أخبار متفرقة

حاولوا اقناعه بتغيير دينه فقال إنه لن يموت إلًا مسيحياً!!!

روما/أليتيا(aleteia.org/ar) كان الإنسان منذ أن بدأ يميّز بين الخير والشّر يعاتب الله بقساوة وجسارة على الشّر اللاّحق به من لدنه، والمتمثّل أكثر الأحيان بالمصائب وفقدان الخيرات والمرض والتجارب والمحن. وكان العقل يتّهم الله بالشّر والعنف، ويطاله من ألف باب وزاوية في هذا المجال.   شرّ الله خير كلّه لقد اكتشفت في محطّات كثيرة في حياتي أن…

Published

on

روما/أليتيا(aleteia.org/ar) كان الإنسان منذ أن بدأ يميّز بين الخير والشّر يعاتب الله بقساوة وجسارة على الشّر اللاّحق به من لدنه، والمتمثّل أكثر الأحيان بالمصائب وفقدان الخيرات والمرض والتجارب والمحن. وكان العقل يتّهم الله بالشّر والعنف، ويطاله من ألف باب وزاوية في هذا المجال.

 

شرّ الله خير كلّه

لقد اكتشفت في محطّات كثيرة في حياتي أن الله لم ولن يرد الشّر لأحد، أو يتلذّذ بعذاب عبيده. فهو إله الحب والرحمة والبركة، وأنّ ما يظهره من أمور يعتقدها الإنسان سلبية ومدمّرة، ولا تليق بإله يفترض أن يكون كاملاً في كل صلاح وفضيلة وخير ورحمة، ليس سوى علامات أزمنة يريدها باب خير وارتداد وغنى وحياة لكل إنسان أضاع طريق الحق والحياة، وأدار ظهره لصوت الضمير والله. فكان شرّ الله بل شروره خير وكل الخير.

 

منذ سنتين تقريباً، التقيت في إحدى الأديار بشاب وسيم تضج الحياة في سكنات وجهه وحركات جسده، يسبق الرهبان إلى الصلاة والى السجود أمام القربان، ولا يهمل أي فرض ليتورجي في نظام جماعة الرّهبان. يصلّي صلوات الفرض باللغة السريانية، ويشارك في قراءة الصلوات، ويعاون الإخوة في أشغالهم، وكانوا هم يفسحون له مكاناً في لقاءاتهم وبدون تحفّظ. كنت أظن أنّ هذا الشاب (فلنسميه ماريو)، صاحب دعوة رهبانية، وأنه يهيّء نفسه لدخولها. ولكنّي لم أسأله يوماً عن هويّته، وظروف حياته التي قادته الى ديرنا، وما علاقته بالرهبان؟

 

رغم اني تركت لبنان في أيلول الماضي، وجئت الى ايطاليا لأتابع دبلوماً في دعاوى القدّيسين، عادت وجمعتني العناية من جديد بهذا الشاب، وقد زادته الحياة نضجاً وهدوءاً وتقوى وفضيلة. منذ أقل من أسبوعين، اقترب منّي ماريو وقال لي بنبرة تطفح بالثقة والارتياح بأنّه يرغب بأن يخبرني قصة ارتداده الى الرّب، وكيف قرأ جيّداً علامات زمنه في كتاب التجربة، فأصبح انساناً جديداً تسكن قلبه النعمة، ويعصف في ضميره السلام. وقد وعى من غفلته عن الحق، وعاد من غربته الى البيت الوالدي، بيت الآب، عودة الإبن الضّال. كان يتكلّم بجرأة وبدون خوف من أن يعرف العالم كلّه كيف شفته يد الرب. طلبت منه أن يسمح لي بكتابة شهادة حياته هذه لتكون مُلكَ الكنيسة وكلّ إنسان. قبل بكثيرٍ من الامتنان والحب.

 

عاش ماريو حتّى الأمس القريب حياة طيش وصخب وعدم مسؤولية. فقد أمضى أوقات حياته باللهو والسّهر، ينشد اللذة تحت أي شكل وجدها، منقاداً لإرادة شرّيرة خفيّة تسيطر على كل تحرّكاته وبواعثه النفسية. كانت كماليات الحياة الماديّة تهمه فقط، وكان يختلق المشاكل اختلاقاً، والمسدس لا يفارق جنبه، وكانت صداماته مع الناس خبزه اليومي. كان همّه بناء جسد جذّاب، يوقع في شرك جاذبيته فتيات الدروب، ويلحق أكثر قدرٍ من الأذى الجسدي بمن يقف في طريقه. فتعلّم الملاكمة واستعملها بشكل وحشي ضد الآخرين، وكانت الحياة الجنسية واللذة الحسيّة أولويّة في حياته. فرسب في الجامعة، وتعكّرت علاقته بكل أفراد العائلة.

 

كان ماريو يرفض أن يسمع لأي أحد يحاول إدخاله الى الكنيسة ليلتقي الرب، ويُشفى من برص الخطيئة.

 

في  حزيران ۲۰۱٤ تدخّل الله “بشرّه” الآيل الى خير ماريو، ليعيده إليه من غربة الخنازير ووحل العبودية. فتوقّف ماريو في احدى المطارات عندما كان يهم بالعودة الى لبنان، لأن اسمه كان مدرجاً على اللائحة السوداء. فسجن لأكثر من ستة أشهر، عرف خلالها ذاته الضّالة والبؤس الذي كان عليه. شعر ماريو بأن الحياة توقفت، وعاش في أيّام سجنه الأولى جحيماً لا يطاق. فكان يتشاجر كل يوم مع السجناء، لا سيّما المسلمين منهم، لأنّهم كانوا يحاولون اقناعه باعتناق دينهم. فكان يُصَرّح بأنّه فخور بدينه ومسيحيّته، وأنه لن يموت إلاّ مسيحيّاً، ولكنه لم يكن يعرف في الدين والمسيح سوى الإسم فقط. ضاقت الدنيا بماريو وكاد الرجاء ينطفىء في عينيه، لو لم تَقُدهُ العناية الإلهية ليبدأ في قراءة الإنجيل، وتلاوة صلاة الأبانا. وبعد عدّة أيام، شعر بأن المسيح أصبح حاضراً في حياته حضوراً ملموساً، فراح يتحدّث معه ويبثّ له ضيقه وشكواه من الصباح حتّى المساء. فأصبح أقوى، وبدأت الحياة تظهر أنّ لها معنى في معرفته بالمسيح.

 

تعمّق ماريو داخل قضبان السجن بالإنجيل، وقرأ جيّداً يد الرب في توقيفه، ففهم أنه في مرحلة انتقال من الموت الروحي الى القيامة. فراح يشبّه نفسه بالإبن الضّال الذي ترك والده ثمّ عاد إليه طالباً المغفرة. عرف ماريو أن الحياة بعيداً عن الرب والقيم هي موت روحي حقيقي، فقرّر أن لا يعود الى الخطيئة والغربة. كان يحسّ وهو يبكي في سجنه أن يسوع معه، يعزّيه ويبتسم له… أطلق سراح ماريو بعد ستة أشهر من السجن، ولكن سِراحَهُ من سجن الخطيئة سبق هذه الحرّيّة بأشهر عندما التقى بالرب يسوع…

 

وُضِعَ ماريو تحت الإقامة الجبرية، ودلّه بعضهم على دير في روما، فجاءه يطلب المساعدة، فاحتضنه الآباء والإخوة كواحدٍ من عائلتهم الإنسانية والرهبانية بمحبة لم يكن يتوقّعها. فتابع ما بدأه في السجن حياة الصلاة والروح، وأصبح شخصاً مختلفاً لا يشبه انسانه القديم بأي شيء.

 

عرف ماريو أن “شرّ الله” المتمثّل بتوقيفه لم يكن إلاّ الحب عينه، والمدخل الى حياة السعادة والخلاص.

 

فمن له أذنان سامعتان فليسمع.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

Exit mobile version