اخر الاخبار

صراع الأجيال: من يقود مستقبل كازاخستان؟

مصدر الصورة Zaure Rozmat تذكر سيدة الأعمال الكازاخستانية زوري روزمت حين عينت لوظيفة لديها امرأة من الجيل القديم، في تجربة تقول إنها لن تكررها، وتضيف: “كانت ترانا جميعا كالأطفال، فحين توظف شخصا من الجيل الأقدم فإنه يعاملك وكأنك طفل صغير لا تفقه شيئا”. تبلغ روزمت من العمر 28 عاما، وليست الوحيدة في كازاخستان التي تشعر…

Published

on

مصدر الصورة
Zaure Rozmat

تذكر سيدة الأعمال الكازاخستانية زوري روزمت حين عينت لوظيفة لديها امرأة من الجيل القديم، في تجربة تقول إنها لن تكررها، وتضيف: “كانت ترانا جميعا كالأطفال، فحين توظف شخصا من الجيل الأقدم فإنه يعاملك وكأنك طفل صغير لا تفقه شيئا”.

تبلغ روزمت من العمر 28 عاما، وليست الوحيدة في كازاخستان التي تشعر بأن الجيل القديم يعاملها باستخفاف نظرا لحداثة سنها، بل يشاركها كثير من الشباب هناك هذا الشعور. ورغم امتلاك روزمت لشركة إعلام ناجحة في المدينة الرئيسية ألماتي، فكثيرا ما تشعر أن بعض الناس – سواء موظفين أو عملاء أو مستثمرين – لا يتعاملون معها بجدية لصغر سنها.
وقد دفعها هذا الأمر لبدء عملها الخاص في عام 2016، والذي يتمثل في مجلة “ذا ستيب” التي تُعنى بشباب كازاخستان المبدع، ويديرها مجموعة من الشباب.

وتهتم المجلة بجيل مبدع ومتعلم من أبناء المدن ممن يسعون لإعادة بناء بلد لم يعد مضطرا للتماشي مع قالب قديم من حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وفي ساحة إعلامية تهمين عليها الصحف التقليدية ومجلات الإثارة، كانت “ذا ستيب” أول منتج إعلامي رئيسي يتيح الفرصة لشباب كازاخستان للتعبير عن رأيهم.
تقول روزمت: “في البداية، كنا وسيلة الإعلام الوحيدة التي تنشر أخبار رجال الأعمال الشباب وتسلط الضوء على قضايا الشباب. وبعد ذلك، بدأ البعض يركز على قضايا الشباب وإنجازاتهم، وبات الآن كثيرون يقلدوننا”.
وتوفر مجلة “ذا ستيب”، بغلافها الجذاب وأسلوبها البسيط، منصة لإرشاد الشباب لكيفية شق طريقهم وللاحتفاء بالناجحين منهم. وتهدف روزمت، من خلال ما تسرده من قصص إيجابية أبطالها من الشباب، للشروع في تحطيم الهيبة التقليدية للجيل الأكبر، والتي تعتبرها مسؤولة عن تقييد طموحات الشباب.
وتقول: “تولي ثقافتنا اهتماما كبيرا لاحترام الكبار، وكثيرا ما يترجم هذا في أن الكبار لا يعطون أي اهتمام إلا لرأيهم. وهناك فجوة بين الأجيال، إذ ينظر الكبار إلى الشباب باستخفاف ولسان حالهم يقول ‘ما الذي يمكن أن نتعلمه من هؤلاء!’ لكن قصص نجاحنا لفتت أنظار الكبار ونالت احترامهم”.
لماذا سيشكل الأفارقة الجيل الجديد من قادة العالم؟

مصدر الصورة
Zaure Rozmat

Image caption

يسعى طاقم العمل بمجلة “ذا ستيب”، وهم من شباب كازاخستان، لتحطيم الهيبة التقليدية للكبار في هذا البلد

“لا مكسب دون اختيار”
وكما هو الحال في كثير من البلدان السوفيتية السابقة، هناك هوة بين الأجيال التي تربت في بيئات مختلفة في كازاخستان، فهناك جيل ولد وتربى في كنف النظام الاشتراكي، وهناك جيل آخر ترعرع في ظل ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات وما صاحبه من قلاقل. ثم هناك جيل لاحق وآخر بعده لم يعرفا إلا كازاخستان بعد الاستقلال وما شهدته من نمو مالي متسارع بفضل توافر احتياطات النفط.
والآن يشكل من هم دون التاسعة والعشرين 51 في المئة من سكان البلاد، ويمثلون كتلة ذات ثقل كبير، ويشكو كثير منهم من الثقافة المتجذرة والمستمرة رغم وتيرة التغيير في البلاد. وحين انتخب برلمان جديد في كازاخستان عام 2016، كان سبعة فقط من نوابه دون سن الأربعين، بينما أكثر من الخُمس ممن تجاوزوا الستين، وكان متوسط عمر النواب 55 عاما.
ويمنح التركيز على قيم الأسرة الجيل الأقدم ثقلا كبيرا، وعادة ما يشعر شباب كازاخستان أنه لابد من الامتثال لما ترسمه لهم الأسرة من مستقبل، رغم أن أغلب الآباء لم يعهدوا تعليما وعملا إلا في حقبة قد تلاشت.
تقول روزمت: “إحدى صديقاتي يختار لها أبوها كل شيء، بما في ذلك مجال تخصصها في الدراسة. وبعد التخرج لم تجد بدا من الامتثال لتوجيهاته فالتحقت بمجال الفندقة. والحقيقة أن هذا يحول دون نجاح الشباب، إذ ينبغي أن يكون اختيار الجامعة محكا للتفكير المستقل في المستقبل، فلا يمكن تحقيق مكسب بدون حرية الاختيار”.
وحصل رسلان أبراييف على وظيفة طالما حلم بها والداه له وهي رئاسة أقسام ومشروعات مختلفة بجامعات مرموقة بكازاخستان.
يقول أبراييف: “كان الاستقرار هو الأهم بالنسبة لوالدي”، وهما الآن في السبعينات من عمرهما. وقد أمضت أمه وأبوه أغلب سنوات عملهما في ظل نظام ثابت ومحدد سلفا في كازاخستان السوفيتية، وقد انهار الاقتصاد مع اقتراب سن تقاعدهما. وبالنسبة لهما ولكثيرين مثلهما لم تخطر فكرة تأسيس عمل خاص بالبال، إذ يقول أبراييف: “ريادة الأعمال واستكشاف الفرص أمر غير معهود بالنسبة لهما بالمرة”.
لكن أبراييف، البالغ من العمر 32 عاما، رأى أن هناك فرصا أوسع في مجالات أخرى، وبالتالي ترك وظيفته بعد عشر سنوات ليؤسس شركة “إديوكلاود” والتي يصفها بأنها “تشبه شركة أوبر، لكن في مجال التعليم والتطور المهني”. ويتيح تطبيق الشركة للشباب الطموح البحث عن دورات تدريبية شتى عبر الإنترنت وفي فصول فعلية، والانضمام لما يناسبهم منها، ثم تسهل الاتصال بأصحاب العمل بطريقة تشبه الاتصال بأشخاص للمواعدة على موقع “تيندر”.

مصدر الصورة
Ruslan Abrayev

Image caption

يدير رسلان أبراييف، 32 عاما، شركة “إديوكلاود” التعليمية في كازاخستان بعد أن تخلى عن حلم والديه الوظيفي بعد عشر سنوات بالوظيفة

يقول أبراييف إن التطبيق صمم ليتحلى بكفاءة وسرعة تناسب جيلا ليس لديه الكثير من الوقت. ويعالج التطبيق مشكلات واقعية بتجاوز العراقيل الروتينية التي تعتري المسار التعليمي التقليدي في كازاخستان.
يقول أبراييف: “بينما كنت أعمل بالجامعة رأيت طلابا يهدرون وقتا كثيرا لإنجاز مهام بسيطة مثل استخراج مواد الدراسة، أما هذا التطبيق فيتجاوز الورق ويمكن من خلاله إنجاز كل شيء على الإنترنت دفعة واحدة”.
ولا يرى أبراييف بُدا من ريادة الشباب من أبناء جيله في كازاخستان “إذا كنا نريد تنويع اقتصاد البلاد، الذي يعتمد إلى حد كبير حاليا على تصدير الموارد الطبيعية” – خاصة من خلال شركات تتيح فرصا لتمكين الشباب.
وفي عام 2018، كان ثلاثة من كل عشرة من شباب هذا البلد يعملون عملا حرا، بينما استمر عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة في النمو بسرعة بمعدل 12 في المئة في المتوسط كل عام خلال الفترة بين عامي 2002 و2013.
وتدعم الشركات الناشئة بعضها البعض، وإن توارت تحت ظل الهيئات الحكومية متثاقلة الخطى.
تقول نسيمة رزيقوفا، التي تدير بمساعدة شقيقتها نفيسة شركة “سالم سوسد”: “نحب أنا ورفاقي الابتكار والعمل المستقل. جميع من نعمل معهم، حتى المسؤول عن التخلص من النفايات، من الشباب الذين يعملون عملا حرا. النجاح يأتي من حب العمل”.
وبالنسبة للشقيقتين نسيمة ونفيسة، فقد أتى العمل الحر الذي يحمل قدرا كبيرا من المجازفة والمحبب إليهما بدلا من الإطار التقليدي المتحجر، بثماره، فقد أسستا سلسلة من المحال الصغيرة التي يمكن فيها احتساء القهوة ويقصدها الشباب من المهتمين بالصحة لشراء بقالة طازجة.
وبدلا من عرض سلع مختلفة لعلامات تجارية عدة، تختار الشقيقتان عددا قليلا من أفضل الأنواع لإرضاء الزبائن، كما تحرصان على تشجيع المنتجات المصنوعة في كازاخستان، في تحرك رائد في بلد يعتمد كثيرا على الواردات من الخارج.
تقول نسيمة ونفيسة إن أهمية هذا التفكير تتبدى في مساعدة كازاخستان على التكيف مع الاقتصاد الحديث.
الاسترشاد بالكبار
ورغم أن أبناء الألفية لا يشاطرون الجيل الأكبر في كازاخستان قيمهم، إلا أن البعض من أبناء الجيل الأكبر يؤكدون أهمية الاسترشاد بالكبار.
وبينما يشعر الشباب أنهم رواد كازاخستان الحديثة، فهناك من سبقهم على الطريق، ومنهم أيغول كنيباييفا، البالغة من العمر 63 عاما، والتي تعمل حاليا كشريك إداري بشركة دنتونز الدولية للاستشارات القانونية، وكانت من أوائل المحامين في كازاخستان ممن تخصصوا في مجال القانون التجاري.
تقول كنيباييفا: “كنت أعمل في البداية 16 ساعة يوميا، فقد كنت أؤمن بأنه يتعين عليّ العمل بكل قوة. كانت الحكومة بحاجة لمساعدتنا في التفاوض لتوقيع عقود تجارية، ولم يكن هناك كثير من المحامين المدربين لأداء المهمة”.
وعينت كنيباييفا اثنين من حديثي التخرج في المحاماة للمشاركة في العمل، وأرشدتهما حتى اكتسبا الخبرة المطلوبة، وحاليا يشاركها أحدهما عملها الراهن.
وتحذر كنيباييفا من رفض الشباب لكل شيء من الحقبة الاشتراكية للبلاد، وتقول: “كان للاتحاد السوفييتي مساوئ كثيرة، لكن كان له منافعه أيضا. كانت هناك هيئات شبابية ساعدتنا على العمل الجماعي والتنظيم. لقد تعلمت التخطيط وعقد الاجتماعات والتصويت وتسجيل الملاحظات. والآن حين يطلب عملاؤنا المساعدة في تنظيم عملهم من قبيل عقد اجتماعات للمساهمين، يجد المحامون الشباب صعوبة كبيرة في القيام بذلك”.
تقول روزمت إن الصراع بين الأجيال في كازاخستان لا ينبع فقط من اختلاف الرؤى بشأن المستقبل، بل من أمر قديم للغاية وهو قلق الكبار على تصرف أبنائهم حيال عالم متغير، فالمثل السوفيتية القديمة ولت دون رجعة وبات الكبار يخشون على أبنائهم من الوقوع في براثن عالم لا يهتم إلا بالمادة.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife

Exit mobile version