أخبار متفرقة

ألا يستحق لبنان المهدد إقتصاده وماليته بالانهيار أن يقوم المتمولون الكبار من أبنائه المقيمين والمنتشرين بالتبرع لصالح خزينته؟

لبنان/ أليتيا (aleteia.org/ar) وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي رسالة عيد الفصح التاسعة تحت عنوان “نفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس” الى اللبنانيين جميعا والمسيحيين خصوصا مقيمين ومنتشرين من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، في حضور المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات من مختلف الطوائف الكاثوليكية، وجاء في الرسالة: “1. نلتقي…

Published

on

لبنان/ أليتيا (aleteia.org/ar) وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي رسالة عيد الفصح التاسعة تحت عنوان “نفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس” الى اللبنانيين جميعا والمسيحيين خصوصا مقيمين ومنتشرين من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، في حضور المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات من مختلف الطوائف الكاثوليكية، وجاء في الرسالة: “1. نلتقي كالعادة صباح سبت النور لنتبادل التهاني والتمنيات بالفصح المجيد. فأشكركم على هذه المبادرة، وبخاصة قدس الرؤساء العامين والرئيسات العامات الذين يحضرون معا وينظمون الصلاة المشتركة. وأعرب عن شكري وتقديري للكلمة اللطيفة التي ألقتها باسمكم الأخت جوديت هارون الرئيسة العامة لجمعية الراهبات الأنطونيات. إنه عيد الفرح والتجدد بالعبور مع فصح المسيح إلى حياة جديدة بالروح القدس. فالرب يسوع في مساء أحد قيامته تراءى لرسله المجتمعين داخل البيت، ونفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس (يو20: 19و22).

  1. لقد بث فيهم جديد قيامته، وما زال يبثه في كل مؤمن ومؤمنة، بل في كل إنسان يفتح قلبه لله، لكي يظل جديدا في نضارة الحب والعطاء بقوة الروح؛ ويتحرر من أسر الأنانية والاهتمام المفرط بالذات، ومن الأفكار المسبقة والمواقف المتحجرة والحسابات الصغيرة. يبث الرب يسوع روح القيامة ليقيم الإنسان من موت الخطيئة، سواء كانت تجاه الله بمخالفة وصاياه وتعليم الإنجيل والكنيسة؛ أم تجاه الانسان بالتعدي على شخصه حسيا أو ماديا أو روحيا أو معنويا، أو بانتهاك كرامته وسلب حقوقه؛ أم تجاه المجتمع بإفساد الأخلاق العامة فيه؛ أم تجاه الدولة باستباحة دستورها وقوانينها، وإهمال الخير العام، وسرقة مال الخزينة وهدره بشتى الطرق والوسائل.
  2. نجتمع في صباح سبت النور، المعروف بمكوث الرب في مثوى الأموات، وبالنزول إلى الجحيم حيث، كما كتب بطرس الرسول بشر الأنفس المحجوزة فيه (1 بطرس 19:3). أما المفهوم اللاهوتي فهو الدخول في عمق الموت، هذه الهوة الكائنة في عزلة الإنسان الداخلية، فيشعر بأنه لوحده وبحاجة إلى آخرين. هو في حال خوف داخلي، لا يمكن التغلب عليه بالعقل والادراك، بل فقط في حضور شخص محب. هذا الاختبار المر عاشه يسوع، فأطلق صرخته من على الصليب إلى أبيه، صرخة الوحشة والرجاء: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ (مر 34:15). إنها بداية صلاة المزمور 21:22 التي كان يطلقها شعب الله قديما في حال الضيق، إذ كان يظن أن الله تخلى عنه. بهذه الصرخة لاذ يسوع بأبيه وسط الشعور بتخليه عنه وغيابه.
  3. كلنا يختبر، إنما بدرجات متفاوتة، هذا الخوف الداخلي الذي يبلغ ذروته في الخوف من الوحدة والشعور بأن الله نفسه بعيد وغائب وصامت. هذا الخوف الكلي يسمى جحيما أو موتا بمعنى العبور إلى عزلة تحطم كل رباط. بنزوله إلى الجحيم إجتاز المسيح باب عزلتنا القصوى، ودخل من خلال آلامه في هوة شعورنا بالتخلي، حيث لا كلمة سواه يمكن أن تلج قلبنا، فغلب الجحيم والموت وأسكن فيهما الحياة والمحبة اللتين من الله.

بهذا المعنى كتب بولس الرسول: لو لم يقم المسيح، لكنا أشقى الناس، ولما زلنا أمواتا في خطايانا” (1كو17:15).

  1. يسوع المسيح القائم من الموت يبدد كل خوف ويأس. ويريدنا أن نكون ذاك الآخر المحب الذي يحتاجه الخائف والمضطرب. فالخائفون والمضطربون يتوجهون إلى الكنيسة أمهم، لتضيء نجمة في ظلمات حياتهم، وتتكلم باسمهم، وتحمي حقوقهم، وتعبر عن حاجاتهم وتطلعاتهم، وتعطي صوتا لمن لا صوت له. فلا يمكنها أن تصمت أو تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يتعرض له أبناؤها وبناتها من اعتداءات. يلجأون إليها في كل مخاوفهم، لأنهم فقدوا الثقة بالجماعة السياسية، وباتت الهوة سحيقة بينهما.
  2. تستطيع الكنيسة ذلك لأن المسيح القائم من الموت نفخ فيها الروح القدس (يو 22:20)، روح المحبة والحقيقة، روح المشورة والشجاعة، روح العطاء والتفاني، روح الحضور والخدمة. هذا الروح دفع بأبرشياتها ورهبانياتها إلى إنشاء مؤسسات تضيء دروب الإنسان: مدارس، مستشفيات، دور مسنين، مياتم، مراكز للمعوقين، مدارس لذوي الاحتياجات الخاصة، مؤسسات اجتماعية لخدمة المحبة، وسواها. كل هذه المؤسسات تزرع الرجاء في القلوب، وتنتزع منها الخوف، وتصمد في وجه الصعوبات على أنواعها، وتحمل هموم الناس وتخفف قدر مستطاعها من ثقل الأعباء التي يرزحون تحتها. إنها تفعل ذلك لكي لا تطفىء الروح (1تسا 17:5). الكنيسة لا تنتظر مديحا من بشر، بل تطالب الدولة بالقيام بواجباتها تجاه الذين تتحمل أعباءهم المالية وهم في عهدة مؤسسات الكنيسة. ثم من واجب الدولة دعم هذه المؤسسات ومثيلاتها في لبنان، لأنها ذات منفعة عامة لكونها تساعد الدولة في القيام بمسؤوليات تعود إليها، وهي عاجزة عن إنشاء مثلها وبمستواها العلمي والصحي والتقني والإداري والإنمائي. بهذا الدعم تنخفض الأعباء المالية والأكلاف عن كاهل المواطنين الذين ينعمون بخدماتها.
  3. لقد صلينا ونصلي لكي يفتح رجال السياسة والمسؤولون في الدولة قلوبهم ونفوسهم، بروح التوبة، لقبول الروح القدس الذي يريد المسيح القائم من الموت أن يبثه فيهم (راجع يو22:20)، فيخرجون من عتيق مسلكهم وتصرفاتهم، ومن أسر مصالحهم وحساباتهم وحصصهم وأفكارهم المسبقة، ومن حالة اللاثقة في ما بينهم، ويدخلون جديد القيامة، ويجتهدون في درس المشاريع الإنمائية من كل جوانبها وعدم فرضها على المواطنين قسرا، كما يجتهدون في رفع الظلم والهموم والحرمان والجوع عن الشعب اللبناني الذي يعبر عن مطالبه بكل أسف بإضرابات وتظاهرات واعتصامات وقطع طرقات وحرق إطارات، تأتي بالضرر على المواطنين ومصالح الدولة وسمعة لبنان.
  4. فلنتذكر، ونحن على عتبة الاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان، كيف أن السياسة اللبنانية تمكنت في النصف الأول من تكوين دولة جعلت من لبنان سويسرا الشرق ومحط إعجاب العالم، إذ قوى اقتصاده وأقر الحريات العامة وعممها وحماها، وعزز التعددية في الوحدة، وبنى صحافة فاخر بها شعوب المنطقة. ولقد فعل ذلك، فيما كانت الدول المحيطة تتخبط في انقلابات متتالية ونشوء أنظمة ديكتاتورية وقمعية وأحادية.

ولكن ابتداء من منتصف السبعينات، بعد ما جرى من حروب واحتلالات وهدم وتهجير وصولا إلى تعديلات مؤتمر الطائف الجوهرية في النظام السياسي الذي أسيء تطبيقه نصا وروحا، وبعد نهاية الاحتلالات، لم تعرف الجماعة السياسية، أو لم تشأ أن تبني دولة عصرية تعود بلبنان إلى سابق عهده. وهيهات أن يعود إذا ظل النهج السياسي إياه!

  1. لقد قام لبنان، خلافا لجميع دول المنطقة، على إحلال المواطنة السياسية محل المواطنة الدينية، كأساس للعيش المشترك المسيحي-الإسلامي. وهي ميزة ناضل في سبيلها خادم الله البطريرك الياس الحويك في مؤتمر فرساي للسلام سنة 1919، وقال فيه مقولته الشهيرة: طائفتي لبنان. وعلى أساسها قامت الدولة بمؤسساتها وازدهرت. أما ما نشهده اليوم، بكل أسف، فهو إحلال المواطنة الدينية محل المواطنة السياسية، الظاهر في الحكم المذهبي في الوزارات والإدارات العامة، اضافة إلى شبه دويلات طائفية ونفوذ حزبي في المناطق، وتدخل سياسي في الإدارات العامة والتعيينات، حشو وزبائنية، وفي القضاء. اضافة إلى تجاوز بعض الأجهزة الأمنية صلاحياتها والقوانين حتى التدخل في ما هو من صلاحيات الجهاز القضائي. كل هذه الأمور أضعفت الدولة وأفقدتها هيبتها، وفكفكت تراتبية السلطات الدستورية واستقلاليتها، وأدخلت الفساد الشامل، وبددت المال العام، وأوقعت البلاد في دائرة الخطر على المستوى الاقتصادي والعجز المالي وتنامي الدين العام. فلا بد من إصلاح سياسي أولا على ضوء تجربة المئة سنة، وما جرى ويجري في بلدان المنطقة، والسعي إلى إحلال نظام إقليمي جديد يعمم السلام من حولنا، ويحد من أطماع القوى الكبرى، فلا نكون مساحة لطموحاتها.
  2. في سياق العمل على تنظيم عملية التقشف، يجب أولا إقفال أبواب الهدر العديدة، وجمع أموال الدولة من مرافقها ومرافئها والضرائب والرسوم، وضبط التهريب والاستيراد غير المشروع، والتوجه إلى الأغنياء والقادرين قبل مطالبة المواطنين الرازحين أصلا تحت أعبائهم المالية، منعا لاتساع دائرة الفقر ولإذكاء ثورة الجياع.

إن عملية التضامن المشكورة التي قام بها كثيرون من أفراد ودول وسخوا بمساهماتهم المالية من أجل إعادة بناء كاتدرائية نوتردام في باريس التي دمرها الحريق الهائل في معظمها وهز مشاعر الدول والشعوب، واعتبرت خسارة عالمية، تدفعنا للتساؤل: ألا يستحق لبنان المهدد إقتصاده وماليته بالانهيار أن يقوم المتمولون الكبار من أبنائه المقيمين والمنتشرين بالتبرع لصالح خزينته، تجنبا لانهيار هيكله على الجميع؟

  1. وفيما لبنان يحتاج إلى استعادة الثقة به لدى الأسرة الدولية، يجب على السلطة السياسية أن تعمل بجدية وشفافية ومسؤولية على مواجهة أزماتنا الداخلية، والإسراع في إجراء الإصلاحات اللازمة. وإنا نناشد جميع وسائل الإعلام ومستخدمي تقنياتها الكف عن إظهار الوجه السلبي عندنا، ونشر الحقيقة الموضوعية، بعيدا من التجني والكذب والمأجورية. فباستطاعة هذه الوسائل أن تكون أداة حرب أو أداة سلام.
  2. أما الحاجة الأساسية لبدء عملية كل إصلاح فتبقى هي هي أن يفتح الجميع قلوبهم لقبول هبة الروح القدس التي يبثها فيهم المسيح القائم من الموت، فيطلقهم في رحاب جديد القيامة. هذه هي تهانينا وتمنياتنا بالفصح المجيد.

المسيح قام! حقا قام!”.

 

العودة إلى الصفحة الرئيسية

Exit mobile version