أخبار مباشرة

عشر ساعات في رحاب دولة “الحزب”: نحن هنا – إستعراض بالذخيرة الحيّة… ماذا عن الرسائل؟

Published

on

بعد غدّ يحلّ 25 أيار، وقبل البارحة كان 21 أيار، وبين التاريخين كثر الكلام والتحليلات حول “الآتي” و”الرسالة” و”المبتغى” من مناورة عسكرية، بالذخيرة الحيّة، نفّذها “حزب الله” في بلدة عرمتى الجنوبية. إنها المرة الأولى في تاريخ الحزب الأصفر التي تشهد حدثاً كهذا، بهذا الحجم. أهي مناورة سياسية؟ مدة المناورة العسكرية كانت ساعة، ساعة واحدة كاملة فقط لا غير، لكن ما سبقها وما تلاها في رحلة الساعات العشر مع «حزب الله» تستحقّ أن تسرد. عشر ساعات نسينا فيها دولة لبنان، وواجباتها وحقوقنا، وأصبحنا في دولة (لا دويلة) “حزب الله”. هناك من صفقوا لها كثيراً. وهناك من نظروا كثيراً في التفاصيل وعادوا بسؤال واحد كبير: وماذا بعد؟

25 يوماً من التحضيرات. أكثر من 500 صحافي وصحافية من لبنان والعالم سجلوا أسماءهم للمشاركة في تغطية المناورة. أحد عشر باصاً إنتظرت صبيحة يوم الأحد المشاركين- الركاب في موقف سيارات كافيه 77 على طريق المطار شارع الحاج قاسم سليماني. كل شيء في التفاصيل يجعلنا نشعر، غصباً عنا، أننا انتقلنا من لبنان الى مكان آخر ما عاد يشبه لبنان. صحافيون وزوار. وجوه نعرفها ووجوه رأيناها لأول مرة. فيصل عبد الساتر موجود منذ الصباح الباكر بربطة عنق صفراء. عند المدخل قلنا لهم الإسم: نوال نصر. فأجِبنا: أركني سيارتك واصعدي الى الباص رقم أربعة. جواب سريع من دون النظر في قوائم الأسماء. الحزب مستعدّ تماماً الى يومه الكبير.

يتسع الباص لـ 24 شخصاً. الفطور كرواسان على جبنة وعلى شوكولا من محلات ياسمينا مع علبة ماكاو وقنينة مياه. والإنطلاقة في موعدها: الثامنة والنصف تماماً. وانطلقنا. في البداية تعليمات إرشادية من قبطان الباص: سنصل الى عرمتى عند الساعة العاشرة والنصف. تنزلون خمس دقائق في البداية في مكان قريب من مجمع الإمام الخميني، تغسلون فيه وجوهكم وتدخلون الحمام. خمس دقائق فقط، لأن المعسكر سيغلق أبوابه عند العاشرة والنصف. وستجلسون في أماكنكم، من دون حراك، لأن هناك “ناراً” كي لا تتعرضوا الى أذى. ستكون هناك مفاجآت فاستعدوا لها. كلمة مفاجآت في حد ذاتها محببة لدى الصحافي. نتذكر كلمة السيد حسن نصرالله: في أي حرب مقبلة نحن نعد العدو بمفاجأة كبيرة. ونتذكر أن البشر يتكهربون بسهولة عن طريق المفاجأة، الخشخشة، وفرقعة الدم. نتابع المسار. ولزوم رحلة كهذه ليست أغنيات فيروز بل أغنيات من نوع: يا قدس نحن قادمون. وقصير قصير قصير… قلبي ملهوف خلي العالم يشوف الموت ناداني. تعليمات جديدة: ستكون كلمة لمسؤول كبير في “حزب الله”. ومن يلتقط صوراً بغير الأمكنة المسموحة ستصادر كاميرته ولن يستردها إلا بعد يومين في المركز الإعلامي في بيروت. الباصات مرقمة واسم: اللقاء الوطني الإعلامي- صوت المقاومة وصداها، مكتوب على جميع الباصات. وأهداف هذا اللقاء الظاهرة: حق لبنان في ثرواته وحق أبنائه في الدفاع عن أرضه بكل الوسائل في مواجهة أي اعتداء لا سيما من الكيان الصهيوني والوقوف الى جانب القضية الفلسطينية وحق العودة.

ممنوع الصيد

وصلنا الى صيدا. الباصات والسيارات المرافقة التي تضم مسؤولين في حزب الله يضيئون الـ”فلاشر”. نمر من أمام عناصر الجيش على الحاجز بلا سؤال. إنهم يعرفون. ويكرج الموكب على صدى أغنيات المقاومة. في صيدا لا تزال صور الشهيد رفيق الحريري ترتفع مذيلة بعبارة: لا ما نسينا. وما إن نقطع الغازية حتى تبدأ أعلام حزب الله ترفرف بغزارة وبينها بعض أعلام لبنانية. أراد “حزب الله” أن يرسل هنا ايضاً رسالة: كل لبنان معنا. نتمهل عند الزهراني. نتابع نحو النبطيه. صور مصطفى بدر الدين تتزايد. صور قاسم سليماني تكثر. قرب قصر الرئيس نبيه بري في المصيلح أطلقت الباصات زماميرها الموحدة. نحن قادمون. عبارة تتصدر العبارات. كفررمان ترحب بنا. والعبارات مذيلة بشعبة كفررمان. نقطع بلدة الجرمق. نتفرج على الخردلي. سيارات شبابها بنظارات سوداء يتابعون الموكب. نصل الى جرجوع صعوداً صعودا نحو معسكر “حزب الله”. في بلدة عرمتى تعليمات واضحة: الصيد ممنوع. لا صيد عصافير اما السلاح فيبدأ في الظهور. ننزل من الباصات وصدى صوت فيصل عبد الساتر يرتفع: لحظة لحظة ندخل معاً في موكب مشياً على الأقدام. إسم المعسكر: بقية الله. وعند مدخله على الجانبين صور آية الله الخميني وعبارتان: إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها. و”حزب الله” الأمة الساطعة. هناك، في المكان، حشرنا طوال ربع ساعة، لا، لا أكثر. الحاج محمد عفيف، مسؤول العلاقات العامة في “حزب الله”، وقف على منصة وقال: أغلقوا جميع الكاميرات. التصوير ممنوع. وتسجيل ما سأقوله ممنوع. هذا المعسكر كان تحت الإحتلال الإسرائيلي وكل حبة تراب فيه تختلط بدم شهيد. هذا معسكر لـ”حزب الله” وليس نشاطاً مدنياً، فاحسنوا التصرف. عناصر الحزب كثر وقد غطّوا وجوههم بأقنعة. ننظر الى التلال. إنهم يتوزعون في كل مكان. هنا “كسارة العروش”. هنا هزم المحتل وتحولت أحلامه الى أوهام. هنا الأرض الطاهرة الزكية. هنا هزمنا فوج العشرين. وأنتم تدخلون بسلام آمنين.

رندلى جبور، الحاجة رندلى، محشورة أيضا في المكان. وبنات الحزب يلقون عليها التحية تحبباً. سألتها واحدة: ترتدين حذاء أحمر لا أصفر لماذا؟ أجابت: الأصفر ليس للحذاء بل للقلب. ونحنا وأنتم واحد. ثمة كاميرا تصوّر. صرخ عناصر من “حزب الله” ولقطوا من تجرأ ليأخذ صوراً. العرق يتصبب. وإحداهن ترتدي الوشاح الفلسطيني رحبت برجال اتوا بالزي التقليدي اليمني متمنطقين بالخناجر. سألتهم عن اليمن وتحدثوا عن لبنان المقاوم. وقالوا لبعضهم: هانت، بلادنا ستحقق الإنتصار من لبنان. العرب يحبون الإستعراض.

الغالبون

فتح المعسكر ودخل الموكب مشياً. وانطلق العزف. كل عناصر الحزب ملثمون. المجاهد هشام صفي الدين مذيل اسمه تحت صورة كبيرة. صلوا على محمد وآل محمد. هتف الزوار، بعض الزوار: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم باسم الله الرحمن الرحيم. وأصبحنا في عقر المعسكر. أصوات تصدح: إذا جاء وعده وكان وعداً مفعولاً… فإن حزب الله فهم الغالبون. المستعرضون بآلياتهم على الجانبين. والتصوير مسموح. والعناصر بأقنعتهم واقفون. التراب يملأ الأجواء، مع نسمات الهواء، والموسيقى الحربية ترتفع. إنها مؤثرات صوتية لزوم الحدث. نجلس في أمكنتنا. المنصة ما عادت تتسع. كراسٍ جديدة وزعت. والمسيّرات تطير فوق الرؤوس كما الحمام الزاجل محملة بألف رسالة ورسالة.

الزيّ العسكري في كل مكان. نتذكر العميد اللبناني المتقاعد جورج نادر الذي أحيل إلى المحكمة العسكرية لانه ارتدى البزة العسكرية الشرعية. يا الله. “حزب الله” يحقّ له ما لا يحق لأولاد الدولة. ننظر في عيون العناصر. طيبون على الأرجح لكن العقيدة نالت منهم. ولاؤهم لحزب الله. أوامرهم من حزب الله. ورجاؤهم زينب. العقيدة تحتاج أحيانا الى هدم العقل. هم، بغالبيتهم، لبنانيون لكنهم أدخلوا في صراعات كبيرة. فصار الوطن أصغر منهم.

وبدأ الإستعراض. العيون شاخصة والمؤثرات تشتدّ. رأيناهم يشعلون النيران إيذانا باستعراض النار. رأينا فرقاً تتوالى. ورأينا في الساحات أعلاماً إسرائيلية ونقاطاً عليها نجمة داوود. إنها الهدف الإستعراضي. و… وفجأة صدح تفجير كبير صمّ الآذان. إنطلق الحفل بالنار. وكثرت المسيرات في السماء التي قامت بإرسال إشارات التفجير. إستعراض القدرة البدنية حصل. إنهم مغاوير “حزب الله”. ملثمون يدكون القرميد والفخار والعصي في لحظات. الى القدس ذاهبون. صوت يردد ذلك. لبيك يا زينب. أصوات تتردد. المجموعة الأولى من الثورة: الله محمد علي. أطلقوا الرصاص. صوت هدر. وانطلق الرصاص من كل مكان فوق الرؤوس. العناصر يحملون الخناجر. والراجمات من كل حدب وصوب. والرشاشات السوفياتية والإيرانية الصنع بين الأيادي. إستعد. الله محمد علي. وطار وابل جديد من الرصاص. والعناصر يركضون من كل الإتجاهات والى كل الإتجاهات وهم يصرخون: لبيك يا زينب. عرض القناصة جرى. والرمايات نحو نجمات داوود المزروعة. قسماً قادمون. والعدّ التنازلي لكيانكم إقترب. إطلاق الرمانات زاد. والعناصر يؤدون الدور على أكمل وجه. نسينا اللحظة ورحنا نفكر بهم. بلبنان. بحال اللبنانيين الذين يموتون في اليوم القصير عشرات المرات. وأعادنا صوت انفجار قوي الى المكان.

سيلفي (فضل عيتاني)

إلى القدس

عملية أسر آلية عسكرية تجرى. ثمة أولاد لاحت وجوههم من تحت الأقنعة. هنا مستقبلهم. هذا مستقبلهم. وصوت يهدر: نعم أيها الصهاينة سنأتيكم من حيث تحسبون ومن حيث لا تحسبون. من فوق الأرض ومن تحت الأرض. من السماء ومن اعماق البحار. سنسرق النوم من عيونكم. أحد صحافيي المقاومة ممن كان يصفق كثيراً رأيناه يفرك عينيه لقلة النوم. نعم، أيها العماد (عماد مغنيه) سيصل رجالك الى القدس. فهم أوهن من خيوط العنكبوت. الفرق تتقدم. التفجيرات تتوالى. وصلنا الى تفجير المستعمرة الإسرائيلية. المسيرات تضرب أهدافا محددة. أعلام حزب الله ارتفعت عليها. ربح الحزب وهُزمت إسرائيل. التصفيق يعلو. صورة عماد مغنية حضرت، أنزلت، في المكان.

فهل سمعت إسرائيل صوت الإنفجارات؟ عرمتى تبعد عن بيروت 85 كيلومتراً وعن صيدا 43 كيلومتراً وعن جزين 13 كيلومتراً وتعلو عن سطح البحر 50 متراً. إنها في قضاء جزين. وتبعد عن إسرائيل 20 كيلومتراً. صوتٌ هدر في المعسكر: يا بني صهيون سنجعله ركاماً فوق رؤوسكم وسندق حصونكم أيها الكيان الموقت. فهل سمعت إسرائيل الصوت؟ هل كانت الرسالة لها أم لكل الآخرين أيضا؟

الدولة اللبنانية غابت، إلا ببعض أعلام للزينة وبمسيّرة تحمل العلم اللبناني بين عشرات حلقت فوق الرؤوس. العناصر مدربة. لكن، لا تشبه لبنان. ننظر من جديد الى ما تحت القناع، الى عيون هؤلاء، ونحن نسمع من يقول لهم بأعلى صوت: كونوا مستعدين الى يوم قد يطلب منكم السيطرة على الجليل. ونسمعهم يجيبون: نصرالله ملهمنا وفينا قوّة الرضوان. لبيك يا زينب. أمرنا أمر القيادة. لبيك نصرالله. إننا على العهد نصرالله. مولانا يا عباس.

الهواء يشتدّ. حبات التراب تتطاير. العناصر أتمّت ما عليها في مناورة تكررت التدرّب عليها عشرات المرات قبل إعلانها. أحد الصحافيين حلّل: التدريب ممتاز على المناورة لأن الرصاصات التي تطلق قد ترتدّ على الموجودين. يحتاج إطلاقها الى تدرّب. نسأله عن هويته فيقول: أنتمي الى وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء- إيرنا. أنا إيراني. نسأله عن نوع السلاح: إيراني؟ فيجيب: سوفياتي مصنوع في إيران ويبتسم. هو يتحدث وهشام صفي الدين يقول كلمته. الصحافيون منهمكون بالتقاط السيلفي وقلة إنتبهت الى فحوى ما يقول الى أن وصل الى اللبّ: “وتسألون ما هي الرسالة اليوم؟ نقول للعدو الصهيوني إن المقاومة التي صنعت الإنتصارات لم تتعب… ونقول لنتنياهو لقد تابعنا فشلكم وعجزكم عن إحداث معادلات جديدة في المنطقة. نقول لكم سنكون جاهزين لنمطركم بما لا قدرة لكم على تحمله وستشهدون أياماً سوداء ليس لها مثيل”.

كم يشبه صفي الدين السيد حسن. نتذكر هنا التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت. نتذكر مئات الأهالي الملتاعين الذين لم ولن يبرد دمهم. نتذكر فائض القوة التي ترجمها هذا المتكلم ذات يوم في قلب قصر العدل في بيروت. فهل ما نشهده اليوم يراد أن يكون إنعكاساً لقوة فائضة مقبلة مراد تظهيرها؟

الشباب والصبايا الذين أعدوا الحدث وتابعوه في المكتب الإعلامي لحزب الله لطفاء جداً. تابعوا أدق التفاصيل. ثمة أمور تجمع اللبنانيين وثمة أمور تفرقهم. “حزب الله ” أول البارحة كان لديه ما يُفرّق وأوله أن لبنان دويلة لا دولة. هو ما زال يأخذها يميناً ويساراً ومن لا يُصدّق فليشاهد بالعين المجردة.

ماذا عن مستقبل هؤلاء؟

إنتهت المناورة. النهار ما زال طويلاً. إنتقل الصحافيون الى الحسينية القريبة. صلى من أراد. وجلس كثيرون بالقرب من مجمع الخميني. تعطل باص. إنتقل ركابه الى باص آخر. موعد الغداء تأخر. نحو الساعة الثالثة إنتقل الصحافيون والضيوف الى مغارة الريحان لتناول الغداء مع المجاهدين. منطقة الريحان الواقعة في جزين مليئة بمعسكرات “حزب الله”. ثمة مسلحون من “الحزب” في كل مكان على الطرقات ينظمون حركة المرور. فهل هذا مسموح؟ أين اليونيفيل؟ أين الدولة ومن فيها؟ نبتسم في قرارة انفسنا لطرحنا أسئلة ليست في محلها. فـ”حزب الله ” أكد أول البارحة أنه ما عاد دويلة بل هو الدولة. والبقية تفاصيل.

…وقُضي على العدو

عدنا. وفي الطريق حصلت أحاديث كثيرة بينها مايوه صيدا. ثلاثة شبان- يفترض أنهم صحافيون- ناقشوا الأمر وتوصلوا الى نتيجة: صيدا ملتزمة وحقها تمنع المايوه ومن يسمح منا بعكس ذلك هو قوّاد.

ألم نقل منذ البداية أن لبنان ما عاد يشبه لبنان!

 

 

نداء الوطن – نوال نصر

Exit mobile version