أخبار العالم
من هو الوزير الذي دخل المستشفى سرّاً و أحرج الرئيس والنواب؟!
بموازاة الأشياء الكثيرة التي تفرّق في ما بين البلدان. ورغم أن ما يُطلَب من وزير الدفاع، أو من الرئيس، أو من أي مسؤول، في الولايات المتحدة الأميركية، أي في بلد القوّة العسكرية والسياسية الأولى في العالم (حتى الساعة)، مُخالِف تماماً لما يمكنه أن يُطلَب من وزير أو مسؤول في أي بلد آخر، إلا أن الضجة التي أثارها دخول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن المستشفى الأسبوع الفائت، تبدو مُثيرة للاهتمام، من حيث التحفيز الذي يجب أن تُعطيه لأي مسؤول في كل ما يتعلّق بالشفافية، وبمبدأ الخضوع للمساءلة، والمحاسبة، خصوصاً في لبنان.
Follow us on Twitter
فالديموقراطيون والجمهوريون على حدّ سواء، استغربوا إبقاء أوستن دخوله المستشفى طي الكتمان، حتى على الرئيس الأميركي جو بايدن، و”البيت الأبيض”، والكونغرس، وذلك خلافاً للقانون، ورغم أن مهامه تتطلّب إخبار الإدارة الأميركية بأي إجراء من هذا النوع فوراً، لأن من واجبه أن يكون مُتاحاً في أي لحظة للتعامل مع أي شكل من أشكال أزمات الأمن القومي.
كما أعلن “البيت الأبيض” أنه سيراجع الإجراءات المحيطة بدخول أوستن المستشفى، مؤكداً أن لا خطة لدى بايدن لإقالته، حتى الساعة.
قد يكون ما حصل لأوستن مسألة شخصية، خالفت الالتزام بضرورات قانونية في بلاده. ولكن ما يعنينا نحن في لبنان، هو أنه إذا كان أرفع مسؤول أمني في العالم، يواجه انتقادات سياسية وقضائية بسبب مسألة صحية وشخصية، فإن مسؤولاً بدرجة 100 في بلد مثل لبنان، لا يمكن لأحد أن يحاسبه، ولا أن يُلزمه باحترام القانون، ولا حتى بمقدار ذرّة.
فالمسؤولون وكبار القوم في لبنان اعتادوا على ثقافة الاستخفاف بكل شيء، بدءاً من القانون، وصولاً الى الإنسان. ومن الطبيعي أن لا ينظروا الى ما جرى مع أوستن كمسألة مهمّة، لأن من يشرب من ينابيع خرق القوانين والدساتير، ومن يُبدع في الافتقار الى الشفافية، لا “يغصّ” بالشرب من سواقي الفساد.
فكم من مسؤول لبناني يسافر ويترك البلد، لأيام، أو أسابيع، أو أشهر، من دون علم أحد، حتى رئيس الجمهورية أو الحكومة، ومن دون أي شفافية حول سبب غيابه مدّة طويلة، وحتى في أحلك الظروف؟
وكم من وزير لبناني رفض ويرفض حضور جلسات مجلس الوزراء، لأكثر من شهر، بإيعاز من حزبه، فيُصبح القانون الحزبي أعظم وأهمّ من الدستور اللبناني؟
وكم من وزير لبناني يمكنه أن يهاجم رئيس الحكومة، أو رئيس الجمهورية، وعلى طاولة مجلس الوزراء، في ما لو طلبا منه توضيحات معيّنة لها علاقة بسلوكياته داخل وزارته، أو في أي ملفّ كان؟
وكم من نائب لبناني تغيّب ويتغيّب عن جلسات مجلس النواب، لأسباب شخصية، ومن دون أي عذر يقدّمه لأحد؟ وكم من نائب تغيّب ويتغيّب عن مجلس النواب لأن الكتلة التي ينتمي إليها قرّرت أن وظيفته هي “كمالة عدد”، وأن لا ضرورة لدخوله البرلمان إلا لبعض جلسات الاقتراع، وتأمين النّصاب…، وذلك بدلاً من احترام الوكالة الممنوحة له من الشعب، في عمل تشريعي لصالح الناس؟
وكم من مسؤول لبناني قادر على الاحتفاظ بمحاضر اجتماعات، وبإخفائها ربما، أو…، أو…، أو… لأسباب شخصية وحزبية، لا وطنية؟ وكم من مسؤول لبناني، أو شخصية لبنانية عامة، تنعم بتمويل خارجي لأسباب وأهداف غير لبنانية، وتحت ستار إما جمعيات خيرية أو غيرها، فيما لا نجد أحداً يحاسبها أو يسألها على الأقلّ، عن تأثير هذا التمويل على عملها السياسي المحلي؟
في هذا الإطار، تؤكد أوساط قانونية أنه لا يمكن لأحد أن يحاسب أحداً في لبنان، لأسباب عدّة، من بينها الاختلافات في تفسير الدستور حتى على مستوى واجبات الوزير بتطبيق القوانين في وزارته.
وتلفت الى أن منح الوزير سلطة أن يكون سيّداً على كل شيء في وزارته، يجب أن تجعله أميناً على القيام بمهامه على أكمل وجه، بينما نجدها تُصبح في لبنان فرصة تسمح له بتخطّي كل الأعراف، وبعَدَم تطبيقه بعض القوانين على نفسه. وهذه مخالفة دستورية تُبرَّر بالكثير من المتاهات القانونية، التي تسمح بدورها بخرق القانون.
في أي حال، يحقّ لكل إنسان أن يفعل ما يريده طبعاً، وأن يحدّد خياراته بنفسه. ولكن عندما يكون مسؤولاً، يتوجّب عليه أن يحترم القانون أكثر من عامة الشعب.
ولكن بما أن المسؤول في بلادنا يبقى مسؤولاً الى الأبد، وحتى لو ترك منصبه بعد شهر. وبما أن المسؤول وامتداده الحزبي في بلادنا، هو القانون، فإننا نفهم السبب الذي جعلنا نفشل في بناء دولة، منذ ما قبل عام 1943، وحتى اليوم.
المصدر: أنطون الفتى – أخبار اليوم