لبنان
حوار وطني في طرابلس في اليوم العالمي لضحايا العنف المبني على المعتقد وكلمات شددت على تطوير الدولة المدنية ونشر الثقافة والتوعية
وطنية – نظم معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس، حوارا وطنيا بمناسبة اليوم العالمي لضحايا العنف المبني على المعتقد أو الدين، برعاية نقيب المحامين في طرابلس والشمال محمد المراد، تحدث فيه كل من النائب البطريركي العام المطران جوزاف نفاع، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، النائب السابق غسان مخيبر، ممثل النقيب المراد…
وطنية – نظم معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس، حوارا وطنيا بمناسبة اليوم العالمي لضحايا العنف المبني على المعتقد أو الدين، برعاية نقيب المحامين في طرابلس والشمال محمد المراد، تحدث فيه كل من النائب البطريركي العام المطران جوزاف نفاع، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، النائب السابق غسان مخيبر، ممثل النقيب المراد الأستاذ شوقي ساسين، وذلك في قاعة المؤتمرات في دار النقابة في طرابلس. حضر الحوار ممثل الرئيس نجيب ميقاتي الأستاذ فادي محسن، ممثل الوزيرة فيوليت خير الله الصفدي والوزير السابق محمد الصفدي الدكتور مصطفى الحلوة، النائبان سمير الجسر وعلي درويش، ممثل الوزير السابق أشرف ريفي السيد محمد كمال زيادة، النائب السابق مصباح الأحدب، راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج أبو جودة، مطران طرابلس والكورة للروم الأرثوذكس المتروبوليت أفرام كرايكوس، ممثل مطران طرابلس والشمال للروم الكاثوليك المتروبوليت إدوار ضاهر المونسيور الياس البستاني، ممثل الطائفة العلوية الشيخ محمد حسين، الرئيس الأول لمحاكم الشمال القاضي رضا رعد، قائمقام زغرتا إيمان الرافعي، نقيبة أطباء الأسنان الدكتورة رولا ديب خلف، عضو مجلس نقابة المحامين في طرابلس الأستاذ يوسف الدويهي، مديرة معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس الأستاذة دوللي فرح وشخصيات وفاعليات وممثلو أحزاب وجمعيات مجتمع مدني. فرح البداية بكلمة ترحيبية من فرح، قالت فيها: “نحتفل اليوم ولأول مرة إطلاقا في لبنان، باليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا العنف بسبب الدين أو المعتقد، هذا اليوم الذي أطلقته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 73/296، الصادر بتاريخ 22 آب 2019”. وتابعت: “لقد شهدنا خلال الأشهر القليلة الماضية مسلمين يقتلون في المساجد برصاص يحصد أرواحهم، ويخرب أملاكهم، كما أزهقت أرواح مسيحيين وأحرقت كنائسهم وهم مستغرقون في صلواتهم، وشنت الهجمات على مجتمعات كاملة من دون أي سبب يذكر الا الديانة التي تعتنقها”. وأضافت: “إن النقاش المفتوح، البناء، القائم على إحترام الأفكار والمشاعر، كمثل الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية، له الدور الإيجابي الأول في خفض الكراهية والتحريض والعنف، لأن الديانات الكبرى في العالم تنشر قيم التسامح والتقبل والعيش المشترك من منطلق الإيمان بإنسانيتنا المشتركة، فحرية المعتقد والدين وحرية الرأي والتعبير هي مسائل مترابطة، متداخلة، ومتعاضدة، إما تتسامى معا أو تتهاوى معا، وهي كذلك جزء صميم في قلب المواد 18 و19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. وختمت فرح قائلة: “إننا من موقعنا كمعهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس، قد وجهنا الدعوة إليكم اليوم لحوار وطني، أراده سعادة النقيب محمد المراد، حوارا مفتوحا حرا طليقا، لنؤكد مرة جديدة أن الإرهاب والتطرف لا يمكن أن يرتبط، ولا يجب أن يرتبط بأي دين أو قومية أو حضارة أو أي مجموعة عرقية أو إجتماعية”. المطران نفاع ثم تحدث نفاع عن إشكالية العنف في أسفار التوراة التاريخية، فقال: “عندما نتحدث عن العنف في الأسفار التاريخية فكأنما نعني بهذا العنف في كتاب العنف، فإشكالية العنف في بعض أنحاء العهد القديم، تشكل الرابط الأساسي للكتب التاريخية بشكل عام، ولسفر يشوع بشكل خاص؛ الذي هو سفر احتلال الأرض والحروب المقدسة والإبادات الجماعية للوثنيين، دفاعا عن نقاوة دين الله وبأمر مباشر منه. هذا الامر الإلهي أطلق عليه الكتاب المقدس اسم التحريم، أي قتل جميع أهل المدينة المحتلة من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وأحيانا حتى البهائم والمزروعات، وإحراق المدينة بكل ما فيها. بناء عليه، يبدو للوهلة الأولى أن هذه الحرب، المسماة مقدسة، لم تكن مجرد قرار عسكري اتخذه يشوع بغية التوصل إلى امتلاك أرض جديدية، ليؤسس عليها دولة لإسرائيل، بل يصور لنا السفر هذا الإحتلال بأنه تتميم للأمر الإلهي. الله خطط له وهو من يقود معاركه وهو أيضا من ينصر شعبه على الأعداء، هؤلاء الأعداء إذا ليسوا فقط أعداء إسرائيل، بل هم أعداء الله القدوس، وهنا تقع كل الإشكالية: الله المحارب، المنتقم، يأمر بالقتل، ويعاقب على عدم الإفناء! هكذا إله، لا يمكن نعته بالمحب ولا نرى فيه وجه من يريد خلاص كل البشرية. إنه بالأحرى إله دموي محرض على الحرب. هذا الإله ليس حتى إلها عادلا، إذ ينتزع شعبا من أرضه ليزرع مكانه شعبا آخر، إختاره هو لنفسه!”. وتابع: “كلنا نعلم أن هذه المفاهيم: أي مفهوم “الشعب المختار” و”أرض الميعاد” و”الحق المقدس بالأرض”، تشكل المحور الفكري لما يعرف اليوم ب”قضية الشرق الأوسط”، التي تقض مضجع العالم منذ ما يزيد عن نصف قرن؛ وقد سالت على جوانبها أنهار من الدماء والدموع، كما أن أغلب التيارات الأصولية، في جميع الأديان، تعتمد على هذا الفكر اليشوعي لتجد تبريرا لما تمارسه من إرهاب وحروب وإبادات، دفاعا، حسب رأيها، عن معتقداتها وإلهها وإقتصاصا من الكفار وأعداء الإيمان فالكتاب المقدس، الذي هو كتاب حياة وأداة خلاص لسائر الأمم، يظهر هنا كتاب موت وكتاب لعنة. فكيف يمكننا أن نعالج هذه المعضلة الخطيرة؟ هل أخطأنا في قراءة النصوص؟ أم اخطأنا في فهم ما يقصده الله؟ أين هو الحد الفاصل بين الصواب والخطأ؟ أين الحد الفاصل بين الحق في الوجود والحق في الدفاع عن المعتقد من جهة، وبين واجب احترام الآخر وحق الآخر في الإختلاف من جهة أخرى؟ وأين هو الحد الفاصل بين الدين كمعتقد شخصي وبين الدين كدولة أو كنظام سياسي، قائم على الحرب وعلى توازنات القوى؟”. ثم تحدث عن محاور ثلاثة أساسية: “المفهوم اللاهوتي للتحريم، وقساوة اللغة الكتابية، والحادثة المروعة التي يقتل فيها النبي إيليا 450 نبيا، دفاعا عن وحدانية إله إسرائيل، فهذه المحاور الثلاثة تصل إلى تحليل الكلمة وجذورها في اللغات السامية أحيانا، وبروح الموضوعية والحياد، دون أن نسعى لا إلى التهجم ولا إلى الدفاع عن أحد، إذا، لن أقوم لا بقراءة يهودية مستندة إلى حكماء إسرائيل وكتاباتهم، ولا بقراءة مسيحية إيمانية تسعى إلى الدفاع عن الله وإلى إجلاله عما هو منزه عنه، حتى وإن كنا سنصل في خواتيم سعينا إلى هذا التنزيه، إلا أن ذلك سيكون نتيجة سعي تحليلي، يستند إلى العلوم التاريخية واللغوية والأركيولوجية وعلى ملكة التفسير وتحليل النصوص، دون أي مقاربة وجدانية أو روحية، عل هذه الروح النقدية تقود القارئ إلى دائرة الوضوح الثابت المؤسس على العلم والقناعات الصافية التي لا يشوبها زغل”. وخلص نفاع إلى أن “ما تقوله الأسفار التاريخية عن صراعات مع الوثنيين وتحريم وإبادة لا يتعدى كونه زجرا تربويا من قبل الكاتب الملهم للجماعة التي هو مسؤول عن إيمانها وعن نموها الروحي، فيستفيض الكاتب في أسلوبه الروائي بغية إفهام القارئ مدى خطورة الإنغماس في الوثنية، التي هي بالنسبة للكتاب المقدس “الخطيئة العظمى” ولطالما وصفها بأنها “الزنى بالله، إنها الخيانة العظمى التي تقطع الوصال نهائيا ما بين الإنسان والله، فإذا كان الله هو نبع الحياة الوحيد، فيكون كل من قطع صلته بالله مائتا بالفعل ذاته. لذلك يفهم الكاتب الملهم ويعلم أن عاقبة الوثنية هي الموت المحتم، أي الموت الروحي أو الديني، ولم يقصد بتاتا أن يأمر بالإبادة الجسدية دفاعا عن الله، فالله كان وهو اليوم وسيبقى دوما إله الحياة، إله كل الشعوب، وهذا الإله لا يرفض الإنسان مطلقا، كائنا من كان؛ بل يرفض منه التصرف الخاطئ، وذلك دفاعا عن الإنسان وحماية له من كل شر أو دنس أو نحس يودي به وبحياته”. ممثل المراد ثم ألقى ساسين كلمة جاء فيها: “لعل مراجعة إحصائية باردة لحوادث التاريخ، على تكدس عصورها وتفرق أصقاعها، تبين أن الحروب التي كابدتها البشرية وتكبدت فيها دماء غزيرة ودمارا عميما، كان معظمها مرتبطا بإسم الدين. منذ ضحى الخليقة، يوم قتل جدنا أخاه لقبول الرب تقدمة دون أخرى، كما تحدثنا الرواية الإيمانية، أي منذ قايين وهابيل… وهذا الكون سكين ومأتم، مفارقة عجيبة: أديان تدعو كلها، ودائما، إلى مكارم الأخلاق والتراحم بين الناس؛ ومؤمنون بها، تحت لوائها ومن أجلها، يرتكبون بعضهم بحق بعض العنف المادي والمعنوي، قتلا وتعذيبا واضطهادا وتشريدا…”. وتابع: “لم يكن العنف قائما بين أتباع الأديان وحدهم، بل مارسه غيرهم أيضا بحقهم، كما حدث لجميع الرسالات في بداياتها، وكما فعلته أخيرا المنظومة الشيوعية، من غير أن أنفي حقبا زاهية من التفاهم الطوائفي، والتعاون على عمارة الأرض ونشر الحضارة، عبر جهود مشتركة بذلها “المؤمنون” معا في سبيل البناء. كان ذاك فقط، يوم الفكر حر والمعرفة مشاع، والحوار سيد واحترام الآخر، لا بل محبته كما هو، شرط أوحد ضروري وكاف، لكن على الرغم من كل هذا، لم يبرح العنف الديني السمة الأكثر لصوقا بالتاريخ، ولما تزل آثاره ندوبا تشوه وجوه العصور، وكدرا يترسب في مياه المجتمعات، وصدعا يزلزل أساسات الدول، ولرب قائل: إن في بعض النصوص الدينية ما يحض بصورة أو بأخرى على شيء من العنف، وفي هذا تبرير للممارسات السوداء التي ارتكبت عبر العصور، لكن الحقيقة التي لا خلاف فيها، أن الإنسان، بكل ما للفظة من مدلولات، هو القيمة العليا ووعاء الإيمان وغايته؛ من أجله بعث الأنبياء والمرسلون، ولخلاصه لا لقتله، كان الدين، وأن قوام المسيحية المحبة، والإسلام الرحمة، وحتى كونفوشيوس اعتبر الفضيلة الحقة كامنة في ممارسة الحس الإنساني، أي في الاعتراف بقيمة كل إنسان، مهما كان مقامه أو حاله. من هنا يصبح سائغا السؤال: أما ينبغي لنا، نفيا لصفة العنف، أن نقرأ النص الديني الذي يحمل على مثل هذا المعنى، قراءة تاريخية تخرجه من خانة المعيارية، وتوضح أسباب نشوئه ومراميه والأهداف الدينية والسياسية التي دفعت إليه في ظروف معينة؟ أوليس في هذه القراءة الجريئة ما يحول دون إمكانية تأويل النص تأويلا يدعو إلى ممارسة العنف باسم الدين؟ ألسنا هكذا نعمل على سيادة الطاقات السلامية التي هي جوهر الإيمان الحق؟”. وعن العنف المبني على المعتقد أو الدين في لبنان قال ساسين: “لا حاجة بي لاستعادة ما عاناه الشعب من ويلات الحرب التي اتخذت في كثير من مفاصلها طابعا دينيا ومذهبيا، من غير أن أسقط العوامل الإقليمية والدولية، فلما خبا إعصارها وخمد أوارها صار أولو السلاح هم أنفسهم أولي السلام، فلم يفلحوا في رفع آثارها (وهي مآثرهم) عن القلوب والعقول، توالدت حروب جانبية رافقتها أعمال تكفير وإرهاب طوال العقدين الماضيين، خلفت جراحا عميقة في جسد العيش الواحد؛ ثم احتدم الخطاب المصلحي وارتدت عباراته لبوسا طائفيا، ينذر بشر مستطير، هذا كله في ظل الدستور القائل: “إن الدولة تؤدي فروض الإجلال لله تعالى”؛ كأنما الرحمن الرحيم، والعياذ به ومنه المغفرة، خص دولتنا وحدها بآية نعمة باهرة: أن ما يفعله قادتها ويقولونه ويحرضون عليه.. فرض من فروض عبادته، أو كأن هؤلاء لم يسمعوا قط بذاك النص الدستوري الذي مفاد تطبيقه أن إجلال الله إكرام عباده”. وبالحديث عن القانون، قال ساسين: “صحيح أن شرعة حقوق الإنسان، وغيرها من المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها لبنان، واجبة التطبيق عندنا عملا بقانون أصول المحاكمات المدنية، لا بل تأتي في مرتبة أعلى من القانون الوطني؛ لكن ينبغي لي في الوقت عينه أن أشير إلى خلو التشريع اللبناني من نصوص وضعية متكاملة خاصة بالعنف المسند إلى خلفيات دينية ومذهبية، والجرائم التي ترتكب في هذا السياق، تخضع لأحكام قانون العقوبات العادي، كالقتل والإيذاء وغيرهما. وفي ما تناهى إلي من علم لم أسمع باجتهاد لبناني ارتكز إلى القانون الدولي في تجريم مثل هذا الفعل، على أن قانون العقوبات تضمن مادتين يمكن إدراجهما في خانة العنف الديني المعنوي، هما المادة رقم 295 وفيها: من قام في لبنان في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت، والمادة رقم 474 وفيها: من أقدم بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 209 على تحقير الشعائر الدينية التي تمارس علانية أو حث على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، ويلاحظ أن الأولى منهما جنائية الوصف، لكنها محدودة المفاعيل في الزمان والمكان، فهي تطبق على ما يوقظ النعرات في زمن الحرب أو توقع نشوبها فقط، وعلى الأفعال المرتكبة حصرا داخل لبنان، كما يلاحظ أنها جاءت تحت باب: “في النيل من هيبة الدولة والشعور القومي”، فالقانون يرى إذا أن الخطاب المذهبي المثير للنعرات ينال من هيبة الدولة ومن الشعور القومي”. وخلص ساسين إلى نقاط محددة “قد تشكل ورشة عمل وطنية، فيها على سبيل المثال: – السعي إلى إصدار قانون عقوبات خاص بجرائم العنف الديني، إذ إن مجتمعنا المتنوع بحاجة إلى مثل هذا التشريع لمنع تشظيه والحفاظ على اتحاده وتعدده في آن معا،وفي انتظار ذلك حث القضاء اللبناني على تطبيق الشرائع الدولية على أفعال العنف الديني لفظيا كان أو ماديا أو معنويا. – إيقاظ المجتمع المدني، وتحديدا النقابات وعلى رأسها نقابتا المحامين، لتشكيل قوة ضغط تدفع باتجاه تسفيه الخطاب الطائفي، واعتباره مناقضا للإيمان ومدمرا للمجتمع، وتحفيز الحوار الرصين المحب حول الفكر بكل تجلياته والعيش الكريم ومستلزماته والإنسان ورقي بيئته، وتركان مـا خلا ذلك للعزيز الحكيم يفصل في ما الناس فيه مختلفون، مع الإشارة إلى أن هذه الندوة بدار نقابة المحامين في طرابلس هي الأولى من نوعها في لبنان حول هذا الموضوع. – وأساسا ودائما إطلاق عجلة تنمية حقيقية لأن الفقر خزان التطرف والجهل ينبوع الكراهية”. مخيبر وألقى النائب السابق، عضو لجنتي الإدارة والعدل والبيئة غسان مخيبر، كلمة قارب فيها القانون الدستوري والقانوني الدولي اللبناني، قائلا: “ينظر القانون الى المجتمع كما يجب أن يكون، ولا ينظر إليه كما هو في الواقع، فكل إنسان يطمح الى الحياة في سلام في ظل دولة مساواة وكرامة، وفي ظل دولة مدنية تحترم حريات وحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حرية الفكر والدين والمعتقد، وهذا مختصر لكل أحكام قانون الدستورية اللبنانية، وللأسف إن الواقع في لبنان والمنطقة، بعيد جدا عن هذا المرتجى، ويتأرحج في موضوع الإنتهاكات ما بين الإنتهاكات الجسيمة التي يمكن أن تصل الى القتل وجرائم الإبادة، وبين الإنتهاكات غير الجسيمة، وكلها تصنف ضمن الإنتهاكات الخطيرة، التي تقع على حريات أساسية”. وتابع “هناك مقاربتان لهذه الإشكالية، حتى لا يعود العنف واقعا، لا في لبنان ولا في المنطقة، فهناك واجب لعدد كبير من الجهات لتطوير هذه المبادئ القانونية وفي مقدمتها الدولة اللبنانية، ومن الواجب هنا أن تكون الدولة قوية وقادرة، في حين أن الجماعات السياسية والطائفية غالبا ما هي أقوى من الدولة، والإنتهاكات الاكثر خطورة والأكثر شدة، تقع في حالة إنهيار الدولة، وبالتالي التحدي الأول هو قيام دولة صفتها مدنية، وأن تكون قائمة على تشريع مدني، في حين ان الدول التي يقوم تشريعها على الاحكام الدينية، كانت قد وقعت في العديد من حالات الإنتهاكات واللامساواة، فالدولة اللبنانية مدنية، ولا تعتير أي دين مصدرا من مصادر التشريع فيها، بإستثناء قوانين الاحوال الشخصية، وهذه خصوصية من خصوصيات لبنان، والتي تجعله بمنأى نظري عن بعض الإنتهاكات، القائمة على إختيار الدين كمصدر من مصادر التشريع”. وأضاف مخيبر: “لإعطاء صورة دقيقة لما أسوق من مرتجى، علي أن أستعيد معكم نصين اساسيين، هما من ركائز الدولة المدنية في لبنان وهما: المادة 9 من الدستور اللبناني التي تعترف بحرية الإعتقاد المطلقة وهذا التفسير لا يتعارض مع الديانتين المسيحية والإسلامية، والمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تقول إن لكل شخص حق في حرية الفكر، والوجدان والدين، والتي تدعم حسن تطبيق هذه الاحكام، وهي جزء من الكتلة الدستورية اللبنانية، فالدولة في لبنان تعترف بحرية المعتقد والدين، وتحترم جميع الأديان والطوائف، وتكفل إقامة الشرائع الدينية على أن لا يكون هناك إخلال في النظام العام، وبالإضافة الى الحرية الشخصية، كفل الدستور اللبناني نظاما خاصا للاحوال الشخصية، بما أن هناك 18 طائفة في لبنان، والأحكام المطلقة الواردة في المادة 9 من الدستور، والمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تملك قيمة دستورية يمكن أن تحدها القوانين التي يمكن ان تسن، لحماية ما هو مشروع من حقوق الآخرين، ومن إحترام الأخلاق العامة، والتي تدخل فيها الأخلاق الدينية”. ثم عرض مخيبر مجموعة من المسائل والإنتهاكات التي حصلت في لبنان، والتي يمكن أن تحصل تبعا للمعتقد والدين، وكيفية تجنبها، وعن حماية الشعائر الدينية وممارسة الأشخاص لها قال مخيبر:” هناك أحكام خاصة تشدد العقوبات في حال وقوع جرائم الضرب والإيذاء والقتل على أساس طائفي ومذهبي، وهذا وارد في القوانين المتعلقة بالخطف والضرب والجرح والقتل، حيث تنص المواد 549، 554، 559، 596، على تشديد العقوبات، حينما تقع جرائم من هذا النوع على إنسان بسبب إنتمائه الطائفي، فبالتالي هناك ما يكفي من الأحكام القانونية التي تحاول منع وردع الجرائم الحاصلة بسبب الدين”. وتابع “المشكل في لبنان إذا، ليس في النصوص، فالنصوص مكتملة، المشكلة تكمن في ثلاث مستويات من المشاكل لهذه الحقوق المعلنة في الدستور والمواثيق الدولية والأحكام القانوينة”: – “المشكلة الأولى تكمن في من يتوجب عليه القيام بأفعال تؤدي الى حماية الحريات وتعزيزها وتفعيلها والإلتزام بها، كتعليم مبادئ الدين في المدارس وتطبيق مفهوم الحريات والعيش المشترك، وتعليم التلاميذ على مبادئ التسامح والتفهم للديانات الأخرى. – المشكلة الثانية تكمن في النظام الطائفي في لبنان، الذي يمارس المذهبية والطائفية القائمة على المادة الدستورية رقم 95، والقائمة بنيويا على شيء من اللامساواة بين اللبنانيين بسبب الدين والمذهب في بعض المناصب والوظائف، فالحريات الدينية لا تقتصر على ممارسة الشعائر، بل على مساهمة المواطن في الحياة العامة والحياة السياسية، بالإضافة الى مسألة تغيير الدين غير المطروحة عمليا في لبنان من حيث القانون، فيما إعتبرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من أساسيات الحرية. – المشكلة الثالثة في الجهات الملزمة تطبيق الاحكام، وأولها القضاء الذي عليه التدخل سريعا لحماية هذا النوع من الحريات، وعدم ترك المجال مفتوح لتبادل التهم”. وختم مخيبر قائلا: “التحدي اليوم في لبنان هو في قيام الدولة وسلطانها، والعمل على تطوير الدولة المدنية، وحسن إدارتها، وتعزيز دور القضاء، ونشر الثقافة والتوعية، ولنقابة المحامين دور كبير في تطوير الثقافة القانونية الضرورية لتوضيح معالم هذه الحريات المرتبطة بالفكر والوجدان والدين”. الشعار وقال المفتي الشعار: “إجتمعنا اليوم للحديث عن هذا الموضوع الحساس في نقابة المحامين في طرابلس، وهي أولى النقابات التي تعنى وتهتم بالإنسان وكرامته، وأدرك أن الحضور الكريم يملك التصور العام حول الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، لكن هذه الإلتفاتة تأتي في إطار إعلان موقف تضامني من أجل الحفاظ على الإنسان وحقه وكرامته”. وتابع “الإنسان في تصورنا الإسلامي والمسيحي واليهودي كذلك، هو القضية الأم، التي تأخذ الحيز الأكبر في الحياة، فمن أجله أرسلت الكتب والرسالات، ومن اجله جعل الله خاصية التسخير على الأرض، لذلك كان وسيبقى القضية الأساس في هذه الحياة، فقد كرمه الله تعالى بغض النظر عن أي إنتماء ديني او ثقافي، “ولقد كرمنا بني آدم”، وقد صان الله له حقه بالحياة وحفظ له حياته وماله وعرضه وأرضه، فإذا أدركنا ان الإنسان هو القضية الأم، مكرم بالمطلق، أدركنا بصورة طبيعية أنه يتمتع بحرية متعددة أولها حرية المعتقد والدين والتفكير، وسائر أنواع الحريات الأخرى، فهذه الحريات تجعل للإنسان قيمة، وبدونها يسلب قيمة الموجود، ولا يعود هناك متعة من وجوده، فقد قال الله تعالى: “لا إكراه في الدين”، فنحن لا نحمل الناس على دين معين، ومهمة الأنبياء جميعا كانت تعليم الناس الدين والسلوك، فقد قال الله تعالى لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام: “فذكر إنما أن مذكر، لست عليهم بمسيطر”، فمهة الأنياء كانت تعليم وإنارة طريق الناس، وليس تحميلهم على رأي ودين ومعتقد، وهذا هو الإيمان، وهو أولى القضايا عند المسلمين والمسيحيين واليهود”. وأضاف “لا يقتل إنسان لمعتقده أو دينه، لا في التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن، فجميع هذه الكتب السماوية أنزلت لتكريم الإنسان وحفظ كرامته ، فالعنف والدين لا يلتقيان، لأن الله تعالى خلق الإنسان ليكون خليفته في الأرض، وميزه عن سائر المخلوقات بعقل وتفكير، ولا يوجد أي نص أو إشارة في الكتب السماوية تسخر من أي دين آخر، ففي دين الإسلام حتى الإشارة بالعين محرمة”، الكثير من الناس يريد التفلت من الدين، لأن فيه أحكاما وضوابط لبعض السلوك، وهذا يتعب من يريد العيش حرا دون قيود أو ضوابط، ولكنني ما رأيت أحدا رفض الدين عند تعرفه على مبادئه وأحكامه، فإذا وقفنا على الآية القرآنية: “من قتل نفسا بغير حق، فقد قتل الناس جميعا”، فهل هناك تخويف وتحريم لقتل الناس أكثر من ذلك، فالإعتداء على النفس والآخر من أشد أنواع الكبائر، فالعنف والتطرف مذموم بالمطلق، حتى في كيفية التدين والإلتزام بأحكام الدين، فكثيرة هي الأحكام التي نهانا رسولنا الكريم عن فعلها بحجة زيادة العبادة والتطرف، فالتوسط ينتاسب مع الفطرة، والخروج عنه فيه مشقة وعنف، ونحن لم نؤمر في شريعة الإسلام بالتشدد على أنفسنا، بل أمرنا بتهذيبها والسيطرة عليها”. وختم الشعار قائلا: “جميع الأديان السماوية تقوم على العدل والرحمة، وليس هناك أي إشارات عنف فيها ضد الإنسان، ولا حتى ضد الحيوان، فنحن أمة نلتزم الرفق كما أوصانا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فما كان الرفق بشيء الا أدامه، ولا يوجد أي عمل عنف ينسب الى الدين، الا للخلاص منه والتفلت”. وفي الختام، فتح المجال أمام الحاضرين للمداخلات، والأسئلة حول الموضوع. =============س. سري الدين تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM