اخر الاخبار
هل تسهم أموال الأغنياء في الحد من أضرار الرحلات الجوية على البيئة؟
مصدر الصورة Getty Images خلص تقريران صدرا في خريف عام 2018 – أحدهما بعنوان “التقييم الوطني الرابع لحالة المناخ” الصادر عن البرنامج الأمريكي لبحوث التغير العالمي، والآخر صادر عن اللجنة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية، التابعة للأمم المتحدة، إلى أن حركة الطيران تسهم بقدر كبير في تلوث البيئة وتغير المناخ. لكن هناك بارقة أمل، إذ يُمكن…
مصدر الصورة
Getty Images
خلص تقريران صدرا في خريف عام 2018 – أحدهما بعنوان “التقييم الوطني الرابع لحالة المناخ” الصادر عن البرنامج الأمريكي لبحوث التغير العالمي، والآخر صادر عن اللجنة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية، التابعة للأمم المتحدة، إلى أن حركة الطيران تسهم بقدر كبير في تلوث البيئة وتغير المناخ.
لكن هناك بارقة أمل، إذ يُمكن “تعويض” ما تُخلفه الرحلات الجوية من كربون ملوث للبيئة بشكل بسيط وزهيد، فبينما تنفث طائرتك غازات ترفع حرارة الأرض فإنك تدفع لمن يزيل تلك الغازات من جهة أخرى.
لكن يشكك كثيرون في فاعلية ما يسمى بـ “تعويض الكربون”، والذي يعني التعويض عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن النشاط الصناعي أو أي نشاط بشري آخر، من خلال المشاركة في خطط تهدف إلى إجراء تخفيضات مماثلة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أو من خلال دفع أموال تستخدم في مشروعات تُسهم في الحد من التلوث.
وباعتباري من المعنيين بالبيئة يهمني ضمان فاعلية تلك الوسيلة، ولذا أضع أمام القارئ النقاط المختلفة الإيجابية والسلبية.
الطرح الأول: نظام تعويض الكربون يسمح للأغنياء بالاستمرار في تلويث البيئة دون الشعور بالذنب
يسمح نظام “تعويض الكربون” لمن يدفع الأموال بالاستمرار في تلويث البيئة، ولا يُقبل على هذا النظام في الغالب سوى الأغنياء. لكن ليس الهدف من هذا النظام بالأساس هو كف الناس عن الطيران، وعلى أية حال فإنني أزور الأسرة بالخارج بين الحين والآخر، وهو ما يعني أنني أساهم عبر الانبعاثات الناجمة عن الطيران في تلوث البيئة. لكن قيامي بدفع أموال مقابل ذلك يجعلني أقلص الضرر الذي أتسبب به بشكل أو بآخر، وما يعنيني أكثر ليس إراحة ضميري بل تقليل الآثار السلبية على البيئة.
ولو اعتُمِدت آليات إضافية إلى جانب التعويض (كفرض رسوم باهظة على انبعاثات الكربون أو فرض حد أقصى لانبعاثاته) فقد يتعذر الطيران على البعض من الناحية الاقتصادية، كما أن الهدف من التعويض لا يتمثل في تغيير سلوك الأفراد، بل يهدف إلى تقليل الضرر.
لماذا أوصت مخرجة أيرلندية بنثر رماد جثتها في البحر؟
كيف يفكر الشخص المتطرف؟
مصدر الصورة
Getty Images
Image caption
فتاة تحمل ماء خلال أسوأ موجة جفاف يعهدها كثيرون في أفغانستان، وهي الموجة التي يتفق خبراء على أنها بفعل التغير المناخي
الطرح الثاني: التعويض لا يحقق شيء
هل يقلل “تعويض الكربون” الأضرار؟ إنني أشك في أن المقابل المادي البسيط الذي أدفعه كتعويض عن انبعاثات الكربون سيؤدي إلى تقليل كمية الكربون الذي أكون مسؤولا عن انبعاثه أثناء رحلتي! وكيف أتأكد من أن تقليل انبعاثات الكربون بسبب المقابل المادي الذي دفعته لم يكن ليحدث على أية حال، أو أن أثر التعويض ليس مؤقتا أو ينقل المشكلة بكل بساطة من بقعة لأخرى؟
ويجب أن يعمل الشخص على ضمان أن الأموال التي يدفعها تُستخدم في إطارها الصحيح. ورغم أنه ما يزال من الصعب التأكد تماما من ذلك، فإنني أعتقد أن المطلعين على الأمر يحرصون على ألا يضيع ما يُدفع على سبيل التعويض هباء.
الطرح الثالث: تعويض الكربون يكرس عدم المساواة على الصعيد الدولي
يقول البعض إن السماح للأغنياء بدفع أموال كتعويض عن الانبعاثات الكربونية حتى لا يشعروا بالذنب يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم مشكلة عدم المساواة الناجمة عن التغير المناخي.
وتتمثل الحقيقة المؤلمة في أن من يتحملون العبء الأكبر للتغير المناخي هم الأقل تسببا في المشكلة والأقل قدرة من الناحية الاقتصادية على التكيف مع ما يحدث من تغير خطير في ظروف معيشتهم. وإذا كان التعويض سيجعل الأغنياء يشعرون بالراحة وهم يلوثون الهواء أكثر بالكربون، فمن المؤكد أن ذلك سيفاقم مشكلة الفقراء في نهاية المطاف.
مصدر الصورة
Getty Images
Image caption
عادة من يتحملون العبء الأكبر من التغير المناخي هم الأقل تسببا في المشكلة
لكن وسائل “تعويض الكربون” التي تُستثمر في العالم النامي تؤدي في الحقيقة لنقل الثروة – ولو بشكل محدود – من الأغنياء للفقراء، وهو ما يُسهم في الحد من مشكلة عدم المساواة على المستوى العالمي. وسيكون من الأفضل لو استثمرت هذه الأموال في البنية التحتية التي تخدم المعرضين للضرر، كالتشجير والحفاظ على الغابات والاستثمار في البنى التحتية لوسائل الطاقة المتجددة وتوفير مواقد أفضل للطهي، ومن ثم مساعدة الفقراء في مواجهة الضرر البيئي الواقع بالفعل.
الطرح الرابع: التعويض يبرز فقط إحجام الأشخاص عن تغيير سلوكهم المسرف
لا يدفع أي شخص تعويضا عن الانبعاثات الكربونية دون أن يسهم في تلوث الهواء. وفي ضوء الشكل الحالي للنقل والسفر، فإن أغلبنا مشارك في تلوث البيئة.
لكن على الجانب الآخر، فإن دفع أموال مقابل الانبعاثات الكربونية يعد مؤشرا على استعداد الشخص للإسهام فعلا في علاج المشكلة، لأن ذلك قد يساعد في إقامة مزيد من البنى التحتية في مجال الطاقة المتجددة وإقامة مشروعات تقلل فعلا الغازات التي تسهم في رفع حرارة الكوكب. وتعد مشروعات الحفاظ على الغابات ومنشآت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ضمانا لمستقبل أفضل في هذا الصدد.
لكن يتعين توافر ظروف أخرى لضمان نجاح نظام “تعويض الكربون”، أولها أن يقترن ذلك بجهود خفض الانبعاثات التي يسببها الفرد والضغط على السياسيين المنتخبين للعمل على تقليص حرق الوقود الكربوني، إذ لا ينبغي الاعتقاد بأن دفع الأموال فقط سيؤدي لحل مشكلة التغير المناخي.
ثانيا، يجب مراعاة أن الأموال التي تُدفع مقابل انبعاثات الكربون قد لا تكفي بالمرة لمواجهة هذه المشكلة، وبالتالي يُنصح بزيادة المقابل المادي الذي يدفعه الشخص بمقدار الربع أو النصف.
ثالثا، لا ينبغي أن يُستخدم التعويض كوسيلة لتحميل الأفراد عبء مواجهة التغير المناخي بالكامل، بل يتعين على الشركات والحكومات القيام بدور أكبر في هذا الأمر.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
—————————————
يمكنكم تسلم إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.