أخبار متفرقة
البابا فرنسيس: إذا صار التطوّر عدواً للخير العام سيؤدي إلى ولادة أشكال جديدة من الهمجيّة الراضخة لشريعة الغاب
استقبل البابا فرنسيس صباح الجمعة في الفاتيكان المشاركين في ندوة بعنوان “الخير العام في العصر الرقمي” نظمها ودعا إليها المجلس البابوي للثقافة بالتعاون مع الدائرة الفاتيكانية للتنمية البشرية المتكاملة. وجه البابا لضيوفه المائة والثمانين خطابا استهله مرحباً بهم ومعرباً عن سروره للقائهم وتقدّم بالشكر إلى الكاردينال رافازي على الكلمة التي وجهها إلى البابا، وأكد أن…
استقبل البابا فرنسيس صباح الجمعة في الفاتيكان المشاركين في ندوة بعنوان “الخير العام في العصر الرقمي” نظمها ودعا إليها المجلس البابوي للثقافة بالتعاون مع الدائرة الفاتيكانية للتنمية البشرية المتكاملة.
وجه البابا لضيوفه المائة والثمانين خطابا استهله مرحباً بهم ومعرباً عن سروره للقائهم وتقدّم بالشكر إلى الكاردينال رافازي على الكلمة التي وجهها إلى البابا، وأكد أن التطورات الراهنة في الحقل التكنولوجي، لاسيما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، تؤثّر كثيراً على كل أبعاد السلوك البشري، لذا من الأهمية بمكان أن تُقام نقاشات مفتوحة وملموسة حول هذا الموضوع.
بعدها توقف البابا عند الرسالة العامة “كن مسبحاً” لافتا إلى أنه تناول في الوثيقة الفوائد التي يمكن أن تحصدها البشرية من التقدّم التكنولوجي، شرط أن تُستخدم الوسائل التكنولوجية بطريقة خلقية. ولم يُخف قلقه في الوقت نفسه حيال المخاطر المحدقة بالبشرية إذا ما اتخذت التكنولوجيا موضعاً مهيمناً على الإنسان. وأكد المواضيع المطروحة على طاولة النقاش تساهم في الحيلولة دون ذلك، وفي جعل ثقافة التلاقي والحوار بين مختلف القطاعات ملموسة.
هذا ثم أكد فرنسيس أن العديد من المشاركين في اللقاء يعملون في حقل التكنولوجيا، الاقتصاد، علم الاجتماع والاتصالات والأمن المعلوماتي، وأيضا في مجال الفلسفة والأخلاقيات واللاهوت الخلقي. ومن هنا توجد مقاربات مختلفة حيال المشاكل التي تقدّمها ظواهر شأن الذكاء الاصطناعي وغيرها. وشكر الحاضرين على رغبتهم في المشاركة في حوار شامل وخصب، يساعد الأشخاص على التعلّم من بعضهم البعض، ويحول دون انغلاق الناس ضمن الأحكام المسبقة.
وأضاف البابا أن الهدف الأساسي الذي وضعه المؤتمرون نصب أعينهم يتمثل في التوصل إلى معايير خلقية، قادرة على تقديم توجيهات من أجل التعامل مع المشاكل الخلقية المتعلقة بالاستخدام المفرط للتكنولوجيا. وأكد أنه يدرك تماماً صعوبة تحديد بعض المبادئ الرئيسة بلغة مقبولة ومتقاسمة لدى الجميع. ومع ذلك قال إن ضيوفه لم يفقدوا الأمل في السعي إلى بلوغ هذا الهدف، مسطرين القيمة الخلقية للتحولات الراهنة، أيضا في إطار المبادئ التي حددتها أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ولفت إلى أن المجالات التي يتباحثون فيها تحمل بلا شك تأثيراً فورياً وملموساً على حياة الملايين من الأشخاص.
تابع فرنسيس خطابه مشيرا إلى الاقتناع بأن الإنسانية تجد نفسها اليوم أمام تحديات لا سابق لها ولفت إلى أن المشاكل الجديدة تتطلب حلولاً جديدة: وفي هذا السياق لا بد أن يعاش احترام المبادئ والتقاليد بطريقة خلاقة. وأشاد بجهود المشاركين في الندوة، الساعين للتطرق إلى مبادئ خلقية، على الصعيدين العملي والنظري، كي تواجَه التحديات المطروحة من منظار البحث عن الخير العام. ومن هنا أكد البابا أن الخير العام هو خير يطمح له كل البشر، وأضاف أنه لا توجد منظومة خلقية جديرة بهذا الاسم إن لم تعتبر الخير العام من بين ركائزها الأساسية.
وعاد البابا ليؤكد أن المشاكل التي دُعي المؤتمرون إلى تناولها وتحليلها تتعلق بالبشرية بأسرها، لذا إنها تتطلب حلولاً تُطبق على جميع البشر. وأشار البابا على سبيل المثال إلى “الروبوتيات” في عالم العمل. وقال إن هذا العلم يمكن أن يضع حداً لأشغال شاقة أو خطيرة، لافتا إلى أن فكره يتجه إلى التكنولوجيات التي برزت مع بداية الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. لكن من جهة ثانية يمكن أن يقتصر دور الروبوتيات في عالم العمل على زيادة الأرباح وحسب، ما يؤدي إلى حرمان آلاف الأشخاص من فرص العمل، وتعريض كرامتهم للخطر.
ولم تخلُ كلمات البابا من الإشارة إلى المنافع والمخاطر المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي. فمن جهة يساهم ذلك في حصول الأشخاص على كمية أكبر من المعلومات الجديرة بالثقة، لكن من ناحية ثانية قد تؤدي هذه التكنولوجيا إلى نشر آراء مسيئة ومعلومات مزيفة، ما يسمم النقاشات العامة، ويتلاعب بآراء ملايين الأشخاص بشكل يعرّض للخطر المؤسسات الضامنة للتعايش المدني. لذا من الأهمية بمكان أن يكون التطور التكنولوجي موجّهاً بالمبادئ الخلقية التي نقلها إلينا الآخرون.
بعدها لفت البابا فرنسيس إلى أنه لا يمكن أن نعتبر التقدم التكنولوجي تقدمّاً إذا ما سبب انعدام المساواة بين الأشخاص، وأكد أنه إذا صار هذا التطور عدواً للخير العام، سيؤدي هذا الأمر إلى ولادة أشكال جديدة من الهمجية الراضخة لشريعة الغاب. ومن هذا المنطلق وّجه البابا كلمة شكر إلى الحاضرين على التزامهم في السعي إلى تضييق هوة انعدام المساواة بين الأشخاص على الأصعدة الاقتصادية والتربوية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية. وقال إنهم يسعون إلى الدفاع عن كرامة الإنسان، واثقين أن الخير العام لا يمكن فصله عن الخير الخاص بكل فرد.
في ختام كلمته إلى المشاركين في ندوة “الخير العام في العصر الرقمي” قال البابا إن عالما أفضل ممكن بفضل التقدّم التكنولوجي إذا ما رافقته خلقية ترتكز إلى نظرة للخير العام، خلقيةُ حريةٍ ومسؤولية وأخوّة تعزز النمو الكامل للأشخاص في علاقتهم مع الآخرين ومع الخلق.