Connect with us

أخبار الشرق الأوسط

خاتمي إلى رئاسة الجمهورية ببرنامج لإعادة البناء… كنّه لم ينجح في بلوغ شيء من ذلك!!

Avatar

Published

on

جاء خاتمي إلى رئاسة الجمهورية ببرنامج لإعادة البناء والديمقراطية الإسلامية والانفتاح على العرب والعالم. لكنّه لم ينجح في بلوغ شيء من ذلك. وآذنت نهاية عهده بتحويل باتجاه السيطرة الكاملة للمرشد وأجهزته في عهود الرؤساء الثلاثة اللاحقين حتى رئيسي. ما المصائر بعد مقتل رئيسي؟ وهل هناك إمكانيّات للمراجعة وإعادة النظر؟ الراجح أنّ المسار لن يتغيّر.

Follow us on Twitter

أذكر أنّه في شتاء عام 1995-1996 اتّصل بي السيد محمد علي أبطحي وكان مقيماً ببيروت في مهمّة إعلامية وصار فيما بعد مستشاراً ومساعداً للرئيس في إدارة السيد خاتمي، اتّصل وقال إنّ مدير المكتبة الوطنية بطهران السيد محمد خاتمي يريد زيارة بيروت، فهل يمكن أن نستقبله بمجلّة الاجتهاد؟ فأجبته بالإيجاب باعتبار خاتمي مثقّفاً بارزاً مثل أولئك الذين كانوا يزورون لبنان من المثقّفين والشيوخ الإيرانيين.

لكن عندما بدأت الدعوة إلى الحضور قال لي أصدقائي من ذوي العلاقة بإيران إنّه يمكن أن يكون مرشّح الإصلاحيين لرئاسة الجمهورية بعد رفسنجاني، فهو شخصية مهمّة في السياسة أيضاً. لم آبه للتحذير وعثرت خلال الإعداد على كتابين له مترجمين إلى العربية. وهكذا استطعت أن أُعِدَّ الكلمة التي قدّمته بها. خاتمي ذو طلعة بهيّة وشامخة وكان يميل للسِمَن، وتحدّث في ثلاثة مواضيع بعربيّةٍ متأنّية: النموذج الإيراني لديمقراطية إسلامية، ومسألة الحوار داخل الإسلام ومع العالم، وكيف يحدث التجديد الديني. والواقع أنّ الموضوعين الأخيرين يظهران بوضوح في الكتابين اللذين قرأتهما له.

 انفتاحه على الغرب ظلّ إعلامياً وما أثّرت زياراته للأمم المتحدة، لكن أُقرّت دعوته بالأمم المتحدة إلى يومٍ عالميّ للحوار

هذا ما قاله لي الحريري بحضرة خاتمي

بعد شهور امتلأ الإعلام بأخبار الانتخابات الإيرانية وترشّح خاتمي بعد تردّد. وبدون طول سيرة عندما فاز فوزاً كاسحاً ذهبتُ مع عددٍ من الزملاء بصحبة الرئيس رفيق الحريري للتهنئة وتحسين العلاقات. قدّم الحريري الوفد للرئيس خاتمي الذي كان أبطحي يقف إلى جانبه باعتباره يعرف اللبنانيين، فسلّم علينا الرئيس وهمستُ للحريري: هل أستطيع إهداءه كتبي؟ فقال: بعدين. جلس الرجلان في صدر المجلس وجلسنا نحن بعيداً. بعد حوالى ساعة جاء إلينا أبطحي وقال إنّنا مدعوّون بعد صلاة العشاء للعشاء، فظننّا أنّ الانصراف قد دنا أوانه، لكن بعد دقائق ناداني الحريري بصوتٍ مرتفع: مولانا، تعال! فهببتُ مسرعاً وحملت كتبي واتّجهت نحوهما فسلّمت على خاتمي وأعطيته الكتب الأربعة فتأمّل عناوينها سريعاً ولم يبدُ مرتاحاً.

لا “مولانا” غير جلال الدين الروميّ

غادرنا المجلس مع الرئيس الحريري وعرفنا أنّ محادثاتهما الرسمية ستجري في اليوم التالي. وقلت للحريري: لماذا بدا الرجل منزعجاً؟ هل حدث شيء في المحادثات؟ فقال: المحادثات كانت ممتازة، نسأله مساءً عن سبب انزعاجه. وبالفعل أوّل وصولنا وبعد السلام أمسك الحريري بيدي وقال للرئيس: لماذا بدوت غير مرتاح عندما أعطاك رضوان كتبه؟ فضحك خاتمي وقال: بل كتبه تشبه كتبي وسأقرؤها وأظنّه أعطاني واحداً منها ببيروت. في نظر الإيرانيين لقد ارتكبتم خطأً بل خطيئة، لا “مولانا” في هذا العالم غير جلال الدين الرومي، فكيف تسَمّي رضوان مولانا؟! تستطيع يا رضوان إخبار الرئيس الحريري من هو جلال الدين الرومي، فسارع الحريري للقول: أعرفه وزرت قبره في قونية من زمان، وكنت أظنّه مقدّساً عند الأتراك فقط، فقال خاتمي: عندنا وعندهم ورباعيّاته من أعاظم الشعر الفارسي وكثيرون منّا يحفظونها.

يواجه النظام ثلاثة تحدّيات: العلاقات تجاه أميركا وإسرائيل، واختيار رئيس الجمهورية والأفضل أن لا يكون سيّداً معمماً، وأخيراً اختيار مرشد الجمهورية المقبل

خلال العشاء قال لي خاتمي: عندما رأيتك مقبلاً على مجلسي مع الرئيس الحريري في النهار ظننت أنّني رأيتك من قبل من زمانٍ بعيد قبل بيروت. قلت: أين؟ قال: “في هامبورغ بألمانيا عام 75 أو 76”. في المركز الإسلامي بهامبورغ كانت هناك مجموعة من المشايخ والمدنيين الإيرانيين، وقد تردّدت مع بعض الزملاء عليهم عندما كنت أتابع كورساً بسمينار التاريخ الإسلامي بجامعة هامبورغ، لكنّني ما تذكّرت أحداً منهم عندما قامت الثورة عام 1979 غير بهشتي وما كنت متأكّداً. وأمّا خاتمي فلا أتذكّره، ولذلك أجبته بغموض: أشكركم سيّدي الرئيس على هذا التقدير.

خاتمي

زرت إيران بعد ذلك أيام خاتمي مرّتين: مرّة لأنّهم أعطوني جائزة الخوارزمي في الدراسات الإسلامية، ومرّةً لأنّ الرئيس الحريري أرسلني برسالةٍ إليه. وكنت في كلّ مرّة أتّصل بأبطحي، وهو الذي يساعدني في الترتيبات.

تنبّأ المشنوق فصدق

وفّى محمد خاتمي رئيساً بوعوده في فترتَيْه في رئاسة الجمهورية لأربع جهات: الاستمرار في استراتيجية إعادة البناء التي بدأها رفسنجاني وكان في إدارته العديد من فريق رفسنجاني، والأمر الثاني: الانفتاح على العرب والعالم، والأمر الثالث: العمل على الشفافيّة وحكم القانون بالداخل وما سمّاه الديمقراطية الإسلامية، والرابع محاولة حماية المثقّفين والفنّانين وأساتذة الجامعات من السلطات القضائية. وقد بدا في فترته الأولى ناجحاً نسبياً في هذه الخطوط كلّها. بيد أنّه في السنة الأخيرة من فترته الأولى بدا محاصراً على الرغم من أنّ الإصلاحيين كانوا أقوياء في مجلس الشورى، وأيّامه اغتيل عددٌ من المثقّفين المعارضين، وسجُن آخرون.

يقال إنّ الرئيس روحاني كان وسطيّاً وأدنى للانفتاح الخارجي حتى مع الولايات المتحدة

كما أنّ انفتاحه على الغرب ظلّ إعلامياً وما أثّرت زياراته للأمم المتحدة، لكن أُقرّت دعوته بالأمم المتحدة إلى يومٍ عالميّ للحوار. والمعروف أنّ السياسة الخارجية ليست بيد الرئيس، وكذلك مسائل الاستراتيجية الدفاعية والأخرى المتعلّقة بالثقافة والجامعات والفنون. وفي فترته الثانية التي قبل الترشّح لها على تردّد ظهر خلافه مع المرشد في الكثير من الأمور. وهو يمتلك شخصية المثقّف وليس شخصية السياسي المحترف القويّ مثل رفسنجاني، ولذلك انتهى عهده بعدم الرضا عليه من المحافظين بالطبع ومن الإصلاحيين! وعندما كنّا بطهران في أوّل عهد خاتمي كان الصديق نهاد المشنوق مستشار الرئيس الحريري يتنبّأ للرجل بالفشل ويراهن على ذلك، بينما كنت مع الرئيس الحريري نرى أنّ الرجل سينجح.

بعد عشرين عاماً على رئاسيات خاتمي ومرور عهود لثلاثة رؤساء هم: محمود أحمدي نجاد وروحاني ورئيسي. تظلّ هناك أسئلة حائرة حول طبيعة النظام وحول معنى الجمهورية وحول صناعة السياستين الداخلية والخارجية. وأخيراً وليس آخِراً السياسة الاستراتيجيّة أو الاستراتيجية بدون “السياسية” التي تفيد تعدّد الاحتمالات أو الخيارات. محمود نجاد كان شعبويّاً بالداخل وفي المواجهة مع الخارج في خطاباته على الأقلّ. لكن هل كان هو الذي يصنع السياسات؟ في انتخابات عام 2009 التي نجح فيها للمرّة الثانية كانت هناك “ثورة” على النتائج، وما يزال معارضو نجاد في الإقامة الجبرية حتى الآن. يقال إنّ النظام الإيراني مزدوج بين الإمامة والشورويّة. فمن ناحية الشكل تجري الانتخابات في موعدها لمجلس الشورى وللرئاسة، لكنّ المترشّحين يتحدّدون سلفاً. ولذا بعد عام 2005 ما كاد مَن يسمَّون الإصلاحيّين ينجح في الترشّح منهم أحد. فحتى محمود أحمدي نجاد ( الذي كان يزعم لنفسه علاقةً مباشرةً بالإمام الغائب أو المنتظر) ما لبث أن جاهر بالخلاف مع الذين أتوا به للسلطة.

بعد عشرين عاماً على رئاسيات خاتمي ومرور عهود لثلاثة رؤساء هم: محمود أحمدي نجاد وروحاني ورئيسي

هل تدفع النّكسات إلى المراجعات؟

يقال إنّ الرئيس روحاني كان وسطيّاً وأدنى للانفتاح الخارجي حتى مع الولايات المتحدة. ولذلك أمكن الاتفاق حول النووي مع أميركا عام 2015. لكن ومرّةً أخرى هل كان القرار قراره وقرار الحكومة ووزارة الخارجية أم قرار المرشد والجهات الأخرى في النظام؟!

هل هي شخصيات تابعة واختيرت بعناية بحسب المرحلة، سواء لجهة السياسات تجاه أميركا أو تجاه دول الجوار وتركيا؟ لا يمكن قول ذلك عن خاتمي وعن روحاني وأخيراً عن رئيسي. ومثل خاتمي لكن بالمعكوس فقد حفل مجيء رئيسي بوعود كثيرة لكن للمحافظين. وقد كان رئيساً للسلطة القضائية وقيل عنه الكثير، وواجه مع الباسيج والحرس الثوري تمرّدات الأسعار، وتمرّد المرأة أو الحجاب عقب اغتيال مهسا أميني. وبدا وراء وزير الخارجية عبد اللهيان وقيادة الحرس الثوري خلال الإعداد لحرب غزة ووحدة ساحات المقاومة. وتردّد على كلّ لسانٍ أنّه المرشّح لخلافة خامنئي في المرشديّة العليا. والآن يقال إنّه بعد مقتله ما بقي أحد مرشّحاً للمنصب السامي غير مجتبى ابن المرشد. والنظام نظامٌ صارمٌ وأوامريّ وكلّ الجهات تنفيذية. سمعت معلّقاً إيرانياً يقول: نظام الجمهورية غير لائق بإيران والأفضل النظام الملكي!

 

لكن حتى النظام الملكي ليس بهذه الصرامة والضيق والصبغة الدينية. وأنصار النظام يلاحظون أنّ الصبر الاستراتيجي الذي تمارسه إيران ينجح دائماً مع الولايات المتحدة ومع غيرها. والدليل ثبات النظام والاقتراب من عتبة النووي، وصيرورة الدول العربية إلى سياساتٍ منضبطة وحذِرة مع إيران. فأخيراً يقول ملك البحرين: ما عادت بيننا وبين إيران مشكلة! لكنّ اغتيال سليماني وسقوط طائرة رئيسي وعشرات الهجمات الإسرائيلية بالدواخل وفي سورية، وهجوم إيران الأخير على إسرائيل، كلّ ذلك لا يشير إلى نجاحٍ كبير. في إيران دولة قويّة، إنّما ليست فيها جمهورية لأنّ القرار كلّه بيد القائد وليس للجمهور دور.

جاء خاتمي إلى رئاسة الجمهورية ببرنامج لإعادة البناء والديمقراطية الإسلامية والانفتاح على العرب والعالم. لكنّه لم ينجح في بلوغ شيء من ذلك

هل تدفع النكسات إلى مراجعات؟ لا أحسب أنّ ذلك سيحصل، لأنّه ليس من طبيعة النظام اعتبار ما ذكرناه دروساً تستحقّ المراجعة وإعادة النظر. فالأغلب أنّ الرئيس المقبل سيكون أشدّ صرامةً من رئيسي حتى لا يقال إنّ النظام ضعُف أو تراجع. ومع ذلك لا أرى (ولستُ عميق العلم بالنظام الإيراني) أنّ خامنئي سيختار ابنه للمرشديّة العليا لأنّه ما يزال شديد الحذر ويكره أن يتحدّث عنه الناس أنّه ضعيف أمام أُسرته، ويواجه النظام ثلاثة تحدّيات: العلاقات تجاه أميركا وإسرائيل، واختيار رئيس الجمهورية والأفضل أن لا يكون سيّداً معمماً، وأخيراً اختيار مرشد الجمهورية المقبل.

 

رضوان السيد

Continue Reading

أخبار الشرق الأوسط

هل الضربة الحوثية لإسرائيل والردّ عليها سيغيّران في مسار الحرب؟!

Avatar

Published

on

لا يبدو أنّ الضربة الحوثية لإسرائيل والردّ عليها سيغيّران في مسار الحرب. ويجوز لنا وقد اقتربت نهايات هذه الحرب المدمّرة أن ندلي ببعض التوقّعات أو النتائج، وأهمّها ضخامة خسائر الفلسطينيين في القطاع والضفّة، وخسائر حماس والتنظيمات الأخرى، وهي كبيرة. والإسرائيليون الذين قتلوا كثيراً لن يكونوا آمنين إن لم يوافقوا على دولة فلسطينية. ويستطيع الإيرانيون القول إنّهم كسبوا الشراكة الدائمة في القضية الفلسطينية، كما كسبوا اضطرار الولايات المتحدة إلى مراعاة جانبهم هم وميليشياتهم في مقبل السنين.

Follow us on Twitter 

الطريف أنّه عندما كانت إحدى مسيّرات الحوثيين تصل إلى تل أبيب وتقتل خمسينيّاً، كان رئيس الأركان الأميركي يصرّح أنّ الفريق الأميركي/البريطاني المسمّى: حارس الازدهار ليس كافياً لإخماد التحدّي الحوثيّ بالبحر الأحمر وخليج عُمان والمحيط الهندي، وأنّه لا بدّ من السياسة والدبلوماسية للإقناع بوقف الهجمات التي أزعجت التجارة الدولية وأمن البحار. لا نعرف بالتحديد ماذا كان القائد الأميركي يقصد بالإجراءات التكميلية اللازمة لكفّ إصرار الحوثي: هل يقصد التفاوض في مسقط مع الإيرانيين وبينهم حوثيون أم يقصد تقديم “الإغراءات” لهم على الأرض وفي المفاوضات اليمنية – اليمنية الجارية تحت عيون المبعوث الأميركي والمبعوث الدولي؟

عندما احتفل الحوثيّون والإيرانيّون

كان الحوثيون يصرّحون أنّ هجماتهم دخلت المرحلة الرابعة التي تعني التحرّك في البحر المتوسط أيضاً. وقد صرّح الإسرائيليون بعدما ضربوا ميناء الحديدة أنّهم صبروا على مئتين وخمسين ضربة حوثية لم نسمع عنها شيئاً لأنّه يبدو أنّها ما كانت تصل إلى أراضي دولة الكيان!

لقد احتفل الحوثيون والإيرانيون والحزب بالإنجاز. وقالوا بعد الضربات الإسرائيلية إنّهم لن يتوقّفوا على الرغم من الخسائر الكبيرة والقتلى والجرحى. فهل سيغيّر التدخّل الحوثي في المشهد الجاري منذ أكثر من تسعة أشهر؟

لقد احتفل الحوثيون والإيرانيون والحزب بالإنجاز. وقالوا بعد الضربات الإسرائيلية إنّهم لن يتوقّفوا على الرغم من الخسائر الكبيرة والقتلى والجرحى

الأميركيون ووزير الدفاع الإسرائيلي ذهبوا إلى أنّ المفاوضات مع حماس من خلال قطر ومصر ستصل إلى نهايات واعدة خلال أيام. وقد انحصرت الخلافات بعد الاتفاق على كلّ شيء في مصائر معبر فيلادلفي الذي لا يريد الإسرائيليون الانسحاب منه، كما لا يريدون تسليمه لشرطةٍ من عند حكومة أبي مازن. وهناك خلافٌ آخر يتعلّق بالانتشار الإسرائيلي في وسط القطاع وقسمة غزة إلى طرفين لا يلتقيان: فهل يكون الحلّ في إحلال جنود أميركيين في الموقعين؟ الأميركيون لا يريدون ذلك، والإسرائيليون يتحدّثون عن إمكان الاستعانة بقوّةٍ أوروبية بعد وقف إطلاق النار!

من الخاسر الأوّل؟

يومُ ما بعد وقف النار يبعث على الخطورة والترقّب. لكن هل يمكن الحديث الآن عن نتائج الحرب أو من انتصر ومن خسر؟ الخاسر الأوّل بالفعل الشعب الفلسطيني وليس في غزة فقط التي فقدت العمران والإنسان، بل وفي الضفة الغربية التي قُتل فيها المئات، وزاد الأسرى على عشرة آلاف، وأُضيفت إليها أعباء عشرات المستوطنات إلى مئاتٍ أخرى يسكنها مئات الألوف. والخاسر الثاني بالطبع أيضاً حماس والفرق المقاتلة الأُخرى التي فقدت الآلاف من عسكرها وفدائيّيها.

الحرب

أمّا إسرائيل، وعلى الرغم من أنّ خسائرها العسكرية والاقتصادية هائلة من وجهة نظرها، فإنّها لم تنتصر، ليس بسبب أنّ حماساً وحلفاءها ما يزالون يقاتلون، بل ولأنّ المستقبل يقول منذ الآن إنّ أحداثاً مشابهةً يمكن أن تتجدّد على الكيان إلى ما لا نهاية، وبخاصّةٍ أنّ نتنياهو واليمين لا يريدون دولةً فلسطينيةً مهما كلّف الأمر.

لا يبدو أنّ الضربة الحوثية لإسرائيل والردّ عليها سيغيّران في مسار الحرب

ماذا عن الطرف الإيراني وحلفائه من الميليشيات المنتشرة على حدود الكيان؟ ولست أقصد لبنان واليمن والعراق وسورية، بل ما يراه المراقبون أنّ إيران صارت أكثر تحكّماً بالملفّ الفلسطيني، وليس بسبب الحزب فقط بل وبسبب حماس وبعض الميليشيات. لقد تبيّن أنّ “رجولة” الحزب في المواجهة والصبر على الخسائر ليست فريدة، بل هناك أيضاً الحوثي الذي يستطيع الإضرار بالولايات المتحدة وبريطانيا والمصالح البحرية لسائر الأمم. ثمّ إنّ التفاوض لا ينجح إلا بحضور إيراني من نوعٍ ما، وأمل وطموح بشأن النووي وبشأن الحصار الاقتصادي.

لقد ظنّ المراقبون أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يريد الهدنة، ويريد الانتصار المطلق الذي يُزيل حماساً، بيد أنّ الضربات على الحديدة تزيد من اشتعال الحرب، ولن تُكسب إسرائيل المزيد على أيّ حال، كما أنّ الإسرائيليين في غالبيّتهم يريدون وقف الحرب.

إنّها حرب هائلة خسر فيها الفلسطينيون، وحقّق الآخرون إنجازات خالطتها آلام وتضحيات. وبغضّ النظر عمّا يريده نتنياهو حقّاً، ستتوقّف الحرب، لكنّ اليوم التالي بعد الحرب سيكون أصعب وأصعب. فهل كان للإقدام على الحرب معنى؟

أساس ميديا

لمتابعة الكاتب على X:

@RidwanAlsayyid

Continue Reading

أخبار الشرق الأوسط

هل هم الكيان أم نحن؟! — شأن هذا الانفصال تعميق وتسريع ديناميّات الحرب الأهليّة

Avatar

Published

on

بالصدفة أعادتني مجريات الانتخابات الأميركية إلى بعض ما يدور في لبنان. ‏استوقفتني عبارة مهمّة في خطاب جي دي فانس، الشابّ الذي اختاره المرشّح الجمهوري دونالد ترامب ليكون نائباً له في تذكرة الانتخابات الرئاسية الأميركية. قال فانس مخاطباً جماهير المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري إنّ “الناس لا يقاتلون ويموتون من أجل مفاهيم مجرّدة، لكنّهم سيقاتلون دفاعاً عن بيوتهم وأوطانهم”.

Follow us on twitter‏

أهمّية هذه الفكرة التي قالها المرشّح لنيابة ترامب، أنّها تصيب عمق الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي التي جعلت الانتخابات الرئاسية تدور حول “إنقاذ الديمقراطية”، وأنّ ترامب هو عدوّها. فكرة مجرّدة معزولة عن مشاكل الأميركيين اليومية، التي يتقن دونالد ترامب تسليط الضوء عليها. سواء كانت اقتصادية أو تتعلّق بالهويّات. لا سيّما ما يدور حول الجنس والجندر والتعليم، وباقي الأفكار الجديدة المقلقة للأميركيين والتي يتبنّاها اليسار التقدّمي.

قبل عام 2000، تمحورت فكرة المقاومة حول الكفاح من أجل التحرير، وهو هدف ملموس وحقّ لا ينازع بسهولة

نبّهني كلام جي دي فانس عن الانفصال بين الأفكار السامية والحاجات الواقعية على الأرض، إلى التحوّلات التي أصابت الحزب وفكرة المقاومة ونقلتها من قضيّة ملموسة وموحّدة نسبياً إلى مفهوم مجرّد يثير المزيد من الانقسام بين اللبنانيين.

“البارومتر العربيّ”: لا ثقة بالحزب

قبل عام 2000، تمحورت فكرة المقاومة حول الكفاح من أجل التحرير، وهو هدف ملموس وحقّ لا ينازع بسهولة، حتى ولو اختلف اللبنانيون على ما يسمّى قرار المقاومة أو مرجعيّتها. عنت المقاومة حينها القتال من أجل الوطن والقرى والبلدات التي كانت مُحتلّة في جنوب لبنان وبقاعه الغربي، والسيادة والكرامة وغيرها من المفاهيم التي أسّست لسردية قويّة ومقنعة.

ولم يكن من باب الصدفة أن يحصل التصادم الأوّل بين جزء من اللبنانيين والحزب وسوريا في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في أيار من عام 2000، وهو ما وضع مسألة السلاح على طاولة البحث الوطني.

حين أدخل الحزب لبنان واللبنانيين في حرب تموز 2006، ‏ وجّه أوّل ضربة حقيقية لسردية المقاومة التي تحصّن بها

والحال، قلّة يجب أن يفاجئها ما كشفه استطلاع لآراء اللبنانيين أجرته مؤسّسة “الباروميتر العربي” من أوائل العام الجاري عن تزايد استياء اللبنانيين من الحزب. فحسب النتائج يثق 30% من اللبنانيين فقط بالحزب، بينما لا يثق به على الإطلاق 55% من المستطلَعين. علاوة على ذلك فإنّ 42% يعارضون بشدّة فكرة أنّ مشاركة الحزب في السياسة الإقليمية تفيد العالم العربي.

نهاية ارتباط مصالح اللّبنانيّين بالحزب

حين أدخل الحزب لبنان واللبنانيين في حرب تموز 2006، ‏ وجّه أوّل ضربة حقيقية لسردية المقاومة التي تحصّن بها. ‏كانت هذه الحرب التي تسبّب بها الحزب نذير البدايات المشؤومة لمشاركته في الصراعات الإقليمية. سيدخل الحزب لاحقاً في حرب نظام الأسد ضدّ شعبه تحت راية الدفاع عن “المراقد الشيعية المقدّسة”. وهو أحد أكثر العناوين تجريداً وانفصالاً عن مصالح اللبنانيين وقضاياهم الحياتية واليومية.

وحين أعلن نصرالله مساندة حزبه للحوثيين في الحرب اليمنيّة – السعودية، بعد انقلاب الحوثيين على العملية السياسية واحتلال صنعاء، لم يعثر اللبنانيون على دليل واحد يربط بين مصالح بيروت وما يحصل في دولة بعيدة كلّ البعد عن وعيهم ووجدانهم العامّ.

لم يفهم كثير من اللبنانيين، بما في ذلك أهل الجنوب، منطق نصرالله هذا حتى يومنا

ولكي يردم نصرالله هذه الفجوة ذهب كعادته إلى أعلى مستويات المبالغة الخطابية فقال بعد سنة من بدء هذه الحرب:

“إذا سألتني عن أشرف ما قمت به في حياتي وأفضل شيء وأعظم شيء، فسأجيب: الخطاب الذي ألقيته ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن.. أشعر أنّ هذا هو الجهاد الحقيقي، هذا أعظم من حرب تموز”.

رفع جرعة “التّجريد”… تسريع الحرب الأهليّة

لم يفهم كثير من اللبنانيين، بما في ذلك أهل الجنوب، منطق نصرالله هذا حتى يومنا. في حين تزداد جرعة التجريد في معارك الحزب التي تتمحور أكثر حول المعارك الأيديولوجيّة في أراضٍ بعيدة جغرافيّاً وأبعد عن اهتمامات اللبنانيين ومصالحهم.

لا تتعلّق المسألة هنا بالعلامة التجارية للحزب. فهم هذا التحوّل أمر بالغ الأهمّية لتحليل الديناميّات الحالية لعلاقة الحزب ببقيّة اللبنانيين. فكلّما كفّت المقاومة عن كونها فكرة ملموسة قادرة على تأمين حدّ صحّي من وحدة اللبنانيين حولها، وصارت مفهوماً مجرّداً مغلقاً، زاد الانفصال حدّةً بين الناس وتآكلت قدرتهم على تلمّس بعضهم معاناة بعضٍ.

من شأن هذا الانفصال تعميق وتسريع ديناميّات الحرب الأهليّة، وإغراق لبنان في آخر الاختبارات التي تضمن نهايته التامّة والناجزة.

أليس من المفارقات أنّ السيد حسن نصرالله الذي يصف إسرائيل بأنّها كيان، هو نفسه أكثر من ساهم في إفقاد لبنان كلّ ما يتّصل بفكرة الدولة!

يتبجّح الحزب بأنّ قوّة المقاومة هي التي فرضت ترسيم الحدود البحرية، في حين لم يبقَ للبلد أدلّة أخرى على كونه دولة. فلا عملة حقيقية ولا جواز سفر ولا مؤسّسات دستورية واقعية ولا شيء.

كأنّ التجريد انسحب على البلاد نفسها، التي باتت من باب التجريد نفسه تسمّى “دولة”.

أساس ميديا
لمتابعة الكاتب على X:
@NadimKoteich

Continue Reading

أخبار الشرق الأوسط

قرارُ مَحكمةِ العَدلِ الدولية يَمنَحُ الفلسطينيين بعضَ الأمل، ولكن…

Avatar

Published

on

في حين أنَّ الظروفَ على الأرض لا تزالُ مُزرِية، فإنَّ حُكمَ محكمة العدل الدولية يُقدِّم للفلسطينيين أداةً مُفيدةً لحَشدِ الضغطِ الدولي ضد إسرائيل – وربما هو الطريق الوحيد للمضي قُدُمًا.

عمر حسن عبد الرحمن*

في حُكمٍ تاريخي، اعتبرَت أعلى محكمة في العالم أنَّ الاحتلالَ العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ 57 عامًا غير قانوني وأمرت إسرائيل بإنهاء وجودها هناك، بما في ذلك جميع مستوطناتها ومستوطنيها، “في أسرعِ وَقتٍ مُمكِن”. كما ألزمَ القرارُ المؤلَّفُ من تسعِ نقاطٍ الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي إسرائيل بدَفعِ تعويضاتٍ لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعا دول العالم والمنظمات الدولية إلى الامتناعِ عن مساعدةِ إسرائيل في الحفاظِ على وجودها هناك.

Follow us on Twitter

وجاءَ حُكم المحكمة، في 19 تموز (يوليو)، استجابةً لطلبِ الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) 2022 لإصدارِ رأيٍ استشاريٍّ بشأنِ التَبِعاتِ القانونية لاحتلال إسرائيل الذي طال أمده، فضلًا عن إنكارها لحقِّ الفلسطينيين في تقريرِ المصير، وسياساتها الاستيطانية والضمّ، وتشريعاتها التمييزية، وجهودها لتغيير التركيبة السكانية للمناطق التي تحتلها، وخصوصًا القدس الشرقية.

في شباط (فبراير) من هذا العام، قدّمَت 52 دولة وثلاثُ منظّماتٍ دولية مُرافعاتها أمام المحكمة، وهو عددٌ أكبر من أيِّ قضيةٍ أُخرى شهدتها محكمة العدل الدولية في تاريخها الذي يبلغ 78 عامًا، وكُلُّها تقريبًا كانت نيابةً عن فلسطين. وقاطعت إسرائيل الإجراءات.

أملٌ في المُساءلة؟

أساسًا، وَجَدَت المحكمة أنَّ إسرائيل تَنتَهِكُ التزاماتها كقوّةِ احتلال بطُرُقٍ عدة، وأنَّ احتلالها غير القانوني يَحرُمُ الفلسطينيين من حقّهم الأساسي في تقريرِ المصير، وأنَّ النظامَ الحالي ينتهِكُ الحظرَ المفروض على التمييزِ والفَصلِ العُنصُرِيَين.

في الواقع، يُشَكّلُ هذا الحُكمُ ضربةً قويةً لإسرائيل ومؤيديها الذين يتعرَّضون أصلًا لضغوطٍ هائلةٍ بسببِ سلوكِ إسرائيل العسكري في غزة، حيث قتلت خلال تسعة أشهر ما لا يقل عن 40 ألف شخص –معظمهم من النساء والأطفال– وشرّدت وتسبّبت في تجويع الملايين، ودمّرت جُزءًا كبيرًا من البنية التحتية والمنازل في القطاع. في كانون الثاني (يناير)، قضت محكمة العدل الدولية بأنَّ إسرائيل تُخاطِرُ بارتكابِ إبادةٍ جماعية. ومنذ ذلك الحين، تجاهلت الدولة العبرية تمامًا الإجراءات التي أمرت بها المحكمة لتَجَنُّبِ ارتكابِ أخطرِ الجرائم. وفي حزيران (يونيو)، طلبَ المُدَّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة الشقيقة لمحكمة العدل الدولية، أوامر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت للاشتباه في ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

لا شكَّ أنَّ القرارَ الأخير لمحكمة العدل الدولية هو نَصرٌ كبيرٌ للقضية الفلسطينية ويجلب العون والأمل في لحظةٍ عصيبة من تاريخها. لقد ناضلَ الفلسطينيون منذ فترة طويلة من أجلِ مُحاسَبةِ إسرائيل على حرمانهم من حقوقهم الوطنية. ومن الممكن أن يكون رأي محكمة العدل الدولية بمثابةِ رصيدٍ مُفيدٍ في هذا الصدد، شريطة الاستفادة منه لحشدِ ضغوطٍ دولية ذات معنى.

وفي حين أنَّ الحُكمَ هو رأيٌ استشاري غير مُلزِم، إلّا أنَّهُ لا يزالُ له وزنه داخلَ النظامِ الدولي بسببِ مكانةِ المحكمة. وفي نقطتها الأخيرة، دعت محكمة العدل الدولية الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى “النظر في الأساليب الدقيقة والإجراءات الإضافية المطلوبة” لإنهاءِ الاحتلال الإسرائيلي بسرعة.

قد يدفعُ هذا القرارُ الدولَ، وخصوصًا الكبرى منها، إلى تكثيفِ الضغوط على المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. وقد نشرت الأمم المتحدة في العام 2020، “قائمة سوداء” تضمُّ أكثر من 100 شركة عاملة في المستوطنات، تحقيقًا لهذه الغاية. لكن من غير الواضح ما إذا كانت الدولُ ستَعتَبِرُ حُكمَ المحكمة الأخير التزامًا بقطعِ العلاقاتِ مع إسرائيل بالكامل. وفي حين أشارَ القضاة بوضوح إلى وجودِ صلةٍ بين إسرائيل والأراضي المحتلة بقولهم إن إسرائيل قامت بالفعل بضمِّ الأراضي المحتلة، إلّا أنهم لم يعترفوا صراحةً بأنَّ وجودَها في الأراضي المحتلة أصبح لا يُمكِنُ تمييزه عن بقية الدولة.

حقائق على الارض

في اليوم السابق للحُكم، أصدرَ الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قرارًا أعلنَ فيه “معارضته الحازمة لإقامةِ دولةٍ فلسطينية”، على أساسِ أنَّ ذلك “سيُشَكِّلُ خطرًا وجوديًا على إسرائيل ومواطنيها، ويؤدّي إلى إدامةِ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وزعزعة استقرار المنطقة”. في الواقع، إنَّ الطبقة السياسية في إسرائيل بأكملها أعلنت من خلال ذلك أنها لا تنوي الخروجَ من الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

التصويت، الذي تمّت الموافقة عليه بغالبية 68 صوتًا ومعارضة تسعة –جميعهم أعضاءٌ عرب في الكنيست– وامتناع 43 عضوًا عن التصويت، جاءَ وسط تجدُّدِ الدعوات الدولية لإقامةِ دولةٍ فلسطينية. وتسعى القوى العالمية جاهدةً من أجل المضي قدمًا لإيجادِ المسارِ في اليوم التالي في غزّة بمجرّد انتهاءِ الأعمال العدائية، وقد اعترفت دولٌ متعددة بفلسطين منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بما فيها إيرلندا وبلجيكا وإسبانيا. ويُفيد بعضُ التقارير بأنَّ اليابان وكوريا الجنوبية على وشكِ أن تحذوا حذوها، مما سيصل مجموع الدول المُعتَرِفة بدولة فلسطين إلى 147.

قدّمَ  القرار إلى الكنيست حزب المعارضة اليميني، “حزب الأمل الجديد–اليمين المُتّحد”، الذي قال رئيسه جدعون ساعر أنَّ “القرارَ يهدفُ إلى التعبير عن المعارضة العامة الموجودة بين الشعب (الإسرائيلي) لإقامةِ دولةٍ فلسطينية، الأمر الذي من شأنه أن يُعرِّضَ أمنَ ومستقبلَ إسرائيل للخطر”. ويوجّه القرارُ رسالةً إلى المجتمع الدولي مفادها أنَّ “الضغطَ من أجلِ فَرضِ دولةٍ فلسطينية على إسرائيل لا طائلَ منه”. كما صوّتَ الوزير السابق بيني غانتس، الذي يعتبره الكثيرون في الغرب البديل الأكثر قبولًا من بنيامين نتنياهو، لصالحِ القرار.

ودعا وزير المالية الإسرائيلي البارز بتسلئيل سموتريتش، نتنياهو إلى الردِّ على حُكمِ محكمةِ العدلِ الدولية بضمِّ الضفة الغربية رسميًا. ويحرُصُ القادةُ الإسرائيليون على تذكيرِ الفلسطينيين ومُنتقدي إسرائيل في الخارج بأنهم هم الذين يسيطرون على الوضع على الأرض.

في هذا العام، صادرت إسرائيل المزيد من الأراضي المحتلة مُقارنةً بأيِّ فترةٍ أخرى منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993. وقد بلغ عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين أعلى مستوياته على الإطلاق، وتم طرد أكثر من عشرة مجتمعات فلسطينية في الضفة الغربية قسرًا من أراضيها منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر). في الواقع، استخدَمَ الوزراء الإسرائيليون من اليمين المتطرِّف الأزمة الحالية كغطاءٍ لإجراءاتٍ غير عادية لدمجِ الأراضي المحتلة في الدولة ونقل السلطات من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية.

تغييرُ هيكلِ الحوافز

بينَ قرارِ محكمة العدل الدولية، وقرارِ الكنيست، والأرض المحروقة في غزة، أصبحَ المسرحُ مُمَهَّدًا للمرحلةِ التالية من المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

في الواقع، لقد تجاوزَ الاحتلالُ نقطةَ اللاعودة منذ فترة طويلة، بمعنى أنَّ إسرائيل نجحت في بناءِ مشروعٍ استيطاني مُصَمَّمٍ بحيثُ يكون من المستحيل دحره سياسيًا. وبعد نصف قرن من الاستثمارِ المُكَثَّفِ في مشروعِ الضمِّ والإفلاتِ شبه الكامل من العقاب على انتهاكاته للقانون الدولي، انقلبَ هيكلُ الحوافز لصُنعِ السلام رأسًا على عقب. إنَّ القوى المؤيِّدة للضمِّ قويةٌ جدًّا والمصالح الخاصة راسخة للغاية. وتعتقدُ غالبيةٌ ساحقةٌ من الإسرائيليين الآن أنَّ الدولةَ الفلسطينية سوف تُشَكِّلُ تهديدًا مُتأصِّلًا لأمنهم. إنَّ حقيقةَ عدم تصويتِ أيِّ عضوٍ يهودي في الكنيست لصالحِ حلِّ الدولتَين هي أحدثُ دليلٍ على ذلك.

إنَّ تغييرَ هذه الديناميكية سوفَ يتطلَّبُ تحوُّلًا كبيرًا في الحسابات الحالية للتكاليف والفوائد بين الساسة الإسرائيليين والجمهور الإسرائيلي. وهذا لا يُمكِنُ أن يأتي إلّا من خلالِ حشدِ ضغوطٍ عقابية كبيرة على إسرائيل.

مع ذلك، فإنَّ السُبُلَ المؤدّية إلى المُساءلة والضغط والتغيير ليست واضحة، وبالتأكيد ليست مضمونة. تتمتّعُ إسرائيل بحمايةِ ودَعمِ أقوى دولة في العالم، إلى جانب العديد من الدول الأخرى ذات النفوذ. على الرُغمِ من أنَّ الخبراءَ وجماعات حقوق الإنسان قد قدّموا تقاريرَ شاملة عن الطبيعة الإجرامية لنظامِ احتلالها لعقود، فإنَّ إسرائيل حافظت على ما يكفي من حجاب اللياقة والشرعية لإرضاء شركائها.

وعلى الرُغم من حُكمِ محكمة العدل الدولية، فإنَّ الدولَ القوية عمومًا تكون محافظة عندما يتعلّقُ الأمرُ بالمحاكم والقانون الدوليين، خشيةَ أن يُستَخدَما ضدها في مرحلةٍ ما. وقضت محكمة العدل الدولية هذا الشهر بأنَّ الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية غير قانوني ويجب هدمه، لكن إسرائيل لم تُواجِه ضغوطًا تُذكَر للامتثال.

لكن في السنوات الأخيرة، انكشفَ حجابُ لياقة إسرائيل بشكلٍ متزايد وأصبحت نواياها الحقيقية واضحة للعيان. وقد أوضحت الحكومات اليمينية المتعاقبة أنَّ الاحتلالَ ليس مؤقتًا، وأنَّ إسرائيل تعتزمُ ضمَّ الضفة الغربية كُلِّيًا أو جُزئيًّا. وعلى هذا فإنَّ الحُكمَ الإسرائيلي غير الديموقراطي للفلسطينيين يبدو أنهُ مستمرٌ ودائمٌ. وقد دفع هذا العديد من المراقبين –بما في ذلك جماعات حقوق الإنسان المُحتَرَمة عالميًا– إلى الاستنتاج بأنَّ إسرائيل تُمارِسُ جريمة “الفصل العنصري”، حيث تفرُضُ نظامَ تمييزٍ عُنصري لصالح مجموعةٍ على حسابِ مجموعةٍ أُخرى.

في الواقع، ما يَقرُبُ من نصف الدول التي مَثَلَت أمامَ محكمةِ العدل الدولية في شباط (فبراير) قدَّمَت حججًا بشأنِ الفصل العنصري، وفي حُكمها الصادر في تموز (يوليو) ذكرت المحكمة أنَّ إسرائيل تنتهكُ الحظرَ المفروض على الفصل العنصري المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. .

تعرَّضت صورةُ إسرائيل العالمية لضربةٍ قويةٍ منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر). فمن الأحرام الجامعية في الولايات المتحدة إلى المدن في جميع أنحاء العالم، يُعبّرُ الناس عن غضبهم من سياسات إسرائيل في كلٍّ من غزة وفي الأراضي المحتلة بشكلٍ عام. ويبدو احتمالُ المُساءلة واضحًا ربما للمرة الأولى. على الرُغمِ من الكارثة التي تتكشّفُ في غزة وأزمة القيادة في السياسة الفلسطينية، فإنَّ الحُكمَ التاريخي لمحكمة العدل الدولية يمنحُ الفلسطينيين بصيصَ أملٍ في أنهم قد يجدون طريقًا نحو التحرير والحصول على حقوقهم.

  • عمر حسن عبد الرحمن هو زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، حيث يُركّزُ على فلسطين والجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.
Continue Reading