لبنان
4 محطات سياسية لا تُنسى في حياة صفير
بيروت – د.ناصر زيدان كانت حياة الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير التي قاربت 100 عام، غنية بالمواقف المهمة، لاسيما خلال ترؤسه لبطريركية انطاكيا وسائر المشرق للموارنة الكاثوليك، من العام 1986 الى العام 2012 حيث تقدم باستقالته بسبب تقدمه في السن. البطريرك صفير كان مرجعا دينيا كبيرا، وكان سياسيا وطنيا بامتياز. تعامل مع الأحداث السياسية…
بيروت – د.ناصر زيدان كانت حياة الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير التي قاربت 100 عام، غنية بالمواقف المهمة، لاسيما خلال ترؤسه لبطريركية انطاكيا وسائر المشرق للموارنة الكاثوليك، من العام 1986 الى العام 2012 حيث تقدم باستقالته بسبب تقدمه في السن. البطريرك صفير كان مرجعا دينيا كبيرا، وكان سياسيا وطنيا بامتياز. تعامل مع الأحداث السياسية والأمنية خلال حقبة توليه سدة المسؤولية، كما لو أنه أحد المرجعيات التي تدير الشأن الوطني. ومن أبرز مواقفه، 4 محطات لا يمكن أن تنسى لأنها جنبت البلاد الانقسام والتوتر، وساهمت في إنهاء الحرب الأهلية وذيولها السوداء. أولى هذه المحطات، تأييده للاجتماع الذي حصل بين من كان على قيد الحياة من النواب اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية في 30/9/1989، وشكل موقفه غطاء ضروريا للنواب المسيحيين الذي شاركوا في المؤتمر، لأن قوى مسيحية مؤثرة كانت تعارض هذا الاجتماع الذي أنهى الحرب الأهلية، ومنهم العماد ميشال عون رئيس الحكومة الانتقالية التي استقال منها الوزراء المسلمون في حينها. وقد تعرض صفير لمضايقات كبيرة جراء هذا الموقف. أما المحطة الثانية التي لا تقل أهمية، فكانت رفض صفير لزحف الحشود الشعبية التي فاق عددها مليونا ونصف المليون لبناني الى قصر بعبدا للمطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية أميل لحود بالقوة، وكانت هذه الحشود غاضبة ولديها كامل الاستعداد للذهاب الى بعبدا سيرا على الاقدام. هذه الجماهير التي تجمعت في ساحات وسط بيروت في 14 مارس 2005، كانت تطالب بإجراء تحقيق دولي بجريمة اغتيال رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، وبانسحاب القوات العسكرية السورية التي كانت تقبض على مفاصل الأمن في لبنان، وباستقالة الرئيس لحود الذي فرض السوريون تعديل الدستور والتمديد له لثلاث سنوات تبدأ في 3/9/2004. وكان البطريرك صفير بمنزلة الأب الروحي لحركة 14 مارس ووكان مؤيدا لها. والمحطة الأساسية الثالثة التي كان لها أثر كبير، وقد تكون جنبت البلاد انقساما واسعا، هو معارضة صفير لانتخاب رئيس الجمهورية في جلسة لأعضاء مجلس النواب تحضرها الأكثرية المطلقة (أو النصف + 1) بعد شغور مركز الرئاسة في 23/11/2007، وبعد أن تعذر حضور ثلثي الأعضاء للجلسة، بسبب مقاطعة نواب قوى 8 مارس الذين يعارضون وصول رئيس من قوى 14 مارس، وهؤلاء كانوا يشكلون أكثرية مطلقة، ولكن أقل من ثلثي أعضاء المجلس. والدستور غير واضح في هذه المسألة، لأن المادة 49 منه تنص على انتخاب الرئيس بأغلبية ثلثي الأعضاء في الجلسة الأولى، وبالأغلبية المطلقة في الجلسات التي تلي، من دون أن يذكر شيء عن نصاب الجلسة، لكن البطريرك صفير، استشرف خطرا كبيرا جراء انتخاب رئيس بهذه الغالبية، وبمقاطعة القوى الشيعية الرئيسية، خوفا من التأثير السلبي على الوحدة الوطنية في المستقبل. والمحطة الرابعة في حياة صفير والتي كان لها وقع كبير في لبنان، هي المصالحة التي حصلت في المختارة مع النائب وليد جنبلاط في 3 أغسطس 2001 وحضرها حشد كبير من أبناء الجبل من مختلف الطوائف. وهذه المصالحة أنهت رسميا ذيول الحروب التي حصلت بين المسيحيين والدروز في الجبل عبر التاريخ، خصوصا منها حرب الجبل التي حصلت بعيد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وقد كان لهذه المصالحة تأثير على مجمل الوضع في لبنان، وأسست فعليا لانتفاضة الاستقلال في العام 2005. البطريرك صفير كان يتمتع بفرادة شخصية واضحة، ومواقفه الوطنية في المحطات الصعبة لا تنسى.