لبنان

العربي الجديد: ميشال عون ووليد جنبلاط… الحرب الأهلية لم تنتهِ

وطنية – كتبت صحيفة العربي الجديد تقول: يجلس رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” اللبناني، وليد جنبلاط، في قصره في المختارة في جبل لبنان، متفرغاً للتغريد على “تويتر”، ولمعارك سياسية بات يختارها بدقة، بعد أن أزاح عن كاهله همّ زعامة الطائفة الدرزية، وهمّ النيابة، وهمّ المتابعات اليومية، وقد سلّمها إلى نجله تيمور، لكنه لم يخرج من الحياة…

Published

on

وطنية – كتبت صحيفة العربي الجديد تقول: يجلس رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” اللبناني، وليد جنبلاط، في قصره في المختارة في جبل لبنان، متفرغاً للتغريد على “تويتر”، ولمعارك سياسية بات يختارها بدقة، بعد أن أزاح عن كاهله همّ زعامة الطائفة الدرزية، وهمّ النيابة، وهمّ المتابعات اليومية، وقد سلّمها إلى نجله تيمور، لكنه لم يخرج من الحياة السياسية كما كان يحلم دوماً، وكما يردّد بين الحين والآخر. ومنذ سنوات، باتت خيارات جنبلاط السياسية تدور حول حماية الطائفة الدرزية، الآخذة بالتناقص عددياً، وحول حماية موقعها ضمن المعادلة اللبنانية، وهو الموقع الذي كرسه اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990. يصلح هذا للحديث عن الخلاف المتجدد بين العهد (عهد رئاسة ميشال عون) وبين ساكن المختارة. لكنّ الملفات تتشعّب عند الحديث عن علاقة الرجلين (جنبلاط وعون) التي مرّت بالكثير من العداء التاريخي، تخلّلته لحظات سلام لم يدم أو يعمّر كثيراً، قبل أن يعود كل منهما إلى موقعه. بدأت علاقة الرجلين بالدم، تحديداً في جبهة سوق الغرب عام 1989، تلك البلدة التي تقع شرق بيروت، والتي شهدت واحداً من آخر فصول الحرب الأهلية اللبنانية، بين الجيش اللبناني بقيادة عون آنذاك، وبين “جيش التحرير الشعبي” التابع للحزب “التقدمي الاشتراكي”، بقيادة جنبلاط. وخلال هذه المعركة، وقعت أحداث 13 أغسطس/آب الشهيرة، التي لا يزال “التيار الوطني الحر” يحيي ذكراها سنوياً، إذ حاول جنبلاط يومها بدعم سوري، التغلغل نحو بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية)، ليسقط عون. لكن عون، قائد الجيش اللبناني ورئيس الحكومة العسكرية آنذاك، ردّ بشنّ هجوم صوب منطقة شملان المحاذية لسوق الغرب. لاحقاً، سقط عون مع اجتياح جيش النظام السوري “المنطقة الشرقية”. توجّه إلى السفارة الفرنسية، ومنها انتقل إلى منفاه الباريسي، فيما كانت القيادات اللبنانية تجمع حقائبها للتوجّه إلى مدينة الطائف السعودية، لإبرام الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد، وأدى لاحقاً إلى انتخاب رينيه معوّض رئيساً للجمهورية الجديدة. وقف عون من منفاه معارضاً “الطائف”، ومعارضاً الوجود السوري، فيما كان جنبلاط أحد عرابي الاتفاق، وأحد حلفاء النظام السوري في لبنان، وإن على مضض، ما أعطاه دعماً للتحوّل إلى شريك درزي في المعادلة التي أفرزها “الطائف”. لعب جنبلاط لسنوات دوراً محورياً في سِلم ما بعد “الطائف”، كما كان يلعب دوراً في حرب ما قبل “الطائف”. تولّى وزارة المهجرين. فانتهز عون الفرصة، لتوجيه سهامه صوب عدو جبهة سوق الغرب، خصوصاً أنّ آلاف سكّان منطقة الشوف وعاليه، الأقضية الدرزية – المسيحية المشتركة، هجروا على دفعات من قراهم. ظلّ عون ممسكاً هذا الملف على جنبلاط لسنوات، قبل أن يوجّه الأخير ضربة للأوّل، عندما توجّه إلى مقرّ البطريركية المارونية في بكركي وزار سيّدها آنذاك البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، الذي كان منذ الحرب الأهلية على علاقة مضطربة مع عون، وعقد الجانبان ما اصطلح على تسميته “مصالحة الجبل”. فرضت المرحلة اللاحقة تواصلاً بين جنبلاط وعون، خصوصاً عندما بدأ جنبلاط يتموضع ضدّ الوجود السوري في لبنان. فتح ملف العداء للنظام السوري، الباب بين الرجلين للمرة الأولى. زار جنبلاط فرنسا، والتقى عون، ووصفه بأنه “شيخ المعارضين”. اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005. توحّدت المعارضة اللبنانية في تحالف أطلق عليه اسم “14 آذار”. عاد عون من فرنسا. لكن شهر العسل لم يدم طويلاً، إذ انسحب الأخير سريعاً من تحالف قوى “14 آذار”، متجهاً صوب “حزب الله”، وموقعاً معه وثيقة التفاهم الشهيرة في 6 فبراير/شباط عام 2006. عادت العلاقة بين الرجلين إلى الصفر، أو ما دونه. وعلى مدار السنوات اللاحقة، تبادل الطرفان شتى أنواع التهم، قبل أن تفرض أحداث 7 مايو/أيار عام 2008 (عندما سيطر حزب الله على بيروت)، وقعها على الحياة السياسية اللبنانية، وعلى مواقف جنبلاط، الذي شعر بعد معركة الجبل بأنّ مصالح طائفته تتطلّب تلييناً للموقف، فانفتح على “حزب الله”، ونسبياً على سورية، وعلى عون، الذي زار المختارة في العام 2010، وجال في سيارة يقودها جنبلاط في قرى الشوف ذات الغالبية الدرزية. مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، كان جنبلاط من أشدّ المعارضين لذلك، متمسكاً بمرشّح حزبه وقتها النائب هنري حلو. لكن عون انتخب وبات على جنبلاط التأقلم مع واقع جديد، قبل أن ينفجر الخلاف أخيراً بين الرجلين، ويقدّم جنبلاط نفسه رأس حربة في سياق معارضة عهد عون. وبات معلوماً في الأروقة السياسية اللبنانية، أنّ الخلاف بين “التقدمي الاشتراكي” و”الوطني الحرّ”، دائماً ما يتمحور حول دور الطائفة الدرزية، وموقعها في المعادلة اللبنانية. فالقانون الانتخابي الجديد الذي أجريت الانتخابات الأخيرة على أساسه، كان جنبلاط يقول إنه يحاول تحجيم دور حزبه، وخصوصاً في منطقة جبل لبنان الجنوبي. وبالفعل، باتت كتلة جنبلاط تضم 9 نواب، بعد أن كانت تختزل تمثيل منطقتي الشوف وعاليه. من جهته، يرى “التيار الوطني الحر” أنّ تمثيل جنبلاط كان أكبر من حجمه السياسي، عبر السطو على صوت المسيحيين في هذه المنطقة. وعادة ما يخرج جنبلاط عن صمته عندما يعود الحديث بقوة عن الدستور و”الطائف”. وفي غضون أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية المستمرة، فتح الزعيم الدرزي مجدداً الملف من باب الحديث عن صلاحيات رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الوزراء، كما فتح الملف على خلفية الحديث عن حصّة الدروز وطلب “التيار الوطني الحر” تمثيل حليفه الدرزي النائب طلال إرسلان. وحده ملف الطائف يختزل أصل الصراع وفصله بين “البيك” (جنبلاط) و”العماد” (عون). لم يكن عون يوماً مؤيداً للطائف، كل خطاباته السياسية كانت تدعو إلى تعديله، واليوم بات “التيار الوطني الحر” وإن لم يقل ذلك، ولكن عبر ممارساته، يحاول تكريس معادلات جديدة تستند إلى أوزان طائفية. وقف جنبلاط دوماً في صف دعم “الطائف”. هذا ما يجمعه مثلاً برئيس مجلس النواب نبيه بري، الصديق القديم وشريك الطائف، وبرئيس الحكومة سعد الحريري، نجل “الصديق” (رفيق الحريري) عرّاب الطائف. كذلك، وقف مراراً في وجه أي طروحات تعيد لبنان إلى بحث في المحاصصة بين الطوائف، مثل الحديث عن مؤتمر تأسيسي. يدرك جنبلاط أنّ أيّ معادلات جديدة، سيخرج منها المسيحي والدرزي خاسرين. الأعداد لا تخدم سوى الطائفتين السنية والشيعية، كما الموازين الإقليمية. ويدرك جنبلاط أيضاً أنّ ما أفرزه الطائف، هو الأفضل للدروز والمسيحيين، الذين شبههم يوماً بـ”الهنود الحمر”، بسبب تناقص أعدادهم. تاريخياً، لم تكن يوماً العلاقة بين الدروز والموارنة بخير. بدأت الأزمة فعلياً بعد تحويل زعامة جبل لبنان من يد الدروز إلى يد الموارنة مع إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920، على الرغم من أنه سبقتها محطات كثيرة سوداء. إلى أن قال كمال جنبلاط يوماً: “قلنا لذاك زل فزال (في إشارة إلى رئيس الجمهورية الأسبق بشارة الخوري) وقلنا لهذا كن فكان (في إشارة إلى رئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون). وتاريخياً أيضاً، كان لكلّ عهد رجالاته، وكان لكلّ عهد معارضته التي تبدأ من المختارة. وحديثاً كان جنبلاط سباقاً في التصويب على الرئيس الأسبق إميل لحود، واتهامه بالوقوف خلف اغتيال الحريري سياسياً. واليوم، يفتتح أيضاً عهد معارضة عون، الذي سعى خلال الفترة الماضية إلى بناء هالة حول موقع رئاسة الجمهورية، عبر استدعاء كل من ينتقد أو يستعمل عبارات حادة في سياق انتقاده. وخرج جنبلاط قبل أيام ليصف العهد بأنه “فاشل”، ولاحقاً بأنه “عهد العلوج”. ففتحت المعركة التي تخللتها إقالات متبادلة لموظفين محسوبين في الإدارات على الطرفين، في معركة قد تطول، على وقع الشحن المذهبي. يتشعّب كثيراً الحديث عن علاقة عون بجنبلاط. تتداخل فيه العوامل التاريخية، مع العوامل السياسية الحالية، ومع العوامل الشخصية أيضاً، لكن ثمة من يختصر كل ذلك بالقول: “الكيمياء مش زابطة بينهما” (لا يوجد كيمياء بينهما) ======== تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

Exit mobile version