اخر الاخبار

جاك مارون العاصف كما مسرحياته: التهذيب ليس وظيفة المسرح

Published

on

بيروت-“القدس العربي”: أضاف المخرج المسرحي جاك مارون، إلى سجله الحافل بالعروض المميزة مسرحية “الوحش” التي انطلقت عشية 14 الجاري. عرض دعا إليه في محترف الممثلين الذي أسسه قبل ثماني سنوات. وكأنه واحة معزولة تماما عن محيطه الصاخب بحركة الناس والسيارات في الأشرفية. مساحة خاصة تتنشق المسرح وتتغذى منه. في هذا المكان أراد اللقاء مع محبي مسرحه وهم كثر جدا، فمسرحية “فينوس” قدمت 100 عرض.

“الوحش” اختيار جديد لجاك مارون، عن نص للكاتب جون باتريك شانلي، تؤديه كارول عبود ودوري السمراني “كانا في جولة تمارين” أثناء زيارة “القدس العربي” للمحترف الذي احتضن التمارين والعروض معا، اللقاء بين المتلقين والممثلين الوحيدين هو من مسافة قريبة. الجمهور والممثلون سيشعرون بأنفاس بعضهما.

جاك مارون مخرج يُطلق لخياله وللتجريب جناحين جميلين وآمنين، دعا الجمهور لمشاركته اختباره الجديد ولعروض متتالية تسمح له بمعاينة إنتاجه الجديد بدقة، وتعديله حيث يلزم، قبل دعوة الإعلام للإفتتاح الرسمي في 21 الجاري.

في سيرة جاك مارون اخراجا وإنتاجا أربع مسرحيات ناجحة و”الوحش” رقمها الخامس. معه كان هذا الحوار:

*وزعت قبل أسبوع بوستر مسرحية “الوحش” الذي وشى بأنك حيال اختبار جديد شيق ومشوق. ماذا عنه؟

** دعينا الجمهور إلى محترف الممثلين في بيروت، مكان يمثل لي ولمن يتعاون معي مختبرا وبيتا فنيا. شكل المحترف منذ تأسيسه بابا مفتوحا للطلاب ولمن يرغب في التدريب، فقط كان يحتاج لحضور الجمهور. وكان ضروريا أن يعاين الجمهور عن قرب جديدنا وفي المختبر وجها لوجه وأن نكون معا في واقع حميم.

*لماذا عروض ما قبل الإفتتاح الرسمي؟

**دائما أرغب في عروض تسمى افتتاح ناعم “سوفت أوبينينغ”. عروض قد تستغرق أسبوعا أو أسبوعين، فنحن نحتاج للجمهور لأننا نحتاج للتدريب في حضوره. منذ مسرحية “كعب عالي” أتابع نهجي هذا، وبات الجمهور والصحافة يدركان الحاجة لهذا التدريب. مسارح نيويورك تقدم عروضها لشهر كامل تحت عنوان “قبل المشاهدة” وقبل الإفتتاح الرسمي. وهذا تقليد ثقافي في الغرب، يتيح للممثلين التدريب بمواجهة الجمهور الذي يشتري بطاقات بسعر الفترة التجريبية، ولا ينتقد العمل.

*هذا الاختبار مع الجمهور اللبناني تتابعه بسلام؟

**بل عرّضني لمشاكل. تحدثوا عن العرض وكأنه افتتح، رغم كوني أخبرت الجمهور بأننا حيال مرحلة اختبارية. تسبب لي ذلك بالأذى فتراجعت عن عروض ما قبل الإفتتاح لبعض المسرحيات وعدت إليها. تلك العروض تساعد في تصحيح أي خلل بدءا من الإضاءة. والأهم أنها عروض تساعد الممثلين كي يجدوا أنفسهم.

*لماذا وقع اختيارك المسرحي الجديد على “الوحش”؟

**النص للكاتب الإيرلندي جون باتريك شانلي، التقيته سنة 2012 في نيويورك. كنت حينها بصدد الإعداد لمسرحية “أسباب لتكوني جميلة” التي عُرضت في مسرح المدينة. أخبرت شانلي برغبتي في تقديم مسرحية “الوحش”. سررت باللقاء به لكوني أحب نصوصه، فهو كتب سيناريوهات جميلة لعدة أفلام، وكذلك كتاباته المسرحية، وقد سبق ونال العديد من الجوائز بينها الأوسكار. يكتب شانلي بأسلوب واقعي، وأسود إنما بسلاسة سيكولوجية. ويركز على معالجة مسار نصه وشخصياته بطريقة نفسية حقيقية ومباشرة. وهو حاله أيضا مع نصوصه الكوميدية. لماذا “الوحش” تحديدا؟ لأنها تعنيني. لست في وارد الاختيار بهدف جذب الجمهور. مسرحي قاس، لكني أسوقه للجمهور العريض قدر الممكن. ترجمة العنوان حسب شانلي “داني والبحر الأزرق الغميق” وهذا ما احتفظنا به على الأفيش. “الوحش” هو اسم التصغير، فالشخصية التي يؤديها دوري السمراني اسمه “الوحش”.

*هل تتخيل ردة فعل الجمهور على عروض “الوحش” وأنت تعد لهم لقاء لا يشبه ما سبق معك؟

**أنا حيال صفحة جديدة أعيشها منذ أسست محترف الممثلين في لبنان. بمجرد فتح الباب أمام الجمهور بات المكان ملكه. في السنوات السبع الماضية كان هذا مكاني وملاذي، ومساحتي الفنية الخاصة. مكان الإبداع الذي اجتمع فيه مع الفريق الذي أتعاون معه. كذلك هو مكان أعضاء المحترف والتلامذة والممثلين، لكن المسؤولية تكبر مع وجود الجمهور. ولا ندري ما الذي سيحدث. هذا المجهول يقلقني إيجابا وسلبا. بالتأكيد سوف أتمتع بمراقبة الجمهور وهو يتابع العرض. أما الجمهور فسيكتشف مكان عرض مغاير، وفي عمل مسرحي تجسده كارول عبود ودوري السمراني، ممثلان لهما مني كل التقدير والحب.

*تبني أحلاما وتدعو لعروض في مساحة خاصة حميمة ورسائل التحذير ترد إلى لبنان عن إفلاس وشيك. هل عزلت نفسك عن تلك المشكلات؟

**من لا يملك المال ليس لديه ما يخسره. أن يملك الفنان المال والاقتصاد في أحسن أحواله عندها سيتكاسل. ليبرع الفنان يجب أن يجوع أحيانا. سنبيع البطاقات ونسدد الفواتير، فنحن لسنا بصدد تقديم عرض في الحديقة أو غرفة نومنا الخاصة. إنه عمل تجاري يستند على التبادل نقدم مسرحا والجمهور يدفع بدل البطاقات. لهذا لا فرق بين مسرح وآخر لجهة مبدأ التبادل. أن يربح العمل الفني وينجح فهذا يحفّز لتقديم أعمال أجمل، وتوظيف فنانين أكثر. الربح في الفنون ليس عيبا. ومن الخطأ الاعتقاد أن الفنان لا يستحق بيتا جميلا وبدل أتعاب مريح. الفنان يحتاج للمال ليتيح لنفسه مزيدا من الثقافة. المسرح مسرح سواء كان للجمهور العريض، أو جمهور يقصد خشبة فقيرة تقدم عرضا لبيكيت أو يونيسكو. من يقدم هذا المسرح أو ذاك هو فنان. والمسرح هو المسرح إنما هناك فن تجاري محترم وآخر تافه. نحن نعمل لاحترام ذاتنا والجمهور وعملنا وطالما تأمن ذلك فنحن ننام في راحة.

*مرّت ثماني سنوات على تأسيس محترف الفنانين لماذا اليوم تدعو الجمهور إليه؟

**هذا المحترف ليس هو نفسه الذي كان قبل سنوات. باتت تجهيزاته أفضل، وكذلك الإضاءة. تم عزله عن الخارج، وعزل الصوت بين أمكنته المختلفة. تجهيز المحترف احتاج لوقت، ولو كان الوضع الاقتصادي في لبنان أفضل لكانت صناعتنا أكبر.

*يناقش مسرحك قضايا حساسة من حياة البشر ويدخل أعماقهم ومشاعرهم. هل “الوحش” منسوجة على المنوال نفسه؟

**في الوحش شخصيتان في وضع غير إيجابي، وتحديدا في وضع عذاب. يمكن تصنيفها في خانة التراجيديا دون فعل الموت. يفضل الجمهور الكوميديا، وأنا أرغب في التراجيديا. نحن في لبنان في حال عذاب دائم. عدت قبل تسع سنوات أغلبها عذاب. عذاب انتقل مني لمن حولي، والسبب أن لبنان برمته في حال عذاب. في “الوحش” نحن بصدد علاج مجتمع من خلال شخصين. شخصيتان قويتان آتيتان من ثقافتين مختلفتين ومتشابهتين. تأثرت بقصة الحب التي تتضمنها المسرحية وفيها بعض الرومانسية. نعم أحب علاج قصة حب قوية فيها نقيضين. ففي داخلي عاصفة ولن أتحرك حيال موضوع عادي. مسرحياتي تشبهني.

*هل تهدأ عاصفتك الداخلية مع نجاح عمل جديد؟

**أمنيتي أن تهدأ عاصفتي قليلا. يحب الجمهور أعمالي لأنها تتضمن هذه العاصفة. ربما أعاني من عاصفتي لكن الجمهور يستفيد منها. دخلت أربعينيات العمر ولم أحقق الهدوء في منطقة وسطية دائما على طرفي نقيض. تهب العاصفة مع كل عمل جديد، ففريق العمل صغير ويقوم بأعمال ليست من اختصاصه أحيانا. في المحصلة أحب ذاك الأدرينالين.

*كونك تعمل في المسرح فقط فهل أنت مغامر أم متفرغ لفنك؟

**بل أحب المغامرة. وفي كل عمل مسرحي أعيش المشاعر نفسها وأنطلق متكلا على الله.

*وليس على دعم وزارة الثقافة المالي؟

**أبدا. أخالف من ينتظر ليقدم فنا. أشجع الطلاب على عدم الانتظار، بل لأن يكونوا منتجين. أي أن ينتجوا أنفسهم أولا. من يحب عملا عليه أن ينفذه ولا ينتظر من يهديه إياه.

*من عادة الرقابة حصر مسرحياتك بمن هم فوق 18. ماذا عن “الوحش”؟

**خصصت لمن هم فوق 16 عاما. إنها هديتي من الرقابة هذا العام. نلتزم بتقديم النص للرقابة قبل العرض. نحن في حوار دائم مع الزملاء في الصناعة الفنية والمسؤولين، والهدف إلغاء تلك الرقابة على المسرح بشكل خاص، ونطمح لقوانين تتوازى مع ثقافتنا كشعب.

*يطلق على بعض الفن من مسرح وسينما صفة الجرأة. ما هي الجرأة في رأيك؟

**تُطرح الجرأة عندما تكون في السينما أو المسرح. ومن يصف هذا أو ذاك بالجرأة فهو ليس على صواب. التعبير الصحيح أن ما يوصف بالجرأة لا يعدو كونه جديدا على المسرح أو المشهد السينمائي. في السابق كان المسرحي أكثر كلاسيكية ويبحث عن الأمان. التهذيب ليس وظيفة المسرح.

*”فينوس” من أكثر مسرحياتك شهرة وعرضا لماذا في رأيك؟

** صراحة لا أدري. حتى وإن أعدنا عرضها بعد خمس سنوات سيأتي الجمهور. لست أدري أين هو سحرها. حين كنت بصدد إعدادها اعتقدت بأن الجمهور سيشنقني. بعد 100 عرض لم يحدث هذا.

*كنت من أعضاء لجنة المشاهدة لعروض مهرجان المسرح الوطني الأول فما هي ملاحظاتك على الدورة الأولى؟

**إنها تجربة. وكما كل جديد أتمنى أن تكون قد فتحت أبوابا للتطور سواء للمهرجان في حد ذاته، أو بالاستعداد للمشاركة بهذا الحدث.

*هل ستشارك “الوحش” في سباق الاختيار للمهرجان في دورته الثانية؟

**أرغب في متابعة العروض حتى يقول الممثلان لا جديد نقدمه. “الوحش” عمل صعب على الممثل، نطوي الصفحة عندما يقولا تعبنا.

Exit mobile version