Connect with us

أخبار العالم

الحرب العالميّة الثالثة اندلعت.. وهذا المتوقّع

Avatar

Published

on

يبدو عالِمُ الاجتماع الفرنسيُّ Emmanuel Toddإيمانويل تود جازِمًا في أنّ الحربَ العالميّةَ الثالثة قد بدأت فعليًّا في أوكرانيا، لكنَّه وعلى معهود سَيْرِه المُعاكسِ للتحليلات الغربيّة، يكاد يؤكّد أنَّ وضع روسيا أفضلُ من أوضاع الغرب الأطلسيّ، حتّى ولو أنَّه كالكثير من شعوب ومفكّري وساسةِ العالم، يعترفُ بأنّ صمودَ الشعب الأوكراني وشجاعتَه الفائقة في القتال فاجآه. لعلّ ذلك عائدٌ الى أنّ الأوكرانيّين هم كالروس، جزءٌ من تاريخ وحضارةِ تلك الشعوب السلافيّة التي كانت دائرةً في فلكِ الاتّحاد السوفياتيّ والمعروفة بصلابتِها وصمودِها في الجَبَهات.

إيمانويل تود الذي باع من كتابه الحامل عنوان ” الحرب العالميّة الثالثة بدأت” 100 ألف نُسخة فورَ نشره (أولاً في اليابان حيث له شهرة كبيرة خلافًا للجدلِ الذي يُثيرُه في بلاده فرنسا)، يقول ما مختصرُه التالي:

– الحرب العالميّة الثالثةُ قد بدأت فعلاً في أوكرانيا حيث اجتازت الحدود الأوكرانيّة وتحوّلت الى مجابهة اقتصاديّة كونيّة بين الغرب من جهة وروسيا المدعومةِ من الصين من جهة ثانية، لكن مع مفاجأتين: الأولى أنَّ أوكرانيا لم تُسحق عسكريًّا، حتّى لو أنها فقدت 16% من أراضيها، وذلك خلافًا لاعتقاد الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان ينظُر اليها على أنّها مجتمعٌ متحلّلٌ، وسينهار عند أولِ صدمةٍ ويرحّب بالأم الروسيّة المقدّسة،  والثانية أنَّ روسيا لم تنهَرْ اقتصاديًّا، حيث أنّ الروبل (عملتَها الوطنيّة)، ارتفع بنسبة 8% عن الدولار و 18% عن اليورو منذ اندلاع الحرب.

– نحن، أيّ الدول الغربيّة نورّد السلاح لأوكرانيا، ونقتلُ الروسَ. وحتّى ولو أنّنا لا نُعرّض أنفسَنا للقتل، فنحنُ منخرِطون في هذه الحرب اقتصاديًّا، ونشعرُ بوطأتِها الحقيقيّة من خلال التضخّم والنقص في موادَ حيويّة.

الحرب العالميّة الثالثةُ قد بدأت فعلاً في أوكرانيا حيث اجتازت الحدود الأوكرانيّة وتحوّلت الى مجابهة اقتصاديّة كونيّة بين الغرب من جهة وروسيا المدعومةِ من الصين من جهة ثانية

إنّي أرى اليوم الغزوَ الروسيَّ لأوكرانيا مقرونًا بالقصف والموت وتدمير البُنى التحتيّة للطاقة، وأرى الأوكرانيّين يموتون بردًا، لكنّي أنظُر إلى تصرّف بوتين من زاويةٍ أخرى، فأوافِقُ البروفسور الأميركي John Mearsheimer (جون ميرشايمر) تحليلَه بأن أوكرانيا المُقادة عسكريًّا من قِبَل الأطلسيّ (خصوصًا من الأميركيّين، والبريطانيّين والبولنديّين) منذ العام 2014، قد أصبحتَ إذاً عضوًا في هذا الحلف الغربيّ كأمرٍ واقع. بهذا المعنى فإنَّ الروس يخوضون، من وجهةِ نظرِهم، حربًا دفاعيّة ووقائيّة. وليس علينا بالتالي أنْ نفرحَ لصعوبات بوتين، لأنّ هذه الحرب وجوديّةٌ بالنسبة له، وكلّما زادت تعقيداتُها، سيضرِب بعنفٍ أشد. أمّا ألمانيا وفرنسا، فهما قد أصبحتا شريكَيْن قزَمَيْن في الأطلسي الذي تحوّل الى محوَرٍ يستند خصوصا على واشنطن، ولندن، وفرصوفيا، وكييف.

– خلافًا للمبدأ الجيو-سياسي الأميركي بأنَّ لا شيءَ سيؤثر وجوديًّا على الولايات المتّحدة الأميركيّة البعيدةِ عن ساحة الحرب، والمحميّة بمُحيطَين، فإن الرئيس جو بايدن يهرب إلى الأمام، وأميركا تضعُف، وصمودَ الاقتصاد الروسيّ يدفع النظام الأميركيَّنحو الهاوية، ذلك أنّ أحدًا لم يكن يتوقّع صمودَ الاقتصاد الروسيّ في مواجهة القُدرة الاقتصاديّة الكبيرة للأطلسي، ولعلّ الروسَ أنفسَهم لم يتوقّعوا ذلك.

– إذا استمرّ صمودُ الاقتصاد الروسيّ في مواجهة العقوبات وبمساندة الصين، واستطاع انهاكَ الاقتصاديات الأوروبيّة، فإنّ السيطرة الماليّة والنقديّة الأميركيّة على العالم مُرشّحةٌ للانهيار، كما قد تنهار إمكانيّةُ الدولة الأميركيّة على تمويل عجزها التجاريّ.  بهذا المعنى فإن الحربَ الأوكرانيّة مصيريّةٌ بالنسبة للولايات المتحدة الأميركيّة، تمامًا كما هي مصيريّة بالنسبة لروسيا، ولذلك فلا أحدَ من الطَرَفَين يستطيع الانسحابَ أو التخليّ عن هذه الحرب. وهذا ما يجعلُنا أمامَ حربٍ بلا نهايةٍ أو أفق، الاّ إذا انهارَ أحدُ المِحوَرَيْن، ولا شكّ بالتالي في أنَّ الصينيّين والهنود والسعوديّين فرحون بما يحصل ( من احراج أميركي)

– شهدت روسيا في تسعينيّات القرن الماضيّ حِقْبَةً من العذاب الشديد، بينما استعادت في مطلع الالفيّة الحاليّة حياتَها الطبيعيّة، ليس بالنسبة لمستوى الحياةِ فحَسْب، بل لجهة الجريمة وحالات الانتحار التي كادت تختفي، وكذلك في الانخفاض الكبير لحالات وفاة الأطفال إلى ما دون نظيرتِها في الولايات المتحدة الأميركيّة.

– صحيحٌ أنَّ الروسَ شعروا في بداية الحربِ الأوكرانيّة أنّ رئيسَهم قد ارتكَبَ أخطاءً، لكنّ ما اكتشفوه لاحقًا من إعدادٍ احترازيّ للاقتصاد، رفع مستوى ثقتِهم بفلاديمير بوتين ليس في مواجهة المقاومة الأوكرانيّة التي تبدو بنظرهم شديدة البأس كالروس، بل حَيالَ الغرب والولايات المتحدة والدائرين في فلكها، ولعلّ الأولويّة الحقيقيّة للنظام الروسي حاليًّا لا تكمن في الانتصار العسكري على الأرض، وإنّما في عدم فقد الاستقرار الاجتماعيّ الذي تحقّق في خلال السنوات العشرين الماضية.

تُعاني روسيا من مشكلة ديمغرافيّة واضحة، ذلك أن نسبةّ الخصوبة هي حاليًّا 1،5 طفل لكلّ امرأة، وفي خلال خمس سنوات، سيصلُ الروس إلى ما نسمّيه ب ” الطَبَقات العُمريّة الجوفاء”، ولذلك عليهم أن يربحوا الحربَ أو يخسروها في خلال خمس سنوات، وهي الفترة الزمنيّة الطبيعيّة لحربٍ عالميّة، ولذلك فَهُم في صدد بناء اقتصادِ حربٍ مؤقّتة، وهاجسُهم هو الحفاظ على الرجال، وهذا ما يُفسّر الانكفاء عن خيرسون بعد الانسحاب من خاركيف وكييف. كما أنَّهم يراهنون على انهيار الاقتصاديات الأوروبيّة.

– في العام 2014 فَرَضت دولُ الأطلسي أولى العقوبات الهامّة على روسيا، لكنَّ موسكو ضاعفت انتاجَها من القمح، فارتفَع من 40 الى 90 مليون طنّ في العام 2020، بينما الإنتاج الأميركيّ من القمح بين 1980 و2020 انخفض من 80 الى 40 مليون طنّ بسبب النيو ليبرالية. ثم إنّ روسيا أصبحت المُصَدّر الأول للمفاعِلات النوويّة على المستوى العالميّ. كان الاميركيون يعتقدون أن عدوَهم الاستراتيجي يعاني من حالةِ تفكّك نووي، وأنّ بلادَهم ستكون قادرةً على توجيه الضربةِ الأولى لروسيا التي لن تستطيع الردّ، لكنّنا نجد روسيا اليوم متفوّقة نوويًّا مع الصواريخ ذاتِ السُرعة المتفوّقة على سرعة الصوت.

ثمة تحوّل آخر لا بُدّ من أخذه بعين الاعتبار في تحليل هذه الحرب الأوكرانيّة، وهو المتعلّق بالأيديولوجيا والمجتمع، والتماسك العائلي، والعادات، والتقاليد

– الولايات المتحدة الأميركيّة تفوق بمرَّتين عدد سكّان روسيا (2،2 في شرائح أعمار الطُلاّب)، لكنّ الروس متفوّقون عليها في قطاع التعليم العالي للشباب، بحيث نجد أنَّ نسبة الدراسات الهندسيّة في أميركيا تقتصر على 7%، بينما في روسيا تصل إلى 25%. هذا يعني أنَّ روسيا التي تقلُّ عن أميركا ب 2،2 % لجهةِ الطُلاّب، تُخرّج مهندسين بنسبة 30% أكثرَ من الولايات المتحدة. وهذا ما يدفع واشنطن لسدّ هذه الثغرة بطلاّبٍ من دول منافسةٍ لها وفي مقدّمها الصين والهند. وهو ما يُشكّل عقدةً كأداء للاقتصاد الأميركي، الذي لا يستطيع منافسةَ الصين سوى بأيادٍ عاملةٍ صينيّة.

– لا شكَّ في أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تتمتع بتكنولوجيا عسكريّة أكثر تقدّما، وأنّ هذه التكنولوجيا كانت حاسمةً في بعضِ الانتصارات العسكريّة الأوكرانيّة، لكنْ حين نفكر بطول أمدِ الحربِ، وبالحاجات للعَتاد وليس فقط للموارد البشريّة، فإنَّ ذلك سيعتمد على القدرة على التصنيع العسكريّ الاقلّ تقدّمًا. هذا يُعيدُنا الى المشكلة الغربية المتعلّقة بنقل الكثير من النشاطات الصناعيّة الى الخارج منذ عهد العولمة، وهو ما يدفع بعضَ الاعلام الأميركي مثل CNNو نيويورك تايمز والبنتاغون إلى التساؤل عمّا إذا كانت أميركا قادرةً فعلاً على إعادة أطلاق انتاج وتصنيع هذا النوع أو ذاك من الصواريخ، ولا نعلمُ كذلك ما هي قُدُرات روسيا في هذا المجال، ما يعني أنَّ الخروجَ من هذه الحرب الأوكرانيّة سيتعلّق بقدرة أحد المِحوَريْن على انتاج أسلحة.

– ثمة تحوّل آخر لا بُدّ من أخذه بعين الاعتبار في تحليل هذه الحرب الأوكرانيّة، وهو المتعلّق بالأيديولوجيا والمجتمع، والتماسك العائلي، والعادات، والتقاليد. فنجد في روسيا شعورًا عميقًا بالوطنيّة والقوميّة، يُغذّيه الانتماءُ الى فكرة الوطن-العائلة في اللاوعيّ الروسيّ. وفي روسيا، ثمّة نظامٌ عائليّ أبويّ، حيث الرجال هم في المركز، وهذا ما يرفض القَبولَ بكلّ التجدد المُجتمعيّ والعائليّ الغربيّ (مثل ظهور المتحوّلين جنسيًّا، والمثليّين والنسويّة) ولذلك رأينا أن الدوما (مجلس النوّاب) الروسيّ أصدرَ تشريعًا أكثر قمعًا للمثليّين. وإذا كنّا كغربيّين، نعتبرُ ذلك في إطار ” القوّة الناعمة” لصالِحِنا، فإنّنا نخطئ التحليل، ذلك أنّ 75% من هذا الكون يعتمدون النظامَ الأبوي ويتفهّمون الحمائية والتقاليد المُحافِظة الروسيّة، ذلك أنّ هذا التحفّظ الأخلاقيّ الاجتماعيّ الروسيّ يبدو باعثًا على الاطمئنان لهذه الشعوب أكثرَ من العادات الغربيّة الحديثة.

– بعد عصرِ الشيوعيّة الذي كان له تأثيرٌ كبيرٌ على إيطاليا والصين وفيتنام وصربيا والعمّال الفرنسيّين، وأثار قلقَ ورفضَ كلّ العالم الاسلاميّ بسبب ميل الشيوعيّة للإلحاد، تبدو روسيا غيرَ الشيوعيّة اليوم في نظرِ العالم، القطبَ الأكثر أبويّة ومحافَظةً وحرصًا على العادات والتقاليد، وهي بالتالي أكثرُ إغراءً لشعوبٍ عديدة من الغرب. ولعلّ شعورَ الأميركيّين بالخيانة من قِبَلِ المملكة العربيّة السُعُوديّة الرافضة لرفع مستوى انتاجِها النفطيّ رغم أزمة الطاقة بعد حرب أوكرانيا، والتي مالت صوبَ روسيا لمصالحَ نفطيّةٍ، يتعلّقُ في الواقع بموقفِ السُعوديّة الذي يبدو مفهومًا أكثرَ أذا ما نظرنا الى أنَّ روسيا فلاديمير بوتين تبدو أشدَّ محافَظَةً أخلاقيًا، ما يجعل السعوديّين أكثر قُربًا منها، لأنَّهم أقلُّ حماسةً للجدل الأميركيّ حول ظواهر مُجتمعيّة كثيرة وبينها مثلا ولوج المتحوّلين جنسيًّا إلى حمّامات النساء.

– تُثيرُ الصحفُ الأميركيّة الضحكَ بتردادِها: “أنَّ روسيا معزولةٌ، إنّ روسيا معزولةٌ”، بينما نجد في عمليات التصويت التي تجري في الأمم المتحدة، أنّ 75% من العالم لا يتبعون الغربَ في الانقسام العالميّ حولَ البُنى العائليّة والتقاليد.

 لا شكَّ في أنّ كتاب إيمانويل تود سيُثيرُ جدلاً كبيرًا في فرنسا والغرب الأطلسيّ، وسيجدُ كثيرين يعارضونَ تحليلَه لهذه الحرب الكوارثيّة التي دمَّرت قسمًا كبيرًا من أوكرانيا وقتلت عددًا كبيرًا من الطرفين، وشرّدت أوكرانيّين كانوا حتى الأمس القريب هانئين في بلادهم، لكنّ الأكيد أنّ كيفيّة الخروجِ من هذه الحرب، ما زالت غامضةً جدًّا ذلك أنّ أيَّا من المحوريَن لن يستطيعَ تحمُّلَ تبعاتِ خسارتِها، ومن هُنا شراستُها وانقسامُ العالم حولَها، وتحوّلُها فعلاً الى نُذُرِ حربٍ عالميّة ثالثة.

*نقلاً عن موقع ” لعبة الأمم”

Continue Reading

أخبار العالم

معركة الرئاسة الأميركية… شبح ترامب

Avatar

Published

on

قلبت مستجدّات معركة الرئاسة الأميركية الحساباتبعد انسحاب جو بايدن من السباق بات مطلب حملة الرئيس السابق دونالد ترامب تنحّيه لإتاحة المجال للتصويب على كامالا هاريس. وفي انتظار تبنّي الحزب الديمقراطي ترشيح بديل عن الرئيس الحالي، سواء هاريس أو غيرها، تقتضي الحملة الترامبيّة الهجوم على إرثه.

باتت العين على كيفية إفادة بنيامين نتنياهو شخصياً، وإسرائيل استراتيجياً، من تقدّم حظوظ ترامب لمواصلة حربها الوجودية ضدّ الفلسطينيينوصار على إيران أن تراجع حساباتها مع واشنطنفهي راهنت على التفاهم مع الإدارة الديمقراطيةوهي الآن متوتّرة ومتردّدة في طريقة التأقلم. مع البحث عن أسباب التصعيد العسكري في حرب الجبهات المتعدّدة، تجهد الأوساط المختلفة في تحديد هويّة الجهة المستفيدة منه وأهدافه وأسبابهفي المقابل هناك من يجزمإنّه شبح ترامب يا صديقي. 

Follow us on Twitter

من أين يفترض احتساب موجة التصعيد التي تشهدها الجبهات الواقعة تحت شعار وحدة الساحات، بما فيها جبهة جنوب لبنان؟ هل من قصف الميليشيات العراقية الموالية لإيران لقاعدة عين الأسد في العراق في 16 تموز، حيث توجد القوات الأميركية؟ أم من اغتيال مسيّرة إسرائيلية رجل الأعمال السوري الناشط لمصلحة بشار الأسد وإيران ماليّاً واقتصادياً، براء قاطرجي في 15 الجاري؟

البحث عن أسباب التّصعيد ومَن وراءه

أم هذا التصعيد ارتقى إلى ذروة جديدة بفعل كثافة الاغتيالات المتتالية لكوادر وقادة الحزب وآخرهم في بلدة الجميجمة في 19 تموز، وهو ما دفع الحزب إلى استهداف 3 بلدات جديدة في الجليل بصاروخ أدخله للمرّة الأولى إلى ترسانة الاستخدام؟ هل الذروة الجديدة للحرب هي قصف الحوثيين تل أبيب بمسيّرة قتلت مدنياً، ثمّ قصف إسرائيل مستودعات النفط في الحديدة، وهو أمر لم تقُم بمثله غارات التحالف الدولي؟ أم هي تدمير الطائرات الإسرائيلية للمرّة الأولى مستودعاً لصواريخ الحزب في عمق الجنوب في عدلون في قضاء الزهراني؟

ترامب الذي أكّد أنّه سينهي الحروب التي اندلعت في عهد بايدن، قد يضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة

إدارة بايدن ونهاية منظومة.. وانتقام نتنياهو

في اعتقاد متابعين عن كثب للداخل الأميركي أنّ انسحاب بايدن فتح باباً كبيراً على تحوّلات جذرية في السياسة الأميركية وتعاطي إسرائيل معها، أبرزها:

ترامب

– نهاية عهد منظومة حوله آمنت بإمكان الاتفاق مع إيران. وهي امتداد لعهد باراك أوباما واتفاقه مع طهران على الملف النووي في 2015.
– لذلك لجم بايدن نتنياهو عن ضرب إيران بقوّة في نيسان الماضي ردّاً على ردّها على قصف قنصليّتها في دمشق. يقيم أصحاب هذا التقويم وزناً لتهديد بايدن لنتنياهو في حينها بـ”أنّك ستكون لوحدك” إذا وقعت الحرب. وبالموازاة فإنّ نتنياهو سيكون “انتقامياً” في التعاطي مع ما بقي لبايدن من مدّة في البيت الأبيض.
– بعد الأمس، شلّ ضعف وشيخوخة بايدن قدرة أميركا على لجم رئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى لو بقي بايدن في منصبه. فإدارته عرجاء غير قادرة على اتّخاذ القرارات. والدليل ضربة إسرائيل للحديدة ردّاً على قصف ذراع إيران الفاعلة، الحوثيين، تل أبيب. الجيش الإسرائيلي نفّذ الردّ مباشرة من دون تنسيق وتعاون مع الأميركيين، واكتفى بإعلامهم. ويقول المتابعون لما يجري في كواليس الدولة في أميركا إنّ هناك شعوراً بأنّ إسرائيل قامت بالضربة بالنيابة عن واشنطن. فالأخيرة كانت تراعي علاقتها مع إيران في ضرباتها للحوثيين، فتتجنّب الغارات الموجعة.

طهران المتوتّرة تضغط لاتّفاق مع بايدن أم فقدت الأمل؟

– مقابل الاعتقاد بأنّ طهران تستعجل، تفاهماً مع بايدن قبل رحيله، يظهر اعتقاد معاكس. فهي لم تعد تراهن على ذلك لأنّ ترامب قال إنّه سيلغي كلّ ما فعله بايدن. وبالتالي تصرّ على استعراض قوّتها استباقاً لضغوط ترامب الآتية والمرجّحة، ضدّها. إذ إنّ أحد مكوّنات حملة المرشّح الجمهوري هو هجومه على بايدن لتركه إيران تصل إلى العتبة النووية. والتقارب بين نتنياهو وترامب في شأن الملفّ النووي الإيراني قد يقود إلى سياسات تلهب المنطقة.

يصعب أن تمرّ هذه التوقّعات التي ستخضع بالتأكيد لامتحان في الأشهر المقبلة، على وقع دينامية الحملة الانتخابية، بلا تشكيك

هوكستين سينكفئ؟

– زيارة نتنياهو لواشنطن حيث سيلقي خلال ساعات كلمته أمام الكونغرس كانت المحطّة التي أخّرت المفاوضات على اتّفاق الهدنة. استبقه بتصويت الكنيست على رفض الدولة الفلسطينية، الذي يتّفق عليه مع ترامب غير المعنيّ بحلّ الدولتين بل باتّفاقات أبراهام للتطبيع العربي الإسرائيلي. وهذا ما يطمح إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا سيما أنّ ترامب قال لبايدن في المناظرة التلفزيونية: “لماذا لا تترك لإسرائيل مهمّة القضاء على حماس؟”.

– يرجّح شلل إدارة بايدن انكفاء مهمّة الوسيط الأميركي آموس هوكستين لخفض التوتّر بين الحزب وإسرائيل. فتحرّكه لهذا الغرض يهدف لصوغ اتفاق على إظهار الحدود البرّية بين الدولة العبرية ولبنان، وعلى إعادة الهدوء على جانبَي الحدود. والمعطيات لدى شخصيات لبنانية تتواصل مع واشنطن تفيد بأنّ أكثر من موظّف ومستشار لبايدن أخذوا يبحثون عن وظيفة أخرى منذ الآن. وهذا يقود إلى تقدم المساعي الفرنسية في شأن التهدئة في الجنوب.

يصعب أن تمرّ هذه التوقّعات التي ستخضع بالتأكيد لامتحان في الأشهر المقبلة، على وقع دينامية الحملة الانتخابية، بلا تشكيك. فالأمر يتوقّف على طريقة استيعاب الديمقراطيين لأضرار ما خلّفه أداء بايدن في الأشهر الأخيرة. فهم يأملون التعويض عنها وجذب شرائح من الناخبين لإسقاط الرئيس السابق. وللملفّات الداخلية المتعلّقة بالاقتصاد والبطالة والهجرة والإجهاض أهمّية تتقدّم على السياسة الخارجية. وفي كلّ الأحوال فإنّ من الحجج التي يسوقها من يتشكّكون في صحّة الاستنتاجات التي ترافق صعود ترامب وفق أصحاب وجهة النظر المقابلة:

ضدّ الحروب ويصعب توقّع أفعاله

1- يستحيل توقّع ما سيقوم به ترامب (UNPREDICTIBLE). فهو صاحب مفاجآت تصدم مؤيّديه بقدر ما تفاجئ خصومه.

2- ترامب متقلّب. فهو أعلن قبل أسبوعين أنّه غيّر رأيه بالنسبة إلى حظر تطبيق “تيك توك” في سياق المواجهة التي يعطيها أولوية مع الصين. وقال إنّه لن يمنعه.

3- على الرغم من تأكيده منذ تشرين الأول الماضي أنّه مع دعم إسرائيل في حربها في غزة حتى النهاية، فهو دعا نتنياهو في 17 آذار الماضي إلى إنهاء الحرب والعودة إلى السلام.

ترامب متقلّب. فهو أعلن قبل أسبوعين أنّه غيّر رأيه بالنسبة إلى حظر تطبيق “تيك توك” في سياق المواجهة التي يعطيها أولوية مع الصين. وقال إنّه لن يمنعه

4- ترامب الذي أكّد أنّه سينهي الحروب التي اندلعت في عهد بايدن، قد يضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة. فتدحرج المواجهات في القطاع وجنوب لبنان واليمن وسوريا والعراق، كما هو حاصل راهناً، يستدرج أميركا. وهو ما لا يريده المرشّح الجمهوري.

… لكنّه قصف سوريا وقتل سليماني

يردّ المتابعون للتحوّلات التي ستحدثها وقائع الانتخابات الأميركية:

– صحيح أنّ ترامب لا يريد حروباً. لكنّه هو الذي أمر بقصف سوريا في نيسان 2017 ردّاً على استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي في خان شيخون. وأدّى القصف إلى ضرب جزء مهمّ من سلاح الجوّ السوري.

– هو الذي أعطى الأمر بقتل قاسم سليماني مطلع 2020. وردّت إيران بقصف قاعدة عين الأسد بطريقة متفاهم على محدوديّتها كما سبق أن كشف ترامب نفسه قبل أشهر.

– مقولة ترامب بإنهاء الحروب تتعلّق بحرب أوكرانيا التي يقف جزء من الرأي العام الأميركي ضدّ رعايتها من قبل أميركا.

– المرجّح أن يسحب القوات الأميركية من العراق وسوريا غير آبه بما يخلّفه ذلك من فوضى التناقضات الداخلية والتدخّلات الخارجية.

أساس ميديا

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

Continue Reading

أخبار العالم

هل تستقبل إيران ترامب… بقنبلة نوويّة؟

Avatar

Published

on

مع ارتفاع حظوظ الرئيس السابق دونالد ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض، بدأت هواجس الدول التي تأثّرت بسياسته تتحوّل إلى قلق حقيقي. وعلى رأس هذه الدول إيران، التي يذكرها ترامب ومرشّحه لمنصب نائب الرئيس جي فانس في كلّ مناسبة على أنّها من إخفاقات الإدارة الحالية ومثال على ضعف الرئيس جو بايدن. فهل تدخل إيران النادي النووي، كي تستقبل ترامب بـ”القنبلة”؟

الوضوح الذي تحدّث به المرشّح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب وفريقه عن إيران كفيل بأن يجعل إيران من أكثر الدول قلقاً من عودة ترامب، خصوصاً أنّ ترامب التزم بوعوده الانتخابية في ولايته الأولى وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض على طهران عقوبات مشلّة، وأعطى الأمر باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
Follow us on Twitter

مع ارتفاع حظوظ الرئيس السابق دونالد ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض، بدأت هواجس الدول التي تأثّرت بسياسته تتحوّل إلى قلق حقيقي

هذا الوضوح في نيّات الجمهوريين وعلى رأسهم ترامب واستعدادهم لانتهاج سياسة أكثر صرامة مع إيران يضعان طهران أمام خيارات محدودة وصعبة. فإذا دخلت في صفقة مع الإدارة الحالية فستكون هناك خشية من تكرار التجربة السابقة حين انسحب ترامب من الاتفاق.

هناك أيضاً خشية من أن تفقد إيران فرصة ترجمة إنجازاتها الاستراتيجية بعد عملية طوفان الأقصى إلى مكاسب مع الغرب وواشنطن في حال وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

لعبة الوقت التي تتقنها طهران ليست لمصلحتها لأنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية على بعد أقلّ من خمسة أشهر، وأيّ رهان أو مغامرة قد تطيح بمكاسب إيران الاستراتيجية التي حقّقتها خلال السنوات الأربع الأخيرة.

سياسة واشنطن تجاه إيران أصبحت جزءاً من التراشق الانتخابي بين المرشّحين الرئاسيين، خصوصاً أنّ إدارة الرئيس جو بايدن تتّهم ترامب بأنّه وراء خروج الملفّ الإيراني عن السيطرة بسبب خروج واشنطن من الاتفاق الذي سمح لطهران بتطوير قدراتها النووية.

بلينكن أعلن أمس الأول أنّ إيران “قد تكون أصبحت قادرة على أن تنتج موادّ ضرورية لسلاح نووي خلال أسبوع أو أسبوعين”

“طوفان الأقصى”… شغَل العالم عن “النّوويّ”

سرعة نشاطات إيران النووية وتوسيعها يرتبطان ارتباطاً مباشراً بحدّة النزاعات في المنطقة. إيران استغلّت انشغال الغرب بحروب في المنطقة لإطلاق العنان لمشاريعها النووية. فترات حصار العراق ثمّ اجتياحه والحرب على الإرهاب بعد اعتداءات 11 أيلول 2001 ودخول الولايات المتحدة المستنقع الأفغاني، سمحت لإيران بأن تطوّر قدراتها العسكرية والنووية. وجاء “طوفان الأقصى” ليشغل العالم مؤقّتاً عن الملفّ النووي الإيراني المرشّح دائماً لأن يتحوّل إلى أزمة كبرى في حال ثبت أنّ إيران بدأت بنشاطات نووية عسكرية.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعلن أمس الأول أنّ إيران “قد تكون أصبحت قادرة على أن تنتج موادّ ضرورية لسلاح نووي خلال أسبوع أو أسبوعين”، في حال قرّرت ذلك. وقال: “لسنا في مكان جيّد الآن”، في وصفه لواقع الملفّ النووي الإيراني.

ألقى بلينكن اللوم على إدارة ترامب السابقة لانسحابها من الملفّ النووي، إذ يعتقد أنّ طهران كانت بحاجة إلى اثني عشر شهراً لإنتاج موادّ نووية لأغراض عسكرية من موعد اتّخاذها هذا القرار.

نتنياهو سيحاول جذب واشنطن إلى مقاربته في ما يخصّ الملفّ النووي الإيراني، بينما تفضّل إدارة بايدن الخيار الدبلوماسي

تشير تصريحات بلينكن إلى احتمال اندلاع أزمة مع إيران في الأشهر القليلة الباقية من ولاية بايدن الأولى. وهذا يرتبط بحسابات طهران إذا ما قرّرت القيام بخطوة تصعيدية على مستوى مشروعها النووي مستفيدة من انشغال واشنطن بالانتخابات الرئاسية أو ربّما تحسّباً واستباقاً لعودة ترامب الذي تعهّد بمنع إيران من امتلاك قدرات نووية عسكرية.

يُتوقّع أن يعود الملفّ النووي الإيراني إلى الواجهة أثناء زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لواشنطن، حيث من المقرّر أن يلقي خطاباً أمام الكونغرس الأميركي بمجلسَيه النواب والشيوخ.

نتنياهو سيحاول جذب واشنطن إلى مقاربته في ما يخصّ الملفّ النووي الإيراني، بينما تفضّل إدارة بايدن الخيار الدبلوماسي. إسرائيل تريد من واشنطن أن تقود حلفاً من أجل وقف المشروع النووي الإيراني حتى لو استلزم الأمر ضربة عسكرية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية.

تقدُّم المشروع النووي الإيراني واقترابه من التحوّل إلى قوة عسكرية، سيرفع من الثمن الذي تطلبه إيران للتراجع عن ذلك في حال قبلت مستقبلاً الدخول في صفقة مع واشنطن وربّما ترامب الذي يتقن “فنّ الصفقات”.

الخوف أن تستقبل إيران ترامب بـ”قنبلة” نووية. هل يعاملها حينها مثلما يعامل “صديقه” الكوريّ الشمالي كيم جونغ أون؟

لمتابعة الكاتب على x:

@mouafac

أساس ميديا

Continue Reading

أخبار العالم

تجسّس قبرص علينا: 7 وقائع ثابتة – ليس مجرّدَ تجسّس عاديّ

Avatar

Published

on

الآن اُنظروا إليها. ها هي قبرص تتجسّس علينا!

ليس مجرّدَ تجسّس عاديّ. بل هي تسرق كلّ الداتا الإلكترونية التي نتبادلها مع العالم. وتُقرصِن كلّ رسائلنا وكلّ تواصلنا وكلّ ما نقوله ونكتبه وما لم نفكّر فيه بعد افتراضياً. وتعطيه للعدوّ، أي إلى إسرائيل مباشرة. عبر رأس محطّة الكابل البحري الذي يصلنا بالعالم السيبراني، على برّ الجزيرة الجارة الصديقة المجاورة!

هذه هي آخر صيحات بيروت. وهو كلام خطير كبير. يقتضي التوقّف عنده مطوّلاً، ومقاربته مباشرة بلا مطوّلات.

Follow us on Twitter

منذ أكثر من سنتين تتعالى أصوات لبنانية، رسمية وسياسية وسوى ذلك، تلمّح أو تصرّح بأنّ الكابل البحري لنقل الإنترنت بين لبنان وقبرص، هو أداة تجسّس لمصلحة إسرائيل. والدليل أنّ لإسرائيل كابلاً بحريّاً خاصّاً بأنشطتها غير المدنية ينزل برّاً في موقع الكابل اللبناني نفسه على الجزيرة المتوسّطية. وهو موقع بنتاثخينوس (Pentaskhinos)، على الساحل الجنوبي الشرقي لقبرص، بين لارنكا وليماسول.

تتعالى أصوات لبنانية، رسمية وسياسية وسوى ذلك، تلمّح أو تصرّح بأنّ الكابل البحري لنقل الإنترنت بين لبنان وقبرص، هو أداة تجسّس لمصلحة إسرائيل

وهو ما يَفترض أنّ العدوّ مقيمٌ هناك لحماية كابله. وبالتالي فهو يملك القدرة والفرصة للتسلّل إلى الكابل اللبناني والتنصّت عليه وسرقة كلّ الداتا اللبنانية المنقولة عبره.

هذه ببساطة الرواية المطروحة منذ سنتين للناس والإعلام وللجهات الحكومية المعنيّة.

خبراء معنيّون بالقطاع يؤكّدون أنّ المسألة فعلاً خطيرة. لا بل بالغة الدقّة والحساسيّة، حتى مستوى التهديد القومي الشامل. وهو ما يفترض عدم التساهل أو التهاون مع كلام كهذا. ولذلك لا بدّ من التدقيق والتمحيص بكلّ فاصلة من تفاصيله.

تعاون عمره ربع قرن

في التفاصيل نعدّد الآتي:

1- صحيح أنّ الكابلين اللبناني (قدموس 1 و2) والإسرائيلي (آرييل) يتشاركان موقعاً واحداً على البرّ القبرصي. لكنّ التعاون السيبراني بين قبرص وإسرائيل يعود إلى أكثر من ربع قرن. فيما الكابل اللبناني المشتبه في أمنه موجود هناك منذ عام 1995، بحسب السجلّات القبرصية الرسمية. فلماذا الاستفاقة الآن بالذات على هذا الخطر؟

2- صحيح أنّ لمخابرات العدوّ القدرة نظريّاً على القيام بهذا الخرق، لكنّه خرقٌ لا بدّ أن يتمّ على اليابسة. وبشكل مادّي مباشر واضح، وبالتالي ظاهر. فهل لجأ لبنان طوال فترة تعاونه مع قبرص إلى طلب تفقّد موقع الكابل العائد له، وإرسال وفد تقنيّ متخصّص بشكل دوري للتأكّد من سلامة خطّه، خصوصاً أنّ الموقع على مرمى نجمة من هلالنا الكئيب، ويمكن بالتالي إرساء آليّة تحقّق ثابتة ودوريّة أو عشوائية لسلامته؟

3- تقول الحملة على الكابل القبرصي إنّ البديل الآمن له موجود، ألا وهو الكابل اللبناني الثاني (IMEWEالذي يربط لبنان بعقدة إنترنت مرسيليا الفرنسية، عبر مصر ومحطة الإسكندرية، فيتجنّب بالتالي محطّة قبرص، حيث العدوّ متربّص لقرصنتنا.

قبرص مثلاً، بلد المليونَي مقيم ومثلهم من السيّاح، لديها أكثر من 12 كابلاً، بما يضمن أمنها السيبراني أوّلاً

الخطّ الفرنسيّ.. إسرائيل أيضاً

لكن ماذا عن مرسيليا؟ هل لإسرائيل رأسُ كابلٍ بحريّ هناك؟ الجواب نعم.

لا بل هو كابل إسرائيلي – قبرصي أيضاً، يمرّ كذلك بمصر، وينتهي في مرسيليا نفسها.

أين على الساحل الفرنسي؟

في الموقع الأرضيّ نفسه للكابل الذي “يعلّق” عليه لبنان، أي كابل IMEWE. وهو ما يعني أنّ احتمال التجسّس الإسرائيلي على كابل لبنان عبر رأس جسره الأرضي في قبرص، قائم هو نفسه تماماً في مرسيليا. ومن يعرف الموقعين يؤكّد أنّ احتمال القيام بذلك في الموقع الفرنسي أكبر بكثير منه في قبرص. وبالتأكيد، القدرة العملية والتقنية للبنان على الكشف الدوري على سلامة خطّه هي أكبر بكثير في قبرص منها في فرنسا. مع الإشارة إلى تكرار عمليات تخريب كابلات مرسيليا، وهو ما لم يُسمع أنّه حصل في قبرص.

لخرق السيبراني ممكن دائماً. لكنّ كشفه شبه مؤكّد دوماً. إلا في حالة وجود سلطة متخلّفة، أو متخاذلة

4- أكثر من ذلك، يسأل الخبراء، هل يمكن للبنان أن يكتفي بخطّ واحد للوصل على شبكة الإنترنت الدولية؟ أيّ فكرٍ بدائي متخلّف يمكن أن يفكّر في ذلك؟ هل يعرفون مثلاً أنّ الدول المتقدّمة باتت تُقاسُ بعدد كوابلها لنقل داتا الإنترنت، وأنّ قبرص مثلاً، بلد المليونَي مقيم ومثلهم من السيّاح، لديها أكثر من 12 كابلاً، بما يضمن أمنها السيبراني أوّلاً، ثمّ يجعل من هذا الكمّ من الكوابل قطاعاً مربحاً يدرّ على البلاد مئات ملايين الدولارات أو ربّما ملياراتها لاحقاً؟!

يكفي التذكير بأنّ كلّ كابل إنترنت بحريّ يجب أن يخضع لصيانة دورية. وهو ما يعني وقفه عن العمل بشكل كامل تقريباً. هذا عدا احتمال تعرّضه لأعطالٍ عرضية أو مقصودة. وهو ما يشكّل عامل رعب دائم لحركة الداتا العالمية.

الخرق السّيبرانيّ كشفه مؤكّد… إلّا

في العالم اليوم نحو 570 كابلاً بحريّاً تتولّى نقل داتا الكوكب كلّه. وهو عدد يتزايد فطريّاً نتيجة حاجة الأرض المتضاعفة إلى هذه الخدمة. فيما السفن المتخصّصة في إصلاح أعطال هذه الكوابل لا يتعدّى عددها 60 سفينة في العالم اليوم. وقسم لا بأس منها قديم متهالك. وهو ما يجعل أيّ عطل لأيّ كابل يشكّل فعلاً ذعراً للمعنيّين به. وهو ما يدفع بلدان الأرض قاطبة إلى تعديد كابلاتها وتنويع مصادرها واتّجاهاتها، للحصول على الإنترنت ونقله. فكيف يخرج في لبنان من يقول بكابل واحد؟!

في العالم اليوم نحو 570 كابلاً بحريّاً تتولّى نقل داتا الكوكب كلّه. وهو عدد يتزايد فطريّاً نتيجة حاجة الأرض المتضاعفة إلى هذه الخدمة

5- صحيح أنّ التجسّس والقرصنة وسرقة الداتا هي من أمراض عصرنا الملازمة لثورته السيبرانية. لكنّ الأمر ليس بهذه البساطة. فالخرق السيبراني ممكن دائماً. لكنّ كشفه شبه مؤكّد دوماً. إلا في حالة وجود سلطة متخلّفة، أو متخاذلة، بما يمنعُها من كشف تعرّضها للتهكير، ولأسباب مجهولة لا يعرفها إلا أهلها. تماماً كما حصل مع تهكير مطار بيروت، الذي تمّت لفلفته بلا نتائج ولا من يسألون.

وإلّا فكيف لشبكة كابلات الإنترنت البحرية أن تعمل لو أنّ أمنها بهذه الهشاشة والعطب الذي يصوّره البعض؟!

يكفي القول إنّ هذه الأسلاك تُنجز معاملاتٍ ماليّة بنحو 10 تريليونات دولار أميركي يومياً.

نعم كلّ 24 ساعة يمرّ عبر هذه الأسلاك البحرية 10 آلاف مليار دولار. فلو كان خرقها سهلَ التحقّق ثمّ الإخفاء، مثل سرقة فيلٍ على طريق مطار بيروت أو محيطه، لما كان الاقتصاد العالمي بخير إطلاقاً. ولكنّا في كوارث نسمع بها ونعاين وقائعها وعواقبها وتداعياتها كلّ يوم.

الرواية ومتناقضاتها

6- بالعودة إلى لبنان وقبرص، ما يجدر ذكره ههنا أيضاً أنّ في الموقع الأرضي نفسه، حيث يستقرّ كابل لبنان قدموس، وكابل الكيان الصهيوني آرييل، توجد كابلات أخرى، تأتي وتخرج وتعمل بشكل طبيعي.

منها على سبيل المثال كابل “أوغاريت”. ولماذا يحملُ هذا الكابل اسم هذه المملكة السورية التاريخية؟ تماماً، لأنّه كابل إنترنت سوري. وهو يربط رأس اليابسة القبرصية المشتبه فيه نفسه، بساحل مدينة طرطوس السورية. وذلك منذ عام 1995. سنة إنشاء الكابل اللبناني نفسها.

فهل يُعقل أن تكون سوريا ساكتة على احتمال تجسّس العدوّ الغاشم على كلّ تواصلها السيبراني؟

كلّ 24 ساعة يمرّ عبر هذه الأسلاك البحرية 10 آلاف مليار دولار. فلو كان خرقها سهلَ التحقّق ثمّ الإخفاء، مثل سرقة فيلٍ على طريق مطار بيروت أو محيطه، لما كان الاقتصاد العالمي بخير إطلاقاً

ولماذا لا ينطبق هنا منطق وحدة المسار التجسّسي ما دام الأمر مستنداً إلى وحدة مسار كابليّ بحريّ واحد؟!

7- تبقى ملاحظة أخيرة، وهي أنّ قرار الموافقة على الكابل القبرصي الجديد، الصادر في أيلول 2022، نصّ بشكل واضح في حيثيّاته أنّه اتُّخذ “بعد اطّلاع السيّد رئيس الجمهورية وموافقته”، أيّ رئيسٍ هو المقصود؟ طبعاً الرئيس ميشال عون.

فهل هناك من يتشكّك في تصميم الرئيس السابق على مواجهة العدوّ؟ أم في احتمال أن يكون “أحدهم” قد قدّم له معطيات مغلوطة مضلّلة، كما حصل مع سقوط كاريش بأيدي العدوّ؟

حيال هذه الملاحظات المقتضبة والأوّلية جداً، تبقى ضرورة وطنية قصوى: أن يقوم لبنان بالتحقّق من موقع كابله القبرصي.

أمّا الباقي من متناقضات في الروايات فيحتاج إلى كلام آخر.

لمتابعة الكاتب على X:

@JeanAziz1

Continue Reading