أخبار متفرقة
هكذا كان يمضي القديس شربل نهاره
لبنان/أليتيا(aleteia.org/ar)عندما يقرع جرس النهوض باكرا جدّا، كان يُرى الأب شربل راكعا نصبا قرب الباب خلف الكلّ، ويبقى على هذا الشكل كتابه بيده وضامّا يده إلى صدره وجهه في الأرض؛ ثمّ يقدّس باكرا، ويذهب إلى شغله، دون مهلة أو تلهّي، ومعه حبله ومعوله. ولكن لا يذهب من تلقاء ذاته بل يتقيّد بأمر رئيسه أو بأمر صاحب…
لبنان/أليتيا(aleteia.org/ar)عندما يقرع جرس النهوض باكرا جدّا، كان يُرى الأب شربل راكعا نصبا قرب الباب خلف الكلّ، ويبقى على هذا الشكل كتابه بيده وضامّا يده إلى صدره وجهه في الأرض؛ ثمّ يقدّس باكرا، ويذهب إلى شغله، دون مهلة أو تلهّي، ومعه حبله ومعوله.
ولكن لا يذهب من تلقاء ذاته بل يتقيّد بأمر رئيسه أو بأمر صاحب الوظيفة.
يمشي إلى شغله في الحقل البعيد أو القريب أو الكرم، حاملا مسبحته بيده، ويصلّي، لا يتحدَّث مع أحد في الطريق، ولا يلتفت لا يمينا ولا شمالا. وإذا قال له أحد: المجد لله. يجيب: الله يباركك. ومتى وصل إلى محلّ شغله، بالحال يأخذ معوله ويبدأ بالشغل بكلّ رغبة ونشاط، كأنّه أجير، وله أجرة كبيرة يزيدونها له إذا زاد شغله. ولا يهمّه إذا كان رئيس الشغل قسّيسا أو أخا أو أجيرا، فالكلّ يمثِّلون عنده السلطة، التي هي من الله.
يشتغل بكلّ قوّته شغلا متواصلا شاقّا لا يأخذ راحة؛ أحيانا ينكش بالمعول لا يرفع رأسه من الأرض يضرب بكلّ قوّته، ويكدّ نفسه حتّى يجري العرق متصبّبا من جبينه، وثيابه مبلّلة من العرق، ولم يرفع قلنسوته ليمسح عرقه، بل دائما كانت محزومة بجرزونة. وأحيانا يُعمِّر حيطان، ويجمع الحجارة جانبا بيديه، ويقطع الغوف ليُعزِّل الأرض أمام الزارع. وفي شغله أيضا كان نظره دائما منخفضا إلى الأرض، ويداه كانتا قد تكلكلتا، ويبست جلدتهما من كثرة الشغل. وفي أيّام الحرّ الشديد في زمن الحصاد كان مثله في أيّام الشتاء، لا يرفع قلنسوته عن عينيه. ومتى قعد غيره للراحة وأخذ الماء البارد، والتسلّي ببعض أحاديث، كان هو يجلس على حدة وانفراد، لا يتكلّم ولا يشرب كأنّه ينتظر العودة إلى الشغل بفارغ صبر. ولولا أمر الطاعة لما ارتاح.
وعندما يقرع الجرس للصلاة، يعتزل حيث لا يُرى، ويركع على التراب والحجارة، ويرفع يديه، ثمّ يصلّي في كتابه. ثم يعود إلى الشغل. وإذا تأخّر رئيس الحقل عن دعوة الأب شربل والرهبان إلى الأكل عند الظهر، لا يتململ، ولا يقول مرّة جعنا أو تعبنا. فهذه الكلمة لم تخطر بباله قطّ، فهو ما تلفّظ بها قطّ؛ وإذا كانت حجارة الحقل وأشجاره تتكلّم، كان الأب شربل يتكلّم. فما كنت تسمع حوله إلاّ وقع معوله على الحجارة، أو صدى الحجارة التي كان يرفعها من الأرض ليعمّر بها جدران، أو يلقيها في الرجامي، فالصمت كان أليفه وعشيره. وكان الرهبان والأجراء حوله يهابونه ويحترمون فضائله ويتحاشون أن يتحدّثوا أمامه بحديث ما بطّال، فلم يتجرّأ أحد حتّى أن يمزح أمامه، أو يحادثه بحديث عالميّ بالحوادث الواقعة، إذ لم يكن يهتمّ لها، ولا يكترث بما يجري في البلاد، أو في الرهبانيّة من الأمور المتعلّقة بالإدارة، بل كلّ همّه في شغله مع ربّه، تاركا كلّ شيء لعناية الله.
يبقى في شغله حتّى غياب الشمس، وإذا ما بقي رئيس الحقلة، يشتغل إلى ساعة متأخّرة. كان الأب شربل يظلّ مشتغلا بنفس النشاط الذي بدأ فيه الشغل، بل كانت حماسته، تزداد على طول الشغل. ولا ينبِّه رئيس الحقل إلى فوات الوقت، إذ ما كان يعترض أصلا على شيء. وعند المساء كان يجمع من الغوف والحطب حملا كبيرا يحمله على ظهره، ويعود إلى الدير منحنيا تحتها، ومسبحته في يده يصلّي. وأيّام الثلج والمطر، وأيّام الآحاد والأعياد في الصيف، ما كان يفارق الكنيسة ولا غرفته.
عن صفحة الأب حنا اسكندر.