Connect with us

أخبار الشرق الأوسط

الغاز الإسرائيلي: إكتفاء ذاتي ومشاريع تصدير

Avatar

Published

on

وضعت الإكتشافات البترولية شرقي البحر الأبيض المتوسط، “إسرائيل” على خريطة الطاقة في المنطقة. تاريخياً، كانت “إسرائيل” تعتمد على الواردات الخارجية لتلبية معظم إحتياجاتها من الطاقة، ونتيجة للتطورات المتصاعدة أتت هذه الإكتشافات في فترة مفصليّة ومهمّة جدّاً بالنسبة إليها فهي كانت على وشك الوقوع في مشاكل حول إيجاد مصادر خارجيّة لتأمين حاجاتها الداخلية. فحقول الغاز المكتشفة حديثاً ضمن المياه الإقتصاديّة الخالصة، قد قلبت المعادلة وأضحت ترسم مستقبلاً واعداً، إن لجهة تحقيق الإكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي المخصص للإستهلاك الداخلي أو لجهة تحوّلها إلى أبرز مصدّري الغاز في المنطقة. الأمر الذي سيترك إنعكاسات مباشرة على مستقبلها السياسي والإقتصادي والأمني، وبالتالي سيرسم تحديات جدية في وجه تسويق الغاز اللبناني.
Follow us on twitter
إنتاج من الحقول الإسرائيلية وخوف على “اللبنانية”

حالياً، تستخرج “إسرائيل” معظم مواردها من الغاز الطبيعي من حقلي “لفياثان” و”تمار”. يحتوي “تمار” على أكثر من 300 مليار متر مكعب من الغاز، ولديه القدرة على إنتاج 11 مليار قدم مكعب من الغاز سنويّاً. وفي هذا الإطار، أعلنت الشركات المشاركة في إستثمار حقل “تمار” بتاريخ 8 كانون الأول 2022، أنها ستستثمر نحو 673 مليون دولار لتوسيع إستخراج الغاز من الإحتياطي في ضوء الطلب المتزايد من الداخل والخارج.

وجاءت معظم إيرادات “الغاز الإسرائيلي” من حقل “لفياثان”، بحيث تُنقل سعة قصوى تصل إلى 12 مليار متر مكعب سنوياً من خزان “لفياثان” لتصدير الغاز وبيعه داخل “إسرائيل” وخارجها، مع العلم أن هذا الحقل يعتبر أحد أكبر إكتشافات الغاز في المياه العميقة في العالم والذي يقع غرب حيفا.

في حين يتوقع أن تبدأ قريباً بإستخراج الغاز من حقل “كاريش” الذي تم إكتشافه في العام 2013. يعتبر هذا الحقل قريباً جداً من الحدود الفاصلة بين المناطق الإقتصادية الخالصة لكل من لبنان و”إسرائيل” المنجزة وفقاً لإتفاق الترسيم الموقع بين الطرفين في تشرين الأول 2022، ذلك أن أقرب نقطة منه تبعد مسافة نحو أربعة كيلومترات فقط من الحدود البحرية اللبنانية وبالتحديد عن البلوك رقم 8 وتبعد مسافة نحو ستة كيلومترات عن البلوك رقم 9، يشار إلى أن هذين البلوكين يقعان جنوب المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان.

هذا يعني وجود مخاوف منطقية من إمكانية “إسرائيل” الوصول تقنياً إلى الحقول اللبنانية خاصة وأن أبرز التوقعات الجيولوجية تشير إلى إمكانية كبيرة لوجود مكامن مشتركة تحت البحر. وهذا أمر في منتهى الخطورة، خاصة في حال إستخدمت التقنيات الحديثة في الحفر الأفقي والعمودي، الأمر الذي يستوجب إسراع لبنان في إستغلال ثروته البترولية وصياغته لإستراتيجية واضحة تضمن تصدير وتسويق غازه إلى الأسواق المطلوبة والمناسبة.

لماذا الحديث عن “كاريش”؟ لأن الحقول الأخرى التي تعمد على إستغلالها على طول الشاطئ نذكر منها على سبيل المثال حقول “لفياثان” و”دولفين” و”داليت” و”تمار” و”تانين” بعيدة نسبياً عن المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية وبالتالي من المستبعد أن تسبب عملية التنقيب في تلك الحقول أي تأثير على المنطقة اللبنانيّة وثرواتها.

إكتشافات تجارية جديدة

مؤخراً، أعلنت “إسرائيل” في تشرين الأول من العام 2022، عن تحقيق إكتشاف تجاري من الغاز الطبيعي في حقل “هيرمس” قبالة “الساحل الإسرائيلي”. بحيث أكدت شركة “إنرجين” اليونانية التي تقوم بعمليات الإستثمار أن التقديرات الأولية تشير إلى أن الحقل يحتوي ما بين 7 إلى 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي القابل للإستخراج. كذلك، فقد أعلنت الشركة اليونانية المذكورة عن بدء عمليات الحفر والتنقيب في حقل “زيوس” الواقع جنوب شرقي حقل “كاريش”.

يقدّر الخبراء أن إمكانات حقول الغاز على طول “الساحل الإسرائيلي” كبيرة جداً، لكن قدرة خطوط أنابيب التصدير لا تزال محدودة. إذاً تمتلك “الحقول الإسرائيلية” الحالية طاقات إنتاجية لم تُستغلّ بالكامل بعد، وبناءً على هذه المعطيات فإن سيناريو تحوّل “إسرائيل” إلى مورّد رئيسي لتصدير الغاز الطبيعي إلى الأسواق الإقليمية والعالميّة، هو سيناريو واقعي ومتوقّع. إلا أن أبرز التحديّات المهمّة التي تواجه السلطة السياسية تتعلّق بإختيار طرق تصدير فائض الغاز. لذلك، بدأت تتحرّك إقليمياً من خلال قيادة سلسلة محادثات ومشاريع مع دول الجوار لتوريد الغاز المستخرج من الحقول البحرية إلى الأسواق العربية والأوروبية.

مشاريع تصدير الغاز الإسرائيلي

أبرز المشاريع في هذا المجال وأكثرها جديّة يتمثّل بإختيار قبرص كبوابة لعبور “الغاز الإسرائيلي” إلى القارة الأوروبية، كذلك عمدت إلى عقد إتفاقات مع كل من الأردن ومصر. من هنا، تسعى “إسرائيل” إلى محاولات لإنشاء تحالفات إقليمية للطاقة في سبيل التخطيط لتصدير الغاز إلى الأسواق القريبة وذلك من خلال مد أنابيب غاز في البحر أو إنشاء محطات لتسييل “الغاز الإسرائيلي” على الخط الساحلي “لإسرائيل” المطلّ على البحر المتوسط من جهة كما وعلى الساحل المطلّ على البحر الأحمر بالقرب من “إيلات”، الأمر الذي سيساهم في تمكين “إسرائيل” من ربط الأسواق الأوروبية والآسيويّة على حدّ سواء. وبالتالي، من المرجح أن يؤثر هذا الأمر سلباً على فرص تسويق الغاز اللبناني في خضم إنشاء هكذا مشاريع. فأي إستراتيجية سيعتمدها لبنان لمواجهة هذه التحديات؟

في هذا السياق، وفي 14 كانون الثاني 2019، تمّ إنشاء “منتدى غاز شرق المتوسط” مقرّه القاهرة، وهو سوق غاز إقليمي يهدف لخدمة مصالح الأعضاء من خلال تأمين حاجاتها من العرض والطلب من الغاز الطبيعي، وهو يضم 7 دول شكّلت شراكة إقتصاديّة وتجارية في ما بينها وهي: إسرائيل والأردن واليونان وقبرص والسلطة الفلسطينية ومصر وإيطاليا. بحيث يكمن الهدف الأساسي منه العمل على إنشاء سوق غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب وتنمية الموارد على الوجه الأمثل، بالإضافة إلى ترشيد تكلفة البنية التحتيّة وتقديم أسعار تنافسيّة وتحسين العلاقات التجاريّة بين دوله.

في الإطار نفسه، وفي الثاني من كانون الثاني 2020، وقّعت كل من اليونان و”إسرائيل” وقبرص إتفاقاً لبناء خط أنابيب بحري لنقل الغاز الطبيعي من الحقول البحرية في شرق البحر المتوسط إلى أوروبا وهو مشروع من شأنه أن يخفّف من إعتماد القارّة الأوروبيّة على الغاز الروسي الذي يشكّل حوالى 40% من إحتياجات دول الإتحاد. وسيربط خط أنابيب “East Med” الذي يبلغ طوله 1300 ميل وتقدّر تكلفته حوالى 6 مليارات يورو شرق البحر المتوسط باليونان وسيتم ربطه لاحقاً بمجموعة من خطوط أنابيب الطاقة في إيطاليا. على أن تبدأ الأطراف الثلاثة بالتخطيط لكيفيّة الإستثمار بالمشروع وإستكماله لاحقاً بحلول العام 2025. بحيث يعتبر الإتحاد الأوروبي موقع خط الأنابيب المذكور حيوياً لأمن الطاقة الأمر الذي يبرّر سرعة موافقته على إطلاق المشروع.

إلا أن تركيا تعارض هذا المشروع بقوّة خوفاً من تقويض دورها كمورّد للطاقة إلى القارة الأوروبية، بحيث إتهمت تركيا الأطراف الموقعة على هذا المشروع بتدبير خطّة لعزلها في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا السياق طرحت العديد من الأسئلة حول تصدير الغاز عبر خط أنابيب “إيست ميد” حيث ستحتاج إلى عبور المنطقة الإقتصادية التركيّة والليبيّة، خاصة بعدما أبرمت تركيا إتفاقاً بحرياً لترسيم الحدود مع ليبيا في العام 2019.

فمن جهة تتواصل “إسرائيل” مع الإتحاد الأوروبي من أجل تزويده بالغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في ما بينهما في مجال الطاقة. ومن جهة أخرى دخلت بسلسلة محادثات وإتصالات مع دول أخرى عربيّة وغير عربيّة من أجل الهدف نفسه، خاصّة وأنها بدأت بالإنتاج من حقول عدّة.

بالنسبة إلى محادثاتها مع الدول العربيّة، عمدت إلى التواصل مع دول عربية وخليجية عدّة. إلا أنه في الوقت الحالي، تعد مصر والأردن الوجهة الرئيسة لصادرات “الغاز الإسرائيلي” وذلك عبر خطوط الأنابيب التي تربطها بكلا البلدين، ففي حين يستخدمه الأردن في تأمين إحتياجاته الداخلية، تقوم مصر بإعادة تصديره إلى الخارج بعد إسالته.

توجّه لزيادة الإنتاج والتصدير

من المتوقع أن تشهد صادرات “الغاز الإسرائيلي” إلى الخارج إرتفاعاً خلال المرحلة المقبلة، في ظل محاولة تل أبيب للمساهمة بتلبية جزء من الإحتياجات الأوروبية. في هذا السياق، وبتاريخ 8 أيار 2023، أعلنت الحكومة الإسرائيلية موافقتها على مشروع لتوسيع شبكة خطوط الأنابيب الإسرائيلية بهدف زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر، على أن يشمل إنشاء وتأمين بنية تحتية متكاملة تناسب المشروع وحجمه ومتطلباته. تعد مصر الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات لتسييل الغاز الطبيعي على سواحل شرق المتوسط، إذ تفوق قدرات محطات إسالة الغاز في “دمياط” و”إدكو” 12 مليون طن سنوياً. يعتبر هذا الأمر من أهم ركائز البنية التحتية التي تمتلكها مصر في مجال تجارة وتوريد الغاز الطبيعي.

وفي هذا الإطار، إعتبرت وزارة الطاقة الإسرائيلية أن الموافقة التي صدرت تسمح ببناء خط أنابيب في الجنوب الإسرائيلي بقيمة 248 مليون دولار على أن يمتد لمسافة 65 كلم إلى الحدود مع مصر، ما سيسمح بنقل 6 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً. الأمر الذي سيمنح إيرادات سنوية إضافية تقدّر بحوالى 55 مليون دولار سنوياً من جهة وسيسمح كذلك بزيادة إحتمالات تصدير الغاز من مصر إلى القارة الأوروبية من جهة أخرى.

تُظهر بيانات وزارة الطاقة الإسرائيلية أن العام 2022 سجّل زيادة ملحوظة في العائدات الناتجة عن بيع الغاز الطبيعي. بحيث تقدّر كمية الزيادة في تلك العائدات بنسبة 36%، إذ حققت إيرادات “الغاز الإسرائيلي” رقماً قياسياً جديداً يُقدّر بـحوالى 456 مليون دولار وسط توقعات بزيادة الإنتاج في السنوات المقبلة.

في المحصلة، من المؤكد أن تشهد مشروعات التنقيب عن الغاز طفرة كبيرة في الأعوام المقبلة، لذلك فمن المتوقع أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتعزيز عمليات تطوير حقول الغاز في المياه البحرية. إذ تعلم هذه الأخيرة أن “إسرائيل” مثل قبرص واليونان ومصر، تبحث جميعاً عن حلول لزيادة صادرات الطاقة إلى أوروبا، بما في ذلك توسيع الإحتياطيات وقدرات التصدير.

فهل سوف ترسم الإكتشافات البترولية الجديدة مستقبل “إسرائيل” الجيوسياسي بتغييرها عناصر الصراع في المنطقة؟ وأين لبنان من كل تلك التطورات؟

(نداء الوطن – باسكال مزهر*) دكتور في العلوم السياسية وباحثة في مجال إدارة قطاع النفط والغاز في لبنان.

Continue Reading

أخبار الشرق الأوسط

هل الضربة الحوثية لإسرائيل والردّ عليها سيغيّران في مسار الحرب؟!

Avatar

Published

on

لا يبدو أنّ الضربة الحوثية لإسرائيل والردّ عليها سيغيّران في مسار الحرب. ويجوز لنا وقد اقتربت نهايات هذه الحرب المدمّرة أن ندلي ببعض التوقّعات أو النتائج، وأهمّها ضخامة خسائر الفلسطينيين في القطاع والضفّة، وخسائر حماس والتنظيمات الأخرى، وهي كبيرة. والإسرائيليون الذين قتلوا كثيراً لن يكونوا آمنين إن لم يوافقوا على دولة فلسطينية. ويستطيع الإيرانيون القول إنّهم كسبوا الشراكة الدائمة في القضية الفلسطينية، كما كسبوا اضطرار الولايات المتحدة إلى مراعاة جانبهم هم وميليشياتهم في مقبل السنين.

Follow us on Twitter 

الطريف أنّه عندما كانت إحدى مسيّرات الحوثيين تصل إلى تل أبيب وتقتل خمسينيّاً، كان رئيس الأركان الأميركي يصرّح أنّ الفريق الأميركي/البريطاني المسمّى: حارس الازدهار ليس كافياً لإخماد التحدّي الحوثيّ بالبحر الأحمر وخليج عُمان والمحيط الهندي، وأنّه لا بدّ من السياسة والدبلوماسية للإقناع بوقف الهجمات التي أزعجت التجارة الدولية وأمن البحار. لا نعرف بالتحديد ماذا كان القائد الأميركي يقصد بالإجراءات التكميلية اللازمة لكفّ إصرار الحوثي: هل يقصد التفاوض في مسقط مع الإيرانيين وبينهم حوثيون أم يقصد تقديم “الإغراءات” لهم على الأرض وفي المفاوضات اليمنية – اليمنية الجارية تحت عيون المبعوث الأميركي والمبعوث الدولي؟

عندما احتفل الحوثيّون والإيرانيّون

كان الحوثيون يصرّحون أنّ هجماتهم دخلت المرحلة الرابعة التي تعني التحرّك في البحر المتوسط أيضاً. وقد صرّح الإسرائيليون بعدما ضربوا ميناء الحديدة أنّهم صبروا على مئتين وخمسين ضربة حوثية لم نسمع عنها شيئاً لأنّه يبدو أنّها ما كانت تصل إلى أراضي دولة الكيان!

لقد احتفل الحوثيون والإيرانيون والحزب بالإنجاز. وقالوا بعد الضربات الإسرائيلية إنّهم لن يتوقّفوا على الرغم من الخسائر الكبيرة والقتلى والجرحى. فهل سيغيّر التدخّل الحوثي في المشهد الجاري منذ أكثر من تسعة أشهر؟

لقد احتفل الحوثيون والإيرانيون والحزب بالإنجاز. وقالوا بعد الضربات الإسرائيلية إنّهم لن يتوقّفوا على الرغم من الخسائر الكبيرة والقتلى والجرحى

الأميركيون ووزير الدفاع الإسرائيلي ذهبوا إلى أنّ المفاوضات مع حماس من خلال قطر ومصر ستصل إلى نهايات واعدة خلال أيام. وقد انحصرت الخلافات بعد الاتفاق على كلّ شيء في مصائر معبر فيلادلفي الذي لا يريد الإسرائيليون الانسحاب منه، كما لا يريدون تسليمه لشرطةٍ من عند حكومة أبي مازن. وهناك خلافٌ آخر يتعلّق بالانتشار الإسرائيلي في وسط القطاع وقسمة غزة إلى طرفين لا يلتقيان: فهل يكون الحلّ في إحلال جنود أميركيين في الموقعين؟ الأميركيون لا يريدون ذلك، والإسرائيليون يتحدّثون عن إمكان الاستعانة بقوّةٍ أوروبية بعد وقف إطلاق النار!

من الخاسر الأوّل؟

يومُ ما بعد وقف النار يبعث على الخطورة والترقّب. لكن هل يمكن الحديث الآن عن نتائج الحرب أو من انتصر ومن خسر؟ الخاسر الأوّل بالفعل الشعب الفلسطيني وليس في غزة فقط التي فقدت العمران والإنسان، بل وفي الضفة الغربية التي قُتل فيها المئات، وزاد الأسرى على عشرة آلاف، وأُضيفت إليها أعباء عشرات المستوطنات إلى مئاتٍ أخرى يسكنها مئات الألوف. والخاسر الثاني بالطبع أيضاً حماس والفرق المقاتلة الأُخرى التي فقدت الآلاف من عسكرها وفدائيّيها.

الحرب

أمّا إسرائيل، وعلى الرغم من أنّ خسائرها العسكرية والاقتصادية هائلة من وجهة نظرها، فإنّها لم تنتصر، ليس بسبب أنّ حماساً وحلفاءها ما يزالون يقاتلون، بل ولأنّ المستقبل يقول منذ الآن إنّ أحداثاً مشابهةً يمكن أن تتجدّد على الكيان إلى ما لا نهاية، وبخاصّةٍ أنّ نتنياهو واليمين لا يريدون دولةً فلسطينيةً مهما كلّف الأمر.

لا يبدو أنّ الضربة الحوثية لإسرائيل والردّ عليها سيغيّران في مسار الحرب

ماذا عن الطرف الإيراني وحلفائه من الميليشيات المنتشرة على حدود الكيان؟ ولست أقصد لبنان واليمن والعراق وسورية، بل ما يراه المراقبون أنّ إيران صارت أكثر تحكّماً بالملفّ الفلسطيني، وليس بسبب الحزب فقط بل وبسبب حماس وبعض الميليشيات. لقد تبيّن أنّ “رجولة” الحزب في المواجهة والصبر على الخسائر ليست فريدة، بل هناك أيضاً الحوثي الذي يستطيع الإضرار بالولايات المتحدة وبريطانيا والمصالح البحرية لسائر الأمم. ثمّ إنّ التفاوض لا ينجح إلا بحضور إيراني من نوعٍ ما، وأمل وطموح بشأن النووي وبشأن الحصار الاقتصادي.

لقد ظنّ المراقبون أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يريد الهدنة، ويريد الانتصار المطلق الذي يُزيل حماساً، بيد أنّ الضربات على الحديدة تزيد من اشتعال الحرب، ولن تُكسب إسرائيل المزيد على أيّ حال، كما أنّ الإسرائيليين في غالبيّتهم يريدون وقف الحرب.

إنّها حرب هائلة خسر فيها الفلسطينيون، وحقّق الآخرون إنجازات خالطتها آلام وتضحيات. وبغضّ النظر عمّا يريده نتنياهو حقّاً، ستتوقّف الحرب، لكنّ اليوم التالي بعد الحرب سيكون أصعب وأصعب. فهل كان للإقدام على الحرب معنى؟

أساس ميديا

لمتابعة الكاتب على X:

@RidwanAlsayyid

Continue Reading

أخبار الشرق الأوسط

هل هم الكيان أم نحن؟! — شأن هذا الانفصال تعميق وتسريع ديناميّات الحرب الأهليّة

Avatar

Published

on

بالصدفة أعادتني مجريات الانتخابات الأميركية إلى بعض ما يدور في لبنان. ‏استوقفتني عبارة مهمّة في خطاب جي دي فانس، الشابّ الذي اختاره المرشّح الجمهوري دونالد ترامب ليكون نائباً له في تذكرة الانتخابات الرئاسية الأميركية. قال فانس مخاطباً جماهير المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري إنّ “الناس لا يقاتلون ويموتون من أجل مفاهيم مجرّدة، لكنّهم سيقاتلون دفاعاً عن بيوتهم وأوطانهم”.

Follow us on twitter‏

أهمّية هذه الفكرة التي قالها المرشّح لنيابة ترامب، أنّها تصيب عمق الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي التي جعلت الانتخابات الرئاسية تدور حول “إنقاذ الديمقراطية”، وأنّ ترامب هو عدوّها. فكرة مجرّدة معزولة عن مشاكل الأميركيين اليومية، التي يتقن دونالد ترامب تسليط الضوء عليها. سواء كانت اقتصادية أو تتعلّق بالهويّات. لا سيّما ما يدور حول الجنس والجندر والتعليم، وباقي الأفكار الجديدة المقلقة للأميركيين والتي يتبنّاها اليسار التقدّمي.

قبل عام 2000، تمحورت فكرة المقاومة حول الكفاح من أجل التحرير، وهو هدف ملموس وحقّ لا ينازع بسهولة

نبّهني كلام جي دي فانس عن الانفصال بين الأفكار السامية والحاجات الواقعية على الأرض، إلى التحوّلات التي أصابت الحزب وفكرة المقاومة ونقلتها من قضيّة ملموسة وموحّدة نسبياً إلى مفهوم مجرّد يثير المزيد من الانقسام بين اللبنانيين.

“البارومتر العربيّ”: لا ثقة بالحزب

قبل عام 2000، تمحورت فكرة المقاومة حول الكفاح من أجل التحرير، وهو هدف ملموس وحقّ لا ينازع بسهولة، حتى ولو اختلف اللبنانيون على ما يسمّى قرار المقاومة أو مرجعيّتها. عنت المقاومة حينها القتال من أجل الوطن والقرى والبلدات التي كانت مُحتلّة في جنوب لبنان وبقاعه الغربي، والسيادة والكرامة وغيرها من المفاهيم التي أسّست لسردية قويّة ومقنعة.

ولم يكن من باب الصدفة أن يحصل التصادم الأوّل بين جزء من اللبنانيين والحزب وسوريا في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في أيار من عام 2000، وهو ما وضع مسألة السلاح على طاولة البحث الوطني.

حين أدخل الحزب لبنان واللبنانيين في حرب تموز 2006، ‏ وجّه أوّل ضربة حقيقية لسردية المقاومة التي تحصّن بها

والحال، قلّة يجب أن يفاجئها ما كشفه استطلاع لآراء اللبنانيين أجرته مؤسّسة “الباروميتر العربي” من أوائل العام الجاري عن تزايد استياء اللبنانيين من الحزب. فحسب النتائج يثق 30% من اللبنانيين فقط بالحزب، بينما لا يثق به على الإطلاق 55% من المستطلَعين. علاوة على ذلك فإنّ 42% يعارضون بشدّة فكرة أنّ مشاركة الحزب في السياسة الإقليمية تفيد العالم العربي.

نهاية ارتباط مصالح اللّبنانيّين بالحزب

حين أدخل الحزب لبنان واللبنانيين في حرب تموز 2006، ‏ وجّه أوّل ضربة حقيقية لسردية المقاومة التي تحصّن بها. ‏كانت هذه الحرب التي تسبّب بها الحزب نذير البدايات المشؤومة لمشاركته في الصراعات الإقليمية. سيدخل الحزب لاحقاً في حرب نظام الأسد ضدّ شعبه تحت راية الدفاع عن “المراقد الشيعية المقدّسة”. وهو أحد أكثر العناوين تجريداً وانفصالاً عن مصالح اللبنانيين وقضاياهم الحياتية واليومية.

وحين أعلن نصرالله مساندة حزبه للحوثيين في الحرب اليمنيّة – السعودية، بعد انقلاب الحوثيين على العملية السياسية واحتلال صنعاء، لم يعثر اللبنانيون على دليل واحد يربط بين مصالح بيروت وما يحصل في دولة بعيدة كلّ البعد عن وعيهم ووجدانهم العامّ.

لم يفهم كثير من اللبنانيين، بما في ذلك أهل الجنوب، منطق نصرالله هذا حتى يومنا

ولكي يردم نصرالله هذه الفجوة ذهب كعادته إلى أعلى مستويات المبالغة الخطابية فقال بعد سنة من بدء هذه الحرب:

“إذا سألتني عن أشرف ما قمت به في حياتي وأفضل شيء وأعظم شيء، فسأجيب: الخطاب الذي ألقيته ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن.. أشعر أنّ هذا هو الجهاد الحقيقي، هذا أعظم من حرب تموز”.

رفع جرعة “التّجريد”… تسريع الحرب الأهليّة

لم يفهم كثير من اللبنانيين، بما في ذلك أهل الجنوب، منطق نصرالله هذا حتى يومنا. في حين تزداد جرعة التجريد في معارك الحزب التي تتمحور أكثر حول المعارك الأيديولوجيّة في أراضٍ بعيدة جغرافيّاً وأبعد عن اهتمامات اللبنانيين ومصالحهم.

لا تتعلّق المسألة هنا بالعلامة التجارية للحزب. فهم هذا التحوّل أمر بالغ الأهمّية لتحليل الديناميّات الحالية لعلاقة الحزب ببقيّة اللبنانيين. فكلّما كفّت المقاومة عن كونها فكرة ملموسة قادرة على تأمين حدّ صحّي من وحدة اللبنانيين حولها، وصارت مفهوماً مجرّداً مغلقاً، زاد الانفصال حدّةً بين الناس وتآكلت قدرتهم على تلمّس بعضهم معاناة بعضٍ.

من شأن هذا الانفصال تعميق وتسريع ديناميّات الحرب الأهليّة، وإغراق لبنان في آخر الاختبارات التي تضمن نهايته التامّة والناجزة.

أليس من المفارقات أنّ السيد حسن نصرالله الذي يصف إسرائيل بأنّها كيان، هو نفسه أكثر من ساهم في إفقاد لبنان كلّ ما يتّصل بفكرة الدولة!

يتبجّح الحزب بأنّ قوّة المقاومة هي التي فرضت ترسيم الحدود البحرية، في حين لم يبقَ للبلد أدلّة أخرى على كونه دولة. فلا عملة حقيقية ولا جواز سفر ولا مؤسّسات دستورية واقعية ولا شيء.

كأنّ التجريد انسحب على البلاد نفسها، التي باتت من باب التجريد نفسه تسمّى “دولة”.

أساس ميديا
لمتابعة الكاتب على X:
@NadimKoteich

Continue Reading

أخبار الشرق الأوسط

قرارُ مَحكمةِ العَدلِ الدولية يَمنَحُ الفلسطينيين بعضَ الأمل، ولكن…

Avatar

Published

on

في حين أنَّ الظروفَ على الأرض لا تزالُ مُزرِية، فإنَّ حُكمَ محكمة العدل الدولية يُقدِّم للفلسطينيين أداةً مُفيدةً لحَشدِ الضغطِ الدولي ضد إسرائيل – وربما هو الطريق الوحيد للمضي قُدُمًا.

عمر حسن عبد الرحمن*

في حُكمٍ تاريخي، اعتبرَت أعلى محكمة في العالم أنَّ الاحتلالَ العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ 57 عامًا غير قانوني وأمرت إسرائيل بإنهاء وجودها هناك، بما في ذلك جميع مستوطناتها ومستوطنيها، “في أسرعِ وَقتٍ مُمكِن”. كما ألزمَ القرارُ المؤلَّفُ من تسعِ نقاطٍ الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي إسرائيل بدَفعِ تعويضاتٍ لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعا دول العالم والمنظمات الدولية إلى الامتناعِ عن مساعدةِ إسرائيل في الحفاظِ على وجودها هناك.

Follow us on Twitter

وجاءَ حُكم المحكمة، في 19 تموز (يوليو)، استجابةً لطلبِ الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) 2022 لإصدارِ رأيٍ استشاريٍّ بشأنِ التَبِعاتِ القانونية لاحتلال إسرائيل الذي طال أمده، فضلًا عن إنكارها لحقِّ الفلسطينيين في تقريرِ المصير، وسياساتها الاستيطانية والضمّ، وتشريعاتها التمييزية، وجهودها لتغيير التركيبة السكانية للمناطق التي تحتلها، وخصوصًا القدس الشرقية.

في شباط (فبراير) من هذا العام، قدّمَت 52 دولة وثلاثُ منظّماتٍ دولية مُرافعاتها أمام المحكمة، وهو عددٌ أكبر من أيِّ قضيةٍ أُخرى شهدتها محكمة العدل الدولية في تاريخها الذي يبلغ 78 عامًا، وكُلُّها تقريبًا كانت نيابةً عن فلسطين. وقاطعت إسرائيل الإجراءات.

أملٌ في المُساءلة؟

أساسًا، وَجَدَت المحكمة أنَّ إسرائيل تَنتَهِكُ التزاماتها كقوّةِ احتلال بطُرُقٍ عدة، وأنَّ احتلالها غير القانوني يَحرُمُ الفلسطينيين من حقّهم الأساسي في تقريرِ المصير، وأنَّ النظامَ الحالي ينتهِكُ الحظرَ المفروض على التمييزِ والفَصلِ العُنصُرِيَين.

في الواقع، يُشَكّلُ هذا الحُكمُ ضربةً قويةً لإسرائيل ومؤيديها الذين يتعرَّضون أصلًا لضغوطٍ هائلةٍ بسببِ سلوكِ إسرائيل العسكري في غزة، حيث قتلت خلال تسعة أشهر ما لا يقل عن 40 ألف شخص –معظمهم من النساء والأطفال– وشرّدت وتسبّبت في تجويع الملايين، ودمّرت جُزءًا كبيرًا من البنية التحتية والمنازل في القطاع. في كانون الثاني (يناير)، قضت محكمة العدل الدولية بأنَّ إسرائيل تُخاطِرُ بارتكابِ إبادةٍ جماعية. ومنذ ذلك الحين، تجاهلت الدولة العبرية تمامًا الإجراءات التي أمرت بها المحكمة لتَجَنُّبِ ارتكابِ أخطرِ الجرائم. وفي حزيران (يونيو)، طلبَ المُدَّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة الشقيقة لمحكمة العدل الدولية، أوامر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت للاشتباه في ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

لا شكَّ أنَّ القرارَ الأخير لمحكمة العدل الدولية هو نَصرٌ كبيرٌ للقضية الفلسطينية ويجلب العون والأمل في لحظةٍ عصيبة من تاريخها. لقد ناضلَ الفلسطينيون منذ فترة طويلة من أجلِ مُحاسَبةِ إسرائيل على حرمانهم من حقوقهم الوطنية. ومن الممكن أن يكون رأي محكمة العدل الدولية بمثابةِ رصيدٍ مُفيدٍ في هذا الصدد، شريطة الاستفادة منه لحشدِ ضغوطٍ دولية ذات معنى.

وفي حين أنَّ الحُكمَ هو رأيٌ استشاري غير مُلزِم، إلّا أنَّهُ لا يزالُ له وزنه داخلَ النظامِ الدولي بسببِ مكانةِ المحكمة. وفي نقطتها الأخيرة، دعت محكمة العدل الدولية الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى “النظر في الأساليب الدقيقة والإجراءات الإضافية المطلوبة” لإنهاءِ الاحتلال الإسرائيلي بسرعة.

قد يدفعُ هذا القرارُ الدولَ، وخصوصًا الكبرى منها، إلى تكثيفِ الضغوط على المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. وقد نشرت الأمم المتحدة في العام 2020، “قائمة سوداء” تضمُّ أكثر من 100 شركة عاملة في المستوطنات، تحقيقًا لهذه الغاية. لكن من غير الواضح ما إذا كانت الدولُ ستَعتَبِرُ حُكمَ المحكمة الأخير التزامًا بقطعِ العلاقاتِ مع إسرائيل بالكامل. وفي حين أشارَ القضاة بوضوح إلى وجودِ صلةٍ بين إسرائيل والأراضي المحتلة بقولهم إن إسرائيل قامت بالفعل بضمِّ الأراضي المحتلة، إلّا أنهم لم يعترفوا صراحةً بأنَّ وجودَها في الأراضي المحتلة أصبح لا يُمكِنُ تمييزه عن بقية الدولة.

حقائق على الارض

في اليوم السابق للحُكم، أصدرَ الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قرارًا أعلنَ فيه “معارضته الحازمة لإقامةِ دولةٍ فلسطينية”، على أساسِ أنَّ ذلك “سيُشَكِّلُ خطرًا وجوديًا على إسرائيل ومواطنيها، ويؤدّي إلى إدامةِ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وزعزعة استقرار المنطقة”. في الواقع، إنَّ الطبقة السياسية في إسرائيل بأكملها أعلنت من خلال ذلك أنها لا تنوي الخروجَ من الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

التصويت، الذي تمّت الموافقة عليه بغالبية 68 صوتًا ومعارضة تسعة –جميعهم أعضاءٌ عرب في الكنيست– وامتناع 43 عضوًا عن التصويت، جاءَ وسط تجدُّدِ الدعوات الدولية لإقامةِ دولةٍ فلسطينية. وتسعى القوى العالمية جاهدةً من أجل المضي قدمًا لإيجادِ المسارِ في اليوم التالي في غزّة بمجرّد انتهاءِ الأعمال العدائية، وقد اعترفت دولٌ متعددة بفلسطين منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بما فيها إيرلندا وبلجيكا وإسبانيا. ويُفيد بعضُ التقارير بأنَّ اليابان وكوريا الجنوبية على وشكِ أن تحذوا حذوها، مما سيصل مجموع الدول المُعتَرِفة بدولة فلسطين إلى 147.

قدّمَ  القرار إلى الكنيست حزب المعارضة اليميني، “حزب الأمل الجديد–اليمين المُتّحد”، الذي قال رئيسه جدعون ساعر أنَّ “القرارَ يهدفُ إلى التعبير عن المعارضة العامة الموجودة بين الشعب (الإسرائيلي) لإقامةِ دولةٍ فلسطينية، الأمر الذي من شأنه أن يُعرِّضَ أمنَ ومستقبلَ إسرائيل للخطر”. ويوجّه القرارُ رسالةً إلى المجتمع الدولي مفادها أنَّ “الضغطَ من أجلِ فَرضِ دولةٍ فلسطينية على إسرائيل لا طائلَ منه”. كما صوّتَ الوزير السابق بيني غانتس، الذي يعتبره الكثيرون في الغرب البديل الأكثر قبولًا من بنيامين نتنياهو، لصالحِ القرار.

ودعا وزير المالية الإسرائيلي البارز بتسلئيل سموتريتش، نتنياهو إلى الردِّ على حُكمِ محكمةِ العدلِ الدولية بضمِّ الضفة الغربية رسميًا. ويحرُصُ القادةُ الإسرائيليون على تذكيرِ الفلسطينيين ومُنتقدي إسرائيل في الخارج بأنهم هم الذين يسيطرون على الوضع على الأرض.

في هذا العام، صادرت إسرائيل المزيد من الأراضي المحتلة مُقارنةً بأيِّ فترةٍ أخرى منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993. وقد بلغ عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين أعلى مستوياته على الإطلاق، وتم طرد أكثر من عشرة مجتمعات فلسطينية في الضفة الغربية قسرًا من أراضيها منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر). في الواقع، استخدَمَ الوزراء الإسرائيليون من اليمين المتطرِّف الأزمة الحالية كغطاءٍ لإجراءاتٍ غير عادية لدمجِ الأراضي المحتلة في الدولة ونقل السلطات من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية.

تغييرُ هيكلِ الحوافز

بينَ قرارِ محكمة العدل الدولية، وقرارِ الكنيست، والأرض المحروقة في غزة، أصبحَ المسرحُ مُمَهَّدًا للمرحلةِ التالية من المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

في الواقع، لقد تجاوزَ الاحتلالُ نقطةَ اللاعودة منذ فترة طويلة، بمعنى أنَّ إسرائيل نجحت في بناءِ مشروعٍ استيطاني مُصَمَّمٍ بحيثُ يكون من المستحيل دحره سياسيًا. وبعد نصف قرن من الاستثمارِ المُكَثَّفِ في مشروعِ الضمِّ والإفلاتِ شبه الكامل من العقاب على انتهاكاته للقانون الدولي، انقلبَ هيكلُ الحوافز لصُنعِ السلام رأسًا على عقب. إنَّ القوى المؤيِّدة للضمِّ قويةٌ جدًّا والمصالح الخاصة راسخة للغاية. وتعتقدُ غالبيةٌ ساحقةٌ من الإسرائيليين الآن أنَّ الدولةَ الفلسطينية سوف تُشَكِّلُ تهديدًا مُتأصِّلًا لأمنهم. إنَّ حقيقةَ عدم تصويتِ أيِّ عضوٍ يهودي في الكنيست لصالحِ حلِّ الدولتَين هي أحدثُ دليلٍ على ذلك.

إنَّ تغييرَ هذه الديناميكية سوفَ يتطلَّبُ تحوُّلًا كبيرًا في الحسابات الحالية للتكاليف والفوائد بين الساسة الإسرائيليين والجمهور الإسرائيلي. وهذا لا يُمكِنُ أن يأتي إلّا من خلالِ حشدِ ضغوطٍ عقابية كبيرة على إسرائيل.

مع ذلك، فإنَّ السُبُلَ المؤدّية إلى المُساءلة والضغط والتغيير ليست واضحة، وبالتأكيد ليست مضمونة. تتمتّعُ إسرائيل بحمايةِ ودَعمِ أقوى دولة في العالم، إلى جانب العديد من الدول الأخرى ذات النفوذ. على الرُغمِ من أنَّ الخبراءَ وجماعات حقوق الإنسان قد قدّموا تقاريرَ شاملة عن الطبيعة الإجرامية لنظامِ احتلالها لعقود، فإنَّ إسرائيل حافظت على ما يكفي من حجاب اللياقة والشرعية لإرضاء شركائها.

وعلى الرُغم من حُكمِ محكمة العدل الدولية، فإنَّ الدولَ القوية عمومًا تكون محافظة عندما يتعلّقُ الأمرُ بالمحاكم والقانون الدوليين، خشيةَ أن يُستَخدَما ضدها في مرحلةٍ ما. وقضت محكمة العدل الدولية هذا الشهر بأنَّ الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية غير قانوني ويجب هدمه، لكن إسرائيل لم تُواجِه ضغوطًا تُذكَر للامتثال.

لكن في السنوات الأخيرة، انكشفَ حجابُ لياقة إسرائيل بشكلٍ متزايد وأصبحت نواياها الحقيقية واضحة للعيان. وقد أوضحت الحكومات اليمينية المتعاقبة أنَّ الاحتلالَ ليس مؤقتًا، وأنَّ إسرائيل تعتزمُ ضمَّ الضفة الغربية كُلِّيًا أو جُزئيًّا. وعلى هذا فإنَّ الحُكمَ الإسرائيلي غير الديموقراطي للفلسطينيين يبدو أنهُ مستمرٌ ودائمٌ. وقد دفع هذا العديد من المراقبين –بما في ذلك جماعات حقوق الإنسان المُحتَرَمة عالميًا– إلى الاستنتاج بأنَّ إسرائيل تُمارِسُ جريمة “الفصل العنصري”، حيث تفرُضُ نظامَ تمييزٍ عُنصري لصالح مجموعةٍ على حسابِ مجموعةٍ أُخرى.

في الواقع، ما يَقرُبُ من نصف الدول التي مَثَلَت أمامَ محكمةِ العدل الدولية في شباط (فبراير) قدَّمَت حججًا بشأنِ الفصل العنصري، وفي حُكمها الصادر في تموز (يوليو) ذكرت المحكمة أنَّ إسرائيل تنتهكُ الحظرَ المفروض على الفصل العنصري المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. .

تعرَّضت صورةُ إسرائيل العالمية لضربةٍ قويةٍ منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر). فمن الأحرام الجامعية في الولايات المتحدة إلى المدن في جميع أنحاء العالم، يُعبّرُ الناس عن غضبهم من سياسات إسرائيل في كلٍّ من غزة وفي الأراضي المحتلة بشكلٍ عام. ويبدو احتمالُ المُساءلة واضحًا ربما للمرة الأولى. على الرُغمِ من الكارثة التي تتكشّفُ في غزة وأزمة القيادة في السياسة الفلسطينية، فإنَّ الحُكمَ التاريخي لمحكمة العدل الدولية يمنحُ الفلسطينيين بصيصَ أملٍ في أنهم قد يجدون طريقًا نحو التحرير والحصول على حقوقهم.

  • عمر حسن عبد الرحمن هو زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، حيث يُركّزُ على فلسطين والجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.
Continue Reading