتجه نحو الانفجار السياسي، مما يستلزم تسوية بين الاسرائيليين انفسهم.
-مشروع حل الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية، وهو مطلب دولي وعربي، لا يمكن فرضه من دون سخونة.
-فرض قواعد اشتباك اقليمية جديدة تتيح اعادة اطلاق عجلة المفاوضات.
علماً ان هناك من يرى دفعاً اميركياً نحو استقرار الشرق الاوسط، لان انشغالات الغرب بدءاً من واشنطن، هي في الحرب الروسية-الاوكرانية، وسط معلومات عن استعداد صيني للدخول في عملية تسليح الروس في حربهم ضد الاوكرانيين.