لبنان
مسلسل «المفاجآت السياسية المملة»: من اللقلوق الى عين التينة مروراً بـ «دير القمر»
بيروت: لقاء عين التينة الذي استضافه الرئيس نبيه بري مكرسا «مصالحة جديدة» بين حزب الله والحزب الاشتراكي، شكل «مفاجأة متوقعة» وانتهى كما كان متوقعا له الى «اتفاق على تنظيم الخلاف» وعلى الأسس التالية: ترك موضوع معمل عين دارة للمسار القضائي بعيدا عن أي مسارات أخرى أمنية أو سياسية، وإقرار جنبلاط بلبنانية مزارع شبعا، وترك هامش…
بيروت: لقاء عين التينة الذي استضافه الرئيس نبيه بري مكرسا «مصالحة جديدة» بين حزب الله والحزب الاشتراكي، شكل «مفاجأة متوقعة» وانتهى كما كان متوقعا له الى «اتفاق على تنظيم الخلاف» وعلى الأسس التالية: ترك موضوع معمل عين دارة للمسار القضائي بعيدا عن أي مسارات أخرى أمنية أو سياسية، وإقرار جنبلاط بلبنانية مزارع شبعا، وترك هامش موقف سلبي لجنبلاط في الموضوع السوري.. على أن الأهم هو المحصلة السياسية «للاتفاق»، وهي انضواء جنبلاط مجددا تحت سقف التسوية من دون الجنوح الى الشغب السياسي والسعي الى اصطفافات وتوازنات جديدة، مقابل حصوله على اعتراف متجدد بأنه زعيم الطائفة الدرزية ورقم صعب في المعادلة ومعاملته على هذا الأساس، وبما يؤدي الى نزع فكرة أن يكون مستهدفا أو هدفا لمشروع تحجيم وإقصاء. بعد حادثة قبرشمون التي رفع فيها السقف السياسي الى أعلى درجة موحيا بأنه يخوض حربا وجودية ومن دون أن ينجح في جعل حزب الله جزءا من أزمته ومعنيا بهذه الحادثة بادر جنبلاط الى تنفيذ انعطافة جديدة باتجاه إعادة التموضع السياسي: وافق على مصالحة ارسلان برعاية رئاسية ثلاثية (لقاء قصر بعبدا)، وهذا كان شرطا أوليا وشكليا لدى حزب الله. مضى في عملية التطبيع مع الرئيس عون في خلال وجوده في بيت الدين. أوفد أمين سر الحزب الاشتراكي ظافر ناصر الى مهرجان النصر الذي أقامه الحزب في بنت جبيل. وقف الى جانب الحزب بعد الاعتداء الإسرائيلي في الضاحية، بعدما ذكر السيد حسن نصرالله بأن «قضية فلسطين تجمعنا». يعرف جنبلاط كيف يساعد بري ويسهل له أموره ووساطته، ولا يرد بري لجنبلاط طلبا «حليفه الدائم والثابت» رغم تغير الظروف وتقلبات جنبلاط.. ولذلك لم يكن من الصعب على بري عقد لقاء عين التينة ٢، بعد لقاء أول في يونيو الماضي لم يكن ناجحا، وجاءت حادثة قبرشمون لتطيح ما كان تحقق من هدنة سياسية هشة.. وهذا المسار السياسي بين جنبلاط والحزب سيكون من الآن فصاعدا مسارا إيجابيا وتصاعديا، ويتوج بلقاء بين جنبلاط والسيد حسن نصرالله بعد انقطاع طويل. المفاجأة الثانية «غير المتوقعة»، تمثلت في اللقاء الذي جمع الوزير جبران باسيل والنائب تيمور جنبلاط في منزل باسيل الصيفي في اللقلوق (جرد جبيل). فقد كان الاعتقاد السائد أن وليد جنبلاط سيكتفي بتطبيع العلاقة مع الرئيس ميشال عون، وأما العلاقة مع باسيل فلها حسابات وظروف أخرى، ولكن تبين أنه لا يقيم فصلا وتمييزا بين عون وباسيل، وأن عملية الانفتاح على «العهد» لا تكتمل إلا مع باسيل الذي كان أعطى في «عشاء بيت الدين العائلي» إشارات مشجعة تصحح انطباعات خاطئة عن نظرته الى معادلة الجبل، وتعكس رغبة واستعدادا لديه لتطوير العلاقة ومن دون شروط مسبقة. لا يجد باسيل حرجا في تقوية علاقته مع جنبلاط، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء البحث عن تبرير هذا المسار الجديد أمام حليفه طلال إرسلان.. جنبلاط أيضا لا يجد مثل هذا الحرج، وهو الذي اعتاد على ممارسة سياسة واقعية وبراغماتية «فظة. ولكن الوزير وائل أبو فاعور حرص على تهدئة ومراعاة مشاعر الحلفاء وأولهم القوات اللبنانية بالتأكيد أن لقاء اللقلوق ليس على حساب العلاقة مع القوات، ولا يعني تغييرا في الثوابت الوطنية!! وسواء كان هذا التغيير من جانب الطرفين يفسر على أنه احتواء لجنبلاط وانتظامه تحت سقف العهد، أو اعتراف متجدد به زعيما درزيا لا يمكن تجاهله ولا تجاوزه ولا تطويعه، فإن النتيجة أن جنبلاط نجح في تكريس نفسه شريكا أساسيا في التسوية بحجم سياسي يفوق حجمه الواقعي، ويكاد أن يكون «الرئيس الرابع» ومن خارج جدول الاعمال والمؤسسات. أما المفاجأة الثالثة، فكانت عدم حصول زيارة رئيس القوات اللبنانية د.سمير جعجع الى الشوف. زيارة كانت مقررة وجاهزة، وتم إلغاؤها قبل ساعات من حصولها، وهو ما ترك المجال واسعا عن الأسباب التي أدت الى هذا الإلغاء المفاجئ. وكان من الطبيعي أن يدور الحديث عن «سبب سياسي» لإلغاء الزيارة أو تأجيلها الى ظروف أكثر ملاءمة في يوم احتشدت فيه الأحداث التي حولت الأنظار عن الجبل والأخبار غير السارة للقوات اللبنانية من اللقلوق الى عين التينة.. كما كان من المنطقي أن يتبادر الى الأذهان السبب الأمني، خصوصا أن جعجع يتبع سياسة حيطة وحذر ومحاط بأخطار أمنية دائمة، أو السبب الصحي الذي يمكن أن يكون «عارضا بسيطا أو ما أسماه جعجع سبب شخصي مش حرزان». في الواقع السؤال الأكثر إلحاحا الذي شغل كل الأوساط وظل لغزا، لم يكن: كيف وفق بري الى إعادة جمع حزب الله وجنبلاط في عين التينة، أو لماذا وافق تيمور جنبلاط على الصعود الى اللقلوق؟! وإنما كان: لماذا ألغى جعجع زيارته الى دير القمر؟!