أخبار الشرق الأوسط

إيران على طريق التصدير الدوليّ للسلاح؟

Published

on

على الرغم من القيود التكنولوجية والعقوبات الشديدة تقوم إيران بتطوير صناعة الأسلحة الخاصّة بها عازمة على أن تصبح مورّداً رئيسياً للأسلحة على المسرح العالمي ومزوّداً مفضَّلاً للدول المارقة. وذلك لأنّها تستفيد:

– من كون منتجاتها منخفضة التكلفة في مصانع داخل أراضيها وأخرى خارجها، وأهمّها في سوريا.

– من كسبها التقنيّة من خلال نهبها الأسلحة الأجنبية وتحصيلها معلومات على مواقع الإنترنت والاستفادة من أبحاث عدد من طلابها في الخارج.

– من تجنيدها علماء أجانب والاستعانة بمهندسين من دول حلف وارسو السابقة.

يجعلها كلّ هذا تمتلك ترسانة من الأسلحة تمكّنها من مواجهة علاقات القوّة الجيوسياسية المتغيّرة. ولكنّ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّها تختبر قاذفة إطلاق القمر الصناعي “قائم 100” في المدار. وهذا يلمح إلى حرب فضائية محتملة.

استغلّ النظام الإيراني الجمود في مفاوضات خطّة العمل الشاملة المشتركة والحرب في أوكرانيا لمحاولة الخروج من كونه دولة منبوذة ولاختبار مجموعة أسلحته في صراع غير متكافىء بين الدول

التحدّي الإيرانيّ

هذه خلاصة تقرير يتضمّن تقويم شبكة “خدمات الاستخبارات الجيوسياسية” المختصّة بجمع المعلومات الاستخبارية التي تضمّ مجموعة مختارة من خبراء ووزراء حكوميين سابقين ومستشارين وموظّفين مدنيين رفيعي المستوى، إضافة إلى عسكريين واقتصاديين وعلماء كبار. أعدّ التقرير الباحث الفرنسي المتخصّص في قضايا العالم العربي بيير بوسول، الذي يعمل في مؤسّسة البحوث الاستراتيجية FRS، وهي واحدة من مراكز الخبرة الأوروبية الرائدة في قضايا الأمن والدفاع الدولي. وجاء فيه:

“تزعم طهران أنّها تمتلك أنجح صناعة أسلحة في العالم على الرغم من عقود من العقوبات الاقتصادية. يذكر النظام أنّ 5,000 شركة قائمة على المعرفة تتعاون مع صناعتها الدفاعية لتطوير أسلحة مبتكرة. في تشرين الثاني 2022 أطلقت إيران للمرّة الأولى صاروخاً باليستياً تفوق سرعته سرعة الصوت. ووصف قائد سلاح الطيران في الحرس الثوري الإيراني اللواء أمير علي حاج زاده الحدث بأنّه قفزة كبيرة في مجال الصواريخ. وأعلنت طهران أنّ الصاروخ يطير بين 8 و10 ماخ (النسبة بين السرعة بالكيلومتر وسرعة الصوت)، وهو ما يعني أنّه يمكن أن يصل إلى القدس في 400 ثانية. لكنّ خبراء دوليّين تشكّكوا في هذا الخبر بسبب ما اعتادوا أن يطلقه النظام الإيراني من مبالغات ومعلومات غير دقيقة.

لكنّ هناك شيئاً واحداً مؤكّداً: إيران تتحدّى علانية قرار الأمم المتحدة رقم 2231، الذي يمنعها من تطوير إطلاق الصواريخ باستخدام التكنولوجيا الباليستية. في الواقع، لم تتوقّف أبداً عن تطوير الأسلحة، وظلّت حازمة في مواجهة علاقات القوّة الجيوسياسية المتغيّرة.

 

تجنيد علماء أجانب وميليشيات

عندما اندلعت الثورة الإسلامية عام 1979، أُقصي العلماء الإيرانيون من برامج البحث الدولية، وقُيّد الوصول إلى المؤتمرات وبرامج التبادل العلمي بشدّة بسبب قيود التأشيرات الغربية منذ ذلك الحين. قام النظام بسدّ الفجوة في مختبرات البحث والتطوير الخاصّة به من خلال تجنيد علماء أجانب. أشهرهم عبد القدير خان، والد البرنامج النووي الباكستاني، الذي ساعد إيران في إطلاق برنامجها النووي. استعانت إيران أيضاً بمهندسين من دول حلف وارسو السابقة، فأشرف الجورجيون منذ فترة طويلة على صيانة أسطول ميغ، وحرّر الإنترنت والشبكة المظلمة المهندسين الإيرانيين من قيود التنقّل الجغرافي، فباتوا يمارسون استخبارات مفتوحة من مكاتبهم في طهران، ويجمعون المعلومات الأكثر قيمة في ساحات القتال في الشرق الأوسط. وانخرطت القوات الإيرانية منذ الربيع العربي عام 2011 بقوّة في علاقات مع حكومتَيْ سوريا والعراق، وتابعت عشرات الميليشيات التي تديرها وتمثّل أدوات نفوذ لنظام الملالي.

يجوب ضبّاط من المخابرات الإيرانية مناطق الصراع بحثاً عن معدّات عسكرية جديدة أو مستعملة أو مدمّرة جزئياً. مكّنت هذه الممارسة الإيرانيين من استعادة بقايا طائرة إسرائيلية بدون طيّار أُسقطت في سوريا وأجزاء من طائرتين أميركيّتين بدون طيار اصطدمتا خلال عمليّة لمكافحة الإرهاب. وكانت واحدة من أبرز المعدّات التي تمّ الاستيلاء عليها طائرة استطلاع أميركية بدون طيّار من طراز Lockheed Martin RQ-170 Sentinel اختفت في ظروف غامضة أثناء تحليقها فوق المنشآت النووية الإيرانية، فكانت مصدراً مهمّاً لمعلومات المهندسين الإيرانيين. وفي أفغانستان منحت طالبان الإذن لطهران بالحصول على المعدّات الأميركية بعد انسحاب القوات، فتمّ مثلاً نقل عربات مدرّعة من نوع هامفي إلى إيران عبر مركز شرطة سمنان – جارمسار.

 

حقائق وأرقام: صواريخ باليستيّة

في حين يصعب تقويم صناعة الأسلحة الغامضة في إيران، يمكن لتصريحات طهران على الأقلّ أن تقدّم أدلّة على ما يعمل عليه النظام. تقوم وزارة الدفاع الإيرانية بمعالجة جميع البيانات التقنيّة. يتمّ تفكيك “جثث” أو بقايا المعدّات المستولى عليها قطعة قطعة وتطوير الخطط لنسخ أكثر الابتكارات التقنية قيمة. فطائرة الاستطلاع المسيّرة شاهد 171 (Shahed 171)، التي تمّ تقديمها في عام 2014، تطابق تقريباً طائرة الاستطلاع الأميركية RQ-170 المذكورة أعلاه. والمسيّرة “صاعقة” (Saegheh) مستوحاة إلى حدّ كبير من نظيرتها الأميركية.

تواجه هذه الممارسة السرّيّة نكسات. اتّهمت السويد إيران رسمياً بمحاولة سرقة أسرار نووية. وتشكو النرويج بانتظام من دخول الطلاب الإيرانيين في برامج أكاديمية حسّاسة مثل الهندسة النووية. تتمّ تسوية التوتّرات بين الأجهزة السرّية في بعض الأحيان على غرار الحرب الباردة: فقد قُتل أحد الخبراء الإيرانيين البارزين في مجال الطائرات المسيّرة والدفاع الجوي في إيران أخيراً في كمين مفخّخ أثناء قيادته سيارة جنوب دمشق. على الرغم من أنّ الصحافة الإسرائيلية نقلت المعلومات، إلا أنّه لم يتمّ الاعتراف رسمياً بوقوع عمليّة خاصّة.

يجوب ضبّاط من المخابرات الإيرانية مناطق الصراع بحثاً عن معدّات عسكرية جديدة أو مستعملة أو مدمّرة جزئياً

سياسة تجاريّة غامضة

استغلّ النظام الإيراني الجمود في مفاوضات خطّة العمل الشاملة المشتركة والحرب في أوكرانيا لمحاولة الخروج من كونه دولة منبوذة ولاختبار مجموعة أسلحته في صراع غير متكافىء بين الدول. تمّ تسليم الطائرات المسيّرة المقاتلة شاهد-136 (Shahed-136) إلى الجيش الروسي. دفعت موسكو 140 مليون يورو، وقدّمت للصناعة الإيرانية ثلاثة نماذج ثمينة من الأسلحة التي ستتمّ دراستها ونسخها بالتأكيد: صاروخ جافلين Javelin الأميركي المضادّ للدبّابات، وصاروخ ستينغر  Stinger الأميركي المضادّ للطائرات، والصاروخ البريطاني NLWA المضادّ للدبّابات.

 

زبون للسلاح الإيرانيّ؟

تريد إيران إثبات أنّ أسلحتها منخفضة التكلفة ولها مكان في ساحات القتال بين القوى العالمية. تبلغ تكلفة الطائرة الإيرانية المسيّرة ما بين 20 إلى 50 ألف دولار، مقارنة بـ 3 ملايين دولار للطائرة الروسية. يتمّ تزويدها بالتوجيه من فريق من المدرّبين ذوي الخبرة. على الرغم من كونها بطيئة وبدائية، إلا أنّ هذه الطائرات قادرة على زعزعة استقرار نظام الدفاع الجوّي والصاروخي للخصم، وتدميرها مكلف. مقابل كلّ طائرة بدون طيار يتمّ إسقاطها، تنفق أوكرانيا ضعف سعرها، وهو ما يستنزف الموارد المتوافرة لديها.

وفقاً لطهران، قدّمت 22 دولة بالفعل عطاءات لشراء طائراتها بدون طيار، ومنها الجزائر وأرمينيا وصربيا وطاجيكستان. التوقّعات واعدة في سياق اقتصادي، إذ بلغت تكلفة الحروب ما يقرب من 11 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العالم في عام 2021.

تتّسم السياسة التجارية الإيرانية بالشفافيّة والغموض معاً. تنشر طهران تقارير عن إنفاقها الدفاعي السنوي، لكنّ برامجها العسكرية تعمل في سرّيّة تامّة. عندما يدّعي النظام أنّه يختبر قاذفة لإطلاق القمر الصناعي “قائم 100” (Qaem-100) في المدار، لا أحد يعرف الحقيقة إلا وكالة استخبارات واحدة أو اثنتين في العالم. لكن إذا كانت إيران تعلن ذلك، فهي بالتأكيد تعمل عليه، وهو أمر مقلق لأنّه يلمح إلى حرب فضائية محتملة.

سيناريوهان لردود الفعل

الأوّل: تصبح إيران مورّداً رئيسياً للجيش الروسي من دون عواقب دولية. وتفرض سمعة أسلحة طهران المنخفضة التكلفة والفعّالة نفسها في نهاية المطاف على هذا الجزء من السوق التنافسي الذي كان الأتراك يطمحون إليه. وتتوصّل إيران إلى اتفاق مع موسكو وبكين اللتين تشتركان في سوق مبيعات الأسلحة التقليدية. وتصبح الصناعة الإيرانية المحاور المميّز للدول الفاشلة والدول التي تكون إمّا غير معادية للكتلة المعادية للغرب أو حريصة على ألّا تكون في الحظيرة الأميركية.

الثاني: تواجه طهران ردود فعل عنيفة لتسليمها أسلحة للقوات الروسية في أوكرانيا:

– تصعّد الولايات المتحدة وإسرائيل الضغط، بعدما كانت العقوبات اقتصادية.

– في مواجهة انتشار الأسلحة الإيرانية يقوم الأميركيون والإسرائيليون بسلسلة من العمليات لتحييد وكلاء إيران. ويقصفون برامج المساعدة الإيرانية للمتمرّدين الحوثيين.

– تتضاعف ضربات الميليشيات الموالية لإيران في العراق. ويتمّ إنشاء تحالف من الجماعات المسلّحة تحت قيادة موحّدة في سوريا لمحاربة الوجود الإيراني.

– تتمّ إعاقة جميع الأشكال الظاهرة أو المؤكّدة للتوسّع الإيراني لكسر الديناميكيات الإقليمية الإيرانية. ويراهن الغرب على تدهور الوضع الداخلي لإيران وسقوط النظام على المدى الطويل.

*شبكة خدمات الاستخبارات الجيوسياسية (Geopolitical Intelligence Services) (GIS) أسّسها في عام 2011 الأمير مايكل من إمارة ليختنشتاين لتزويد قادة الأعمال وكبار المديرين وصانعي السياسات بتوقّعات جغرافية سياسية اقتصادية ومعلومات استخبارية. وتضمّ مجموعة مختارة من الخبراء ووزراء حكوميين سابقين ومستشارين وموظفين مدنيين رفيعي المستوى، ومن بينهم عسكريون واقتصاديون وعلماء كبار.

إيمان شمص

Exit mobile version