لبنان

5 – حركة «أمل» – نبيه بري

عرف لبنان في مرحلة ما بعد الطائف، منذ بداية التسعينيات وحتى اليوم، 4 رؤساء للجمهورية و6 رؤساء للحكومة، ولم يعرف إلا رئيسا واحدا للمجلس النيابي. يكفي أن يستمر نبيه بري رئيسا لمجلس النواب لـ 30 سنة متواصلة ومن دون انقطاع ليحقق إنجازا غير مسبوق، ويسجل رقما قياسيا لا يجاريه فيه أحد في العالم، وليثبت أنه…

Published

on

عرف لبنان في مرحلة ما بعد الطائف، منذ بداية التسعينيات وحتى اليوم، 4 رؤساء للجمهورية و6 رؤساء للحكومة، ولم يعرف إلا رئيسا واحدا للمجلس النيابي. يكفي أن يستمر نبيه بري رئيسا لمجلس النواب لـ 30 سنة متواصلة ومن دون انقطاع ليحقق إنجازا غير مسبوق، ويسجل رقما قياسيا لا يجاريه فيه أحد في العالم، وليثبت أنه الثابت وسط كل المتغيرات والصامد في كل الظروف والمتمتع بدهاء وحنكة وقدرة التكيف والاستمرار، ما جعله محورا أساسيا في اللعبة السياسية ومركز استقطاب وجذب، ورمزا كبيرا من رموز نظام الطائف وعنصرا أساسيا في العناصر المكونة لـ «الدولة العميقة» في لبنان. لطالما اعتبر نبيه بري واحدا من أبرز وأهم حلفاء سورية في لبنان، ولكن وضعه لم يتأثر ولم يتغير بعد الخروج السوري عام ٢٠٠٥، لا في الموقع السياسي والزعامة الشيعية، ولا في موقعه الرسمي والرئاسة الثانية. ومن الواضح أن عصره الذهبي في العلاقة مع سورية كان أيام الرئيس حافظ الأسد، وأن تبدلا طرأ مع الرئيس بشار الأسد الذي له ملاحظات على الرئيس بري، بدءا من عدم وقوفه كما يجب الى جانب دمشق وحليفها الرئيس إميل لحود عام ٢٠٠٥ وصولا الى ابتعاده عن دمشق منذ انفجار الحرب داخلها عام ٢٠١١. فلم يزرها مرة ولم يرسل رجاله إليها للقتال كما فعل حزب الله. قوي دور الرئيس بري بعد الخروج السوري بدلا من أن يضعف. هو من أطلق وترأس الحوار الوطني وترأس جلساته الأولى في مجلس النواب عام ٢٠٠٦، وهو من كان له الباع الطويل في هندسة اتفاق الدوحة المتفرع عن الطائف، والمتسبب في إحداث أول تغيير في مسيرته التطبيقية. ورغم أنه واحد من أركان فريق ٨ آذار كحليف أول لحزب نبيه بري وعرف كيف يحافظ على علاقة جيدة مع فريق ١٤ آذار وكيف يؤثر فيه أيضا عبر علاقته التحالفية مع وليد جنبلاط، ولاحقا عبر علاقته المميزة مع سعد الحريري، ليصبح جسر تواصل بين «المستقبل» وحزب الله ويرعى حوارا بينهما في مقره في عين التينة إبان احتدام الحرب السورية والصراع السني ـ الشيعي في المنطقة. في الواقع كان هذا الحوار السني ـ الشيعي الوحيد في زمن الفتنة وحقبة ما سمي «الربيع العربي»، وكان الرئيس بري يلعب دورا مهما في تحييد لبنان عن الحريق السوري ومنع انتقال الفتنة الى أرضه، وتحديدا الفتنة السنية ـ الشيعية. لم يعرف وضع الرئيس بري تبدلا وبداية تراجع إلا ابتداء من العام ٢٠١٦ سنة التسوية الرئاسة التي أوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا وأعادت الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، والتي خلطت الأوراق والأولويات السياسية وأرست معادلة جديدة في الحكم. لم يكن بري من محبذي انتخاب عون رئيسا، لا بل كان يقود جبهة المعارضين لانتخابه، وجاهر بخياره الرئاسي: سليمان فرنجية. ومع ذلك جارى بري حزب الله في لعبة تعطيل جلسات الانتخاب وفي إطالة أمد الفراغ الرئاسي، الى حين توافرت فرصة انتخاب عون وبأكثرية موصوفة لم يكن بري جزءا منها، والمفارقة هنا أن بري الذي لم يصوت مع كتلته للرئيس عون، صار شريكا أساسيا في التسوية وركنا ثابتا من أركان العهد الجديد كما في كل عهد. وهذا يعود بشكل أساسي الى حزب الله الذي حرص على بري أشد الحرص وأولى العلاقة معه عناية خاصة وكرس بقاءه في رئاسة المجلس مدى الحياة. فقد أدرك حزب الله أهمية نبيه بري في إدارة اللعبة الداخلية، وهو المتمرس بتفاصيلها وقواعدها، وأهميته في حفظ وحدة واستقرار الطائفة الشيعية. وأصبح حزب الله بحاجة أكبر الى بري بعد ذهابه للقتال في سورية، وحاجته الى أن يحمي ظهره في لبنان من خلال جبهة داخلية مستقرة سياسيا وأمنيا وبيئة شيعية حاضنة ومتماسكة. أدرك بري أن وضعا جديدا قد نشأ في الحكم وعليه أن يتكيف معه، بدءا من فتح صفحة جديدة مع الرئيس عون وبناء علاقة جديدة وجيدة معه. وأدرك أنه من الصعب عليه أن يحتفظ بوضعه السابق وما كان لديه من تأثير ونفوذ طاغ وقدرة تحكم في السياسات والقرارات في ظل معادلة جديدة تتمحور حول 6 كبار: عون ونصرالله والحريري وبري وجعجع وجنبلاط، مع وضع متقدم لبري لأن علاقة بري مع نصرالله ظلت ثابتة وتكاملية، فيما علاقة جنبلاط مع الحريري وعلاقة جعجع مع عون أصابها الاهتزاز والتفكك. الضغط السياسي ظهر على بري في مناسبتين على الأقل: عند وضع قانون الانتخاب الجديد الذي لم يكن القانون الذي يريده والمتناسب مع مصالحه وطموحه، وعند تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات وحصر تركيزه فيها على الاحتفاظ بوزارة المال التي حولها الى وزارة «سيادية سياسية»، ومعها صار شريكا في السلطة التنفيذية ومتمتعا بحق الفيتو مع تكريس التوقيع الرابع الملزم الى جانب تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص. ولكن بري لا يهدأ ولا يستكين ولا يستسلم لواقع محبط. في الأزمة الاقتصادية له دور وتدخل من نافذة الموازنة ووزارة المال. في المعادلة اللبنانية ذات البعد الإقليمي له الدور الأساسي في ملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية ويبقى المفضل عند الوسيط الأميركي، في المعادلة الداخلية أخذ المبادرة الى إعادة فتح ملف قانون الانتخاب لتعديل القانون الحالي الذي جرت انتخابات ٢٠١٨ على أساسه. وهذا التعديل الذي يطرحه بري من باب تطوير قانون الانتخاب النسبي ونقله الى مستوى الدائرة الواحدة على مستوى كل لبنان، يرى فيه المسيحيون نسفا وتطييرا للقانون الحالي والنتيجة الأساسية التي ترتبت عليه، وهي تصحيح التمثيل الشعبي والتوازن الوطني ببعديه السياسي والطائفي. جهد كثيرون في معرفة السبب الحقيقي الذي دفع بري الى فتح ورشة قانون انتخابات جديد والمباشرة بعملية تسويق له متجاوزا الظروف الداخلية غير المؤاتية. السبب الذي أعطاه بري للتحرك الباكر قبل أن تداهمه الانتخابات النيابية المقبلة، لا يبدو مقنعا بالنسبة لكثيرين، بعضهم رأى أن بري وفي إطار توجه شيعي طامح الى تطوير النظام الانتخابي على قاعدة النسبية ارتأى التحرك الآن قبل أن تداهمه التطورات والمتغيرات الإقليمية التي تجعل أن ما يمكن أخذه وتحصيله اليوم سيصعب أخذه وتحصيله في المستقبل، والبعض الآخر رأى أن بري ينطلق أولا من حسابات خاصة تتصل بوضعه وزعامته وحركته (أمل)، بعد الانتخابات الأخيرة بسبب القانون الجديد، والتي أظهرت تراجعا لـ «أمل» وهو يريد أن يبقى السياسي الذي لا يعرف الخسارة.

Exit mobile version