لبنان

«ملك الهند» جديد جبور الدويهي ينبش صراعات عائلية و طائفية لبنانية

بيروت – جويل رياشي تل صفرا، ضيعة لبنانية جديدة يضمها جبور الدويهي إلى رواياته اللبنانية الصرف، النابعة من مجتمعنا القروي ومن مدننا أحيانا، ومن واقع يصل بين القرنين التاسع عشر والعشرين… الى أيامنا الحالية. «ملك الهند» العمل الأخير للدويهي عن «دار الساقي»، اختار الروائي إنزاله الى الأسواق بعيدا عن معرض الكتاب السنوي. وهذا دليل ثقة…

Published

on

بيروت – جويل رياشي تل صفرا، ضيعة لبنانية جديدة يضمها جبور الدويهي إلى رواياته اللبنانية الصرف، النابعة من مجتمعنا القروي ومن مدننا أحيانا، ومن واقع يصل بين القرنين التاسع عشر والعشرين… الى أيامنا الحالية. «ملك الهند» العمل الأخير للدويهي عن «دار الساقي»، اختار الروائي إنزاله الى الأسواق بعيدا عن معرض الكتاب السنوي. وهذا دليل ثقة على رواج أعماله وسرعة نفاد الطبعتين الاولى والثانية، واقبال جمهوره على حجز النسخات في المكتبات، وعدم الاكتفاء بواحدة أو اكثر للعائلة، بل جعلها من الهدايا السنوية الثابتة للرفاق والأصدقاء. عائلة جديدة: آل مبارك، تلتحق بسلسلة العائلات التي تشكل ركائز الأعمال الأخيرة للكاتب الذي لا تفارقه يومياته بين المقاهي من تيراس فندق «بلمونت» صيفا في إهدن، الى مقاهي طرابلس ومجمع «أ ب ث» الأشرفية شتاء. أمكنة يكاد لا يبارحها الدويهي الذي يستعد لدخول العقد السابع، وهو ما بدل في سلوكه الا استبدال القلم الرصاص بلوحة المفاتيح على جهازه المحمول للكتابة يوميا بمعدل ثلاث ساعات يمضيها مع نفسه وبعض الرفاق، شبه الثابتين، في المقاهي. عمل جديد، وقرية تطل مثل «عين وردة» على البحر من تلة قرب بيروت، اختار لها الروائي الزغرتاوي – الإهدني محيط بلدة حمانا مقرا متخيلا لها، بعد عين سعادة في عمله مع عائلة الباز في عين وردة. بطل جديد يعود هذه المرة من بلاد الغربة، لمحاولة تصحيح أحداث تعود جذورها الى واقعة دير القمر الشهيرة في ستينيات القرن التاسع عشر، وصولا الى تراجيديا العصر الحديث التي يزخر بها المجتمع الأميركي، بقتلة مهووسين ينالون من الأبرياء، حيث لا مكان للأخيرين للشعور بالأمان في هذا العالم الواسع، الذي تحول قرية كونية صغيرة في عصر العولمة. عمل جديد وضيعة جديدة وعائلة لبنانية.. احداث تنضم الى سلسلة من الاعمال سبقتها بفاصل زمني يمتد لثلاثة أعوام بين الرواية والأخرى، مع عدم إسقاط حق ما سبق، بسلسلة ترجمات الى لغات عالمية، يتابعها الدويهي بجهود شخصية، وينتقل للغاية بين المدن الأوروبية، التي لا يوفر مقاهيها في الكتابة، خصوصا في باريس، ومرة في صقلية معقل المافيا. يمضي جبور الدويهي في إعطاء كل رواية حقها، مهما طال الزمن، وينفض ما يمكن وصفه بالغبار القليل على بعض منها، بإعادة إصدارها بطبعات عربية جديدة عن «دار الساقي»، كما حصل مع «ريا النهر». أمكنة تسبق إسقاط الأشخاص، وحكايا من مجتمع لبناني لم تتبدل منذ قرون عدة، وزادتها الحرب اللبنانية مآسي بنبش ماض قديم يتكرر ويكاد لا يتبدل. يعود زكريا مبارك الى تل صفرا، لتحصيل ميراث، وشق طريق الى «كرم المحمودية» الذي اشترته جدته بعد عودتها من هجرتها الى أميركا بالبابور، يوم قررت البحث عن زوجها الذي تركها وضاع في أطراف الأرض الواسعة. حكاية أخرى مربوطة بوجود ذهب في أساسات المنزل.. سر تناقلته قلة وشاع لاحقا مع من اعتبروا انهم حرموا من الميراث، ضمن صراعات عائلية يحفل بها مجتمعنا. الحبكة مختلفة هذه المرة، بمقتل البطل في ختام الجزء الأول، بطلقة نارية من مسدس وجد قرب الجثة، وأخفي من قبل أحد المحققين طمعا ببيعه.. حبكة تشد القارئ وتدخله الى حيثيات قصص عدة حول العائلة وذيول تمتد من فرنسا الى أميركا، مع حيز واسع للوحة فنية تساوي الملايين من الدولارات في حال كانت غير مزيفة، وتنتهي بسؤال غريب حول الجريمة التي أدرجت في خانة انتحار البطل، علما بأن الباب يبقى مشرعا على نهاية مختلفة مع إدراج الكاتب خلاصة تحقيق أولي يفيد بأن العيار الناري انطلق من مسدس يختلف عن ذلك الذي وجد في مكان الجريمة. نحن أمام جريمة بامتياز، اختيرت لها نهاية لقفل ملف، وإبقاء سلسلة من الأسئلة عن واقع مجتمعنا الذي لا يتبدل، حيث المشاكل فيه تكثر وتعالج على طريقة: تؤجل من دون أن تحل. رواية جذابة، استهلها الدويهي منذ أعوام بعد فاصل استراحة تلا «طبع في بيروت» حيث لم يحسم مصير بطلها المدقق اللغوي فريد أبو شعر من تهمة تزوير العملة. وها هو زكريا مبارك يرحل مشرعا الباب على ألغاز عدة حول مقتله، تماما كما اختفى رضا البار بطل «عين وردة» ولم يحسم مصيره. اختلف الأمر هنا عن «حي الأميركان» و«شريد المنازل» حيث كانت النهاية مع الصفحة الأخيرة من الروايتين. حكاية لبنانية مسرحها بيروت هذه المرة، ليكتفي الدويهي بما كتبه في أربعة أعمال عن المجتمع الزغرتاوي، وفي عملين آخرين عن المجتمع الشمالي والطرابلسي. ومع قراءة المشهد الأخير للمولود الأخير للدويهي، نسأل حكما عن العمل اللاحق، مع تيقننا بالدخول في احتساب الوقت، والتمتع بهذه اللغة الجذابة والبسيطة في الكتابة، لغة الراوية السردية التي تشدنا وتدخلنا في صلب الصفحات، مستحضرين تاريخا وحاضرا ومستشرفين مستقبلا من يومياتنا اللبنانية.

Exit mobile version