أخبار مباشرة
من طلاب الجامعة إلى من يعنيهم الأمر… “لنا 52 ولكم هذا التهديد” مستحقات PCR الجامعة اللبنانية: الـ”تنييم” الذي يسبق التسوية؟
هل هناك من ينوي كسر دوامة إبريق زيت الـ52 مليون دولار من مستحقات الجامعة اللبنانية من فحوصات الـPCR؟ كُثر يرون الأمل في ذلك يتبخّر. لكن حدثاً كسر الجمود الأسبوع الماضي، وهو قيام مجموعة طلابية (تحت اسم «الهيئة التأسيسية») بتعطيل أقفال الأبواب الرئيسية لعدد من فروع شركة طيران الشرق الأوسط (MEA) في بيروت وضواحيها. «لنا 52، ولكم هذا التهديد». هكذا حذّرت المجموعة مذيّلة توقيعها على الجدران بـ»طلاب اشتباك». فهل ينفع التهديد؟
أولى المحطات مع المعني الأول لا بل الضحية الوحيدة: الجامعة اللبنانية. ليست المرة الأولى التي نطرح الأسئلة على رئيس الجامعة، الدكتور بسام بدران. لكن لا بأس من السؤال مجدّداً. فقد أشار في حديث لـ»نداء الوطن» الى أن ثماني من شركات الخدمات الأرضية LAT وافقت، حتى الساعة، على تسديد المستحقات بالدولار الفريش. «لقد اتّفقنا على التفاصيل وقُمنا بتوحيد الأرقام في ما بيننا، وسنعمل الأسبوع المقبل على إصدار الفواتير المعدّلة، وفي حال صدقت الشركات بِوَعدها، نكون قد حصّلنا الجزء الأول من مستحقاتنا». المبلغ الذي ستُسدّده الشركات لا يتخطى الـ10% من المبلغ الإجمالي. غير أن بدران يرى في الخطوة اعترافاً ضمنياً بحقوق الجامعة آملاً في أن تحذو باقي الشركات حذوها. من ناحية أخرى، لفت إلى أن رئيس الهيئة التنفيذية المنتخبة حديثاً، الدكتور أنطوان شربل، وضع على جدول أعماله المتابعة الجدّية للإجراءات التي يجب القيام بها، لا سيّما مع الشركات الأجنبية، لتحصيل مبلغ الـ35 مليون دولار المتوجّب عليها.
لكن هناك من يطالب بالتوجه إلى القضاء الأوروبي علّه ينصف الجامعة. فما رأي بدران بذلك؟ «يجب دراسة تفاصيل الخطوة من الناحية القانونية أولاً لنرى إن كان بإمكان الجامعة التقدّم بدعوى ضدّ شركات الطيران. وثمة العديد من الاقتراحات التي نعكف على دراستها مع وزير التربية، وأتصوّر أن القرار سيُتّخذ في القريب العاجل. فالتوجه إلى القضاء داخل لبنان أو خارجه يجب أن يُبنى على أسس واضحة ومتينة».
نعود إلى التحرّك الطلابي. بدران نوّه بأن الطلاب يشعرون بالحمل الملقى على كاهل جامعتهم التي لم تشهد خلال الفصل الأول من العام الدراسي الحالي أي يوم إضراب رغم الصعوبات التي تواجهها: «يحاول طلابنا أن يخفّفوا عنا الحمل ويتحمّلوا جزءاً من المسؤولية. فالمستحقات ضرورية لاستمرارية الجامعة ولتأمين التجهيزات المطلوبة لا سيما داخل المختبرات».
لا للتسويات
للوقوف عند رأي الأساتذة المتفرّغين، تواصلت «نداء الوطن» مع الدكتور المتفرّغ في الجامعة والمتابع لملف الـPCR، شادي خوندي. فقد أكّد أن الأساتذة تعاطوا مع الموضوع باعتبارهم تحت سقف القانون ويخضعون للأحكام القضائية. لكن، للتذكير، سبق وأن أصدر المدّعي العام لدى ديوان المحاسبة، القاضي فوزي خميس، في 2022/02/08 قراراً طلب فيه من مدير عام الطيران المدني بالتكليف، المهندس فادي الحسن، «وجوب التعميم على الشركات بتحويل المبالغ المقبوضة بالدولار الأميركي الفريش لحساب وزارة الصحة والجامعة اللبنانية كي لا تثرى هذه الشركات على حسابهما إثراءً غير مشروع». كذلك ورد في التقرير الصادر عن الغرفة الرابعة من ديوان المحاسبة أنه يجب «العمل على استعادة الأموال التي استوفتها شركات الطيران والتي ما زالت بذمّتها لصالح الدولة اللبنانية وذلك عبر الوسائل القانونية المتاحة». وهنا بالذات يتساءل خوندي عن أسباب «تنييم» الملف غير المبرّرة في النيابة العامة المالية رغم المستند القانوني الصادر عن ديوان المحاسبة. فهل المقصود اللعب على الوقت للتوصّل إلى تسوية ما على حساب الجامعة، والذي، على ما يبدو، بدأت تتبلور ذيوله مؤخّراً؟
خوندي يستغرب ما حصل منذ أسبوعين تقريباً خلال اجتماع رابطة الأساتذة المتفرّغين، حين تقدّم رئيس مجلس المندوبين في الرابطة، الدكتور علي رحال، من مجلس المندوبين في رابطة الأساتذة، بطلب توصية من أجل إجراء تسوية في ما خص موضوع المستحقات. ويضيف: «إنه أمر خطير فعلاً، فلِمَ التسويات والقانون قد أعطانا حقّنا؟ ما قام به الدكتور رحال مُستهجَن ومُستنكَر ومُدان، ولن نتنازل عن حقّ مَنَحَنا إياه القضاء تحت طائلة الإثراء غير المشروع. نحن، خلافاً لمؤسسات القطاع العام، لا نطلب مساعدة من الدولة إنما استرجاع حقوقنا المهدورة».
تهنئة الطلاب على تحرّكهم العفوي والمفاجئ لم تفت خوندي، معتبراً أنه حين تخلّى أساتذة الجامعة عن دورهم لأسباب عديدة أبرزها انتماءاتهم السياسية، أتى تَحرّك الطلاب: «لا نريد خسارة المزيد من الأساتذة، كما علينا النضال من أجل الحفاظ على السمعة الأكاديمية والمهنية للجامعة. ما زال المستوى ممتازاً رغم كافة الصعاب باحتلالنا المرتبة الأولى في السمعة المهنية في لبنان، والمرتبة الثالثة بين جامعات الدول العربية. ولسنا مستعدّين لخسارة ما لا يعوَّض».
الوقت لا يرحم
على ضوء الانتقادات الرافضة لموقفه، نصغي لرئيس مجلس المندوبين، الدكتور علي رحال. ففي اتصال مع «نداء الوطن»، شدّد على أن الجامعة أدّت المطلوب منها بشكل كامل من خلال فريق عمل يتألف من أساتذة وطلاب موفّرة مختبراتها لتحليل نتائج الفحوصات. لكن النتيجة لم «تُقرَّش» إلّا بتحصيل قرابة 3 ملايين دولار من أصل 52 مليوناً. الاستمرار بالمطالبة بهذه الحقوق، من خلال رئيس الجامعة، والسعي للحصول على المبلغ المتبقي لأن جزءاً كبيراً منه سيكون لصالح الأساتذة، بحسب رحال. جيّد. لكن للتذكير أيضاً، حوالى 30% من المبلغ المتبقي تتحمله شركة طيران الشرق الأوسط، والباقي في ذمة الشركات الأجنبية الخاصة. فلِمَ الذهاب إلى تسوية إذاً؟ «خلال متابعتنا، تبيّن لنا أن الشركات كافة مستعدّة للتوجه إلى القضاء، ما يعني أن بِيَدها أدلّة أو حججاً قوية، وهذا لا يدعو إلى الاطمئنان. وإذ لم يُسمح لي بالاطلاع على تفاصيل العقد، من واجبي كأي رجل حقوق أو مستشار قانوني محاولة معالجة الموضوع حبّياً من خلال التفاوض أو اقتراح تسوية قبل اللجوء إلى القضاء، خاصة أن وضع الأخير حالياً لا يخفى على أحد»، كما يجيب.
أين الحكومة اللبنانية من كل ذلك؟ يقول رحال إن رئيس الحكومة المستقيلة، نجيب ميقاتي، دعا الجامعة للتوجه إلى القضاء، رغم أن الدولة كانت راعية للمسألة حين توقيع العقد وهي من طلب من الجامعة استخدام مختبراتها، ما يحتّم عليها تحمّل مسؤولياتها هي الأخرى. «لنفترض أننا توجهنا إلى القضاء، هل ستحصل الجامعة على مستحقاتها قبل خمس أو ست سنوات مثلاً؟ وهل يمكنها تحمّل هكذا فترة طويلة؟ جلّ ما قمت باقتراحه هو إمكانية اللجوء إلى مفاوضات بما أنه لا يمكن المراوحة وعدم تحقيق تقدّم. فأين المشكلة إذا كانت التسوية لمصلحة الجامعة اللبنانية؟».
هي تساؤلات كثيرة. لكن الحاجة الماسة لتأمين مداخيل إضافية لا تتيح ترف انتظار الإجابات. وضع الأساتذة يتحوّل من سيّئ إلى أسوأ، والمساهم الأكبر – أي الدولة اللبنانية – في حالة إفلاس تام ولا يُعوَّل عليها. أما عن التوجه إلى القضاء الأوروبي، فاعتبر رحال أن العقد وُقّع ونُفّذ داخل لبنان لذا يُفترض التوجه، أولاً وقانوناً، إلى القضاء اللبناني. مكتب المحاماة الذي ينتمي إليه رحال هو أحد وكلاء شركة طيران الشرق الأوسط. لكنه يصرّ على أن الأخيرة حريصة على الجامعة ولن تقصّر تجاهها: «على الصعيد الشخصي، حين أرى إمكانية لإيجاد الحلول، سأكون حاضراً للمساعدة ولن أتوانى للحظة عن العمل لصالح الجامعة. هذا واجب ومسؤولية أحملها على عاتقي وأتمنّى إيجاد المخارج المناسبة لمصلحة الجامعة أولاً».
تفادياً للأسوأ
نختم كما بدأنا بالتحرّك الطلابي الذي ضجّت به وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي. حاولنا التواصل مع بعض الطلاب المشاركين دون جدوى. نتفهّم من منطلق الحرص على سلامتهم وأمنهم كونهم ملاحقين من الأجهزة الأمنية. ونكمل لنسأل الدكتور المحامي جاد طعمه، رئيس اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، كونه من متابعي الملف. فكيف وصف التحرّك؟ «لقد زادت مسؤولية أصحاب الشأن كما القضاء اليوم أكثر من أي وقت مضى. نحن لا نريد أن نرى طلاباً ملاحقين من قِبَل الأجهزة المختصة لأنهم استشعروا الخطر المحدق بالجامعة اللبنانية التي تُعتبر بيتهم وملاذهم والتي لا بديل عنها لإكمال تحصيلهم العلمي. ونعرف تمام المعرفة أن هذه الجامعة بالذات تتوجّه إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من المجتمع اللبناني».
أصابع الاتهام تتطاير باتجاه من يريد قتل طموح شباب لبنان بالتعلّم ملقياً بهم في مستقبل مجهول بلا شهادات جامعية. ما حصل، بالنسبة لطعمه، ليس سوى إنذار مبكر حول حاجة ماسة لالتفاتة مجتمعية إلى هذه القضية وإيصال حقوق الجامعة إلى برّ الأمان. الأساتذة مستمرون بتأدية مهامهم الأكاديمية والطلاب يأملون. لكن متى ينفد الصبر والقدرة على الصمود؟ «لا بد من إيجاد حل سريع ومن توافُر يقظة وصحوة ضمير لدى كافة المعنيين بهذا الملف. وعلى من استلم مبالغ على سبيل الأمانة وأبقاها في حوزته أن يعيدها دون الدخول في لعبة فرض المساومات والتسويات مع صاحب الحق».