اخر الاخبار
ما هي اللغة السرية والإشارات الخفية للتواصل بين النساء المثليات في مجتمع محافظ؟
عشرات الفتيات “مثليات الجنس” في بوروندي بشرق أفريقيا تحدثن لبي بي سي طوال الأشهر القليلة الأخيرة عن حياتهن اليومية، وكيف تعيش المرأة المثلية في مجتمع محافظ مازال يجرم المثلية الجنسية ويعاقب من يمارسها. لقد شرحن كيف أنهن عندما يتصلن ببعضهن يضطررن إلى استخدام رموز وإشارات خاصة للتعريف بهوياتهن عند التواصل على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات…
عشرات الفتيات “مثليات الجنس” في بوروندي بشرق أفريقيا تحدثن لبي بي سي طوال الأشهر القليلة الأخيرة عن حياتهن اليومية، وكيف تعيش المرأة المثلية في مجتمع محافظ مازال يجرم المثلية الجنسية ويعاقب من يمارسها.
لقد شرحن كيف أنهن عندما يتصلن ببعضهن يضطررن إلى استخدام رموز وإشارات خاصة للتعريف بهوياتهن عند التواصل على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة.
لقد استعضنا هنا عن تلك الرموز والإشارات السرية الحقيقية باللون البنفسجي لأغراض نشر هذا التقرير (لأن النساء المثليات مطلع القرن العشرين كُن يُهدين زهور البنفسج لصديقاتهن).
واللون البنفسجي المائل للزرقة هنا نوع من الاستعارة وليس وسما يسم جماعة محددة من جماعات المثليين ومجتمع “أل جي بي تي” في شرق لأفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى.
نزهة جماعية
بعد الظهيرة القائضة في بوروندي، التي تقع في منطقة البحيرات الكبرى شرقي أفريقيا، تصبح الأجواء مواتية للخروج للتنزه دون خوف من الشعور بالإجهاد الشديد جراء حرارة الشمس العالية.
إنه يوم رائع للقاء الأصدقاء في المنتزة، في العاصمة بوجمبورا، تكون فيه معنويات النساء هنا مرتفعة فيتحدثن بحماس ويرسمن أشكالا ساخرة على أجساد بعضهن البعض بصبغات ملونة، مستمتعات معا بالتنزه.
تجتمع النساء مرة واحدة في الشهر، في أماكن مختلفة، ربما في بعض الأحيان في أماكن عامة، ولكن في الغالب خلف الأبواب المغلقة. وترتدي الغالبية منهن الجينز والقمصان المزينة بألوان وأشكال، وذات موديلات مختلفة.
تلعب القمصان دورا مهما في علاقة المجموعة، فالأشكال المطبوعة على كل منها تحمل رمزا سريا متطابقا. إنها تدل على الهوية والاستقلال. وتعد شيئا خاصا لا يفهمه أحد غيرهن.
في أي بلد أخر يمكن أن تكون هذه المجموعة مجرد صديقات عاديات، لكن الوضع مختلف في بوروندي، حيث يُنظر إليها كجماعة خارجة عن القانون.
بدأت علاقة هذه المجموعة من النساء، وجميعهن في العشرينات وأوائل الثلاثينيات، منذ فترة قصيرة.
تتحدث نيلا، عضوة المجموعة عن وضعها، وتقول : “سنقع بمشكلة كبيرة إذا اكتشف الناس هويتنا”.
يمكن أن يُعاقب الجميع بالغرامة المالية أو حتى السجن. وهناك أيضا خطر التعرض لمضايقات داخل المجتمعات الأضيق من العائلة والأصدقاء.
وتشدد نيلا: “أما الأسوأ سيكون العقاب بالموت”.
قصة نيلا
ترسل نيلا صورتها إلى بي بي سي باستخدام تطبيق مشفر. وتظهر فيها جالسة على كرسي مع أطفال صغار من حولها.
وتكتب على الصورة “إنهم أطفالي… سنهم أقل من 10 سنوات”.
يُظهر الأطفال أنفسهم أمام الكاميرا، ويرسمون تعبيرات مضحكة على وجوههم.
ترتدي نيلا الحجاب.
لكنها في صورة أخرى تكشف عن شعرها الأسود المجعد على كتفيها، وترتدي بنطال جينز فضفاضا وقميصا (تي شيرت). إنه القميص الذي كانت ترتديه في الحديقة مع النساء.
وتظهر في الصورة جالسة على طاولة في مطعم مفتوح وتضع ذراعها حول فتاة بجوارها، ظهرت أيضا بشعرها المجدول في ضفائر صغيرة جدا. وكلتاهما تبتسم.
شيكاغو تنتخب أول عمدة سوداء مثلية الجنس في تاريخ المدينة
لماذا اختفى حساب كوميكس عن المسلمين المثليين في إندونيسيا من انستغرام؟
علقت نيلا على الصورة “أجلس مع صديقتي الحميمة”، وكتبت “أليس هذا لطيفا؟”
وأضافت أنها المرة الأولى التي تقدمها فيها بهذه الطريقة إلى شخص ما، لكنها تشعر بشعور جيد.
التقت الفتاتان من خلال موقع تواصل اجتماعي منذ فترة قصيرة، لذلك فالعلاقة مازالت جديدة.
تشدد على القول “إننا سعيدتان”.
بالطبع لا تعرف أسرتها شيئا عن هذه العلاقة، وهي تخاطر بمثل هذه اللقاءات. فربما يراها شخص يعرفها ويعرف عائلتها. لكنها متأكدة من أن أحدا لن يتعرف عليها، لأنها تخلع الحجاب وتظهر بشكل مختلف أثناء لقاء رفيقتها.
كان عمر نيلا 17 عاما، عندما بدأت أول علاقة حب مع فتاة. التقتها أثناء ممارسة الرياضة. ومثل هذه العلاقات تثير حماسها منذ أن كانت فتاة صغيرة.
اعترفت نيلا بأن هذه العلاقة لم تتطور إلى “علاقة حميمية”، لكنها أدركت حينها أنها لن تتمكن من التراجع.
تقول: “لقد أيقنت أنني أحببت النساء”.
أدركت أيضا أنها لا تستطيع الكشف عن مشاعرها لأي شخص. فهي من عائلة مسلمة محافظة وتعد إقامة علاقة مع شاب أمر مرفوض بالنسبة لها، فما بالك بالعلاقة مع فتاة أخرى.
ولدت نيلا في العاصمة بوجمبورا، وتعد بوروندي تلك الدولة الواقعة في منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية، واحدة من أفقر بلدان العالم.
تناضل بوروندي لتحقيق الاستقرار منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 2005، والتي شغلت الرأي العام العالمي حينها. ومازالت هذه الصورة هي العالقة عنها حتى الآن.
بيد أن نيلا ترى إن ذلك بعد واحد من الصورة، إذ يبدو كما لو أن الناس الحقيقين الممتلئين بالآمال والأحلام والحب والرغبة لا مكان لهم للعيش هنا.
حلمت نيلا بالذهاب إلى الجامعة، منذ أن كانت في سن المراهقة. بينما كانت عائلتها تدفعها نحو الزواج. وكان يعرضونها على شباب العائلة الكبيرة أملاً في العثور على الزوج المناسب.
وزاد الموقف تعقيدا بعد وفاة والديها، حيث تزايدت ضغوط إخوتها عليها من أجل زواجها. وأخبروها أنه لا يوجد المال الكافي لتعليمها، إضافة إلى عدم اقتناعهم بأهمية تعليم المرأة.
تعرّف إخوتها على رجل ثري أبدى اهتماما بشقيقتهم. وأصروا على ضرورة إنهاء ترتيبات الزواج سريعا. وفي سن العشرين كانت قد بدأت تكبر في السن بنظرهم.
انتهى حفل الزفاف سريعا، وهيأت نيلا نفسها لتصبح زوجة.
تقول إنهم أجبروها على الزواج قسرا، لكنها تتساءل إذا كانت كلمة “اجبار” هي الكلمة الصحيحة. فالأمر أكبر من اجبار بنظرها، فهل يمكنك أن تجبر شخصا على أمر لا يمتلك حتى حق الشروع به؟
تقول نيلا إنها حقوقها بوصفها امرأة من بلد مثل بوروندي هي أصلا محدودة جدا، وباعتبارها واحدة من أقلية مسلمة تمثل 2 في المائة في دولة ذات أغلبية مسيحية، شعرت أنها أصبحت أكثر تهميشا.
زوج نيلا لم يكن يعرف هويتها الجنسية. ولم يكن زواجهما سعيدا. بالكاد كان هناك تواصل بينهما وظلت تخاف من العلاقة الجنسية معه.
وبعد ولادة طفلها الأصغر، بدأت تشعر بأنها “أكثر النساء عزلة في العالم”.
تقول إنها لا تريد الخوض في الكثير من التفاصيل حول زواجها، لأن هذا “سيؤثر على سلامة أطفالها”.
اتجهت إلى التواصل الاجتماعي بحثا عن علاقات مع نساء لديهن نفس الميول. فجأة، أدركت أنها ليست وحدها.
ثم ضيقت حلقة البحث لتقتصر على العاصمة بوجمبورا.
اكتشفت وجود تلميح ورموز سري تستخدمه النساء المثليات في منطقتها للوصول إلى بعضهن البعض.
يعتمد الأمر إلى حد كبير على التلميحات والرموز التي تستخدمها النساء المثليات حول العالم.
وهكذا تبدأ نيلا في ارسال هذه الصور والرموز إلى نساء أخريات ممن تعتقد أنهن قد يستجبن لها.
وبدأت نيلا، مدعومة بما وجدته، في التواصل مع النساء عبر الإنترنت.
كن نساء مثلها، نساء استجبن لها وأصبحن سريعا أقرب صديقاتها.
تغيرت حياتها في 2016، عندما اكتشف زوجها حقيقتها واطلع على هذه المحادثات، وقد قاد ذلك إلى نهاية زواجهما، بيد أن زوجها تعهد بالحفاظ على سرها وعدم الكشف عن حياتها الجنسية حفاظا على أطفالهما.
أخذت نيلا أطفالها وانتقلت لتعيش مع أقاربها. لكنهم لا يعرفون شيئا عن حياتها الأخرى.
تقول نيلا : “هناك مثليات غير مرئيات في كل بلد. نحن مجرد جزء واحد من هذا”.
“إذا كنا موجودين هنا، فنحن أيضا في كل مكان”.
“نحتاج إلى إسماع صوتنا”.
“إذا كنت تعرف أننا موجودون، يمكنك البدء في البحث عنا في مجتمعاتك المحلية وفي أسرتك”.
قصة نيا
أصبح عمر نيا الآن 27 عاما، وهذا أكثر شيء جعلها تشعر بالارتياح.
لكن الأمور لم تكن مريحة دائما بالنسبة لها.
نشأت نيا في عائلة محافظة لأبوين صارمين في أحد أحياء العاصمة بوجمبورا. فرضوا عليها وعلى أشقائها قيودا منها العودة إلى المنزل مبكرا خلافا لبقية الأصدقاء. وفرضوا عليها ارتداء ملابس محافظة والتصرف بطريقة رزينة.
وكذلك كان أصدقاؤها.
كان والدها يعمل بعيدا عن العاصمة كثيرا، تاركا لوالدتها المسؤولية عن العائلة. فضلت نيا إقامة صداقات مع الأولاد ولكنها لم تتطور إلى إعجاب.
اعتنقت المسيحية عندما بلغت 14 عاما. وقد أثر اعتقادها، بأن جانبا من ديانتها يفرض عليها تجنب المواعدة، على اهتمامها الرومانسي بالصبيان الأخرين ومنعها من إقامة علاقة عاطفية حفاظا على التزامها الديني.
عندما بلغت 22 عاما، التقت امرأة في أوائل العشرينات من عمرها عبر أصدقاء مشتركين. وتوطدت صداقتهما سريعا بفضل حبهما المشترك للموسيقى.
تقول نيا عن هذه العلاقة: “بدأنا نتحدث، وفي إحدى المرات بينما نتحدث في أمر جاد، التفتت نحوي وقالت (أنا أحب النساء) “.
وأضافت: “أصابتني الدهشة”.
عند عودتها إلى المنزل، ظلت نيا تفكر في ما حدث، ثم أدركت أن لديها مشاعر نحو صديقتها.
بدأت اللقاءات الحميمية بينهما سرا. تخرجان سوية لتناول الطعام والتسوق والذهاب إلى الملاهي الليلية.
وعلى الرغم من أن علاقتهما لم تدم طويلا لكن كان هناك شيء واحد واضح: “نيا تدرك الآن لماذا لم تنجذب إلى الرجال. واتضح أن الأمر لا يتعلق بالدين”.
بعد عامين، شعرت نيا بالحاجة إلى الإفصاح عن حقيقة مشاعرها لأحد أفراد عائلتها. فاختارت أحد إخوتها.
وتقول بعد أن صارحته بحقيقتها :”سألني سؤالين فقط ( منذ متى وأنتِ تعرفين هذا عن نفسك؟ وهل أنتِ متأكدة؟)”.
وردت “منذ سنتين، ونعم أنا متأكدة”.
هزّ شقيقها رأسه وقال “حسنا، تعرفين أنني كنت أدعمك دائما”.
تعانق الإثنان. وكانت تلك آخر مرة يتحدثان فيها عن هذا الأمر.
كانت نيا متأكدة (من ميولها) لأنها، مثل نيلا، قضت الكثير من الوقت على الإنترنت.
كانت بحثت على موقع يوتيوب عن مقاطع فيديو لمثليات ينشرن مدونات فيديو مثلية في مناطق أخرى من العالم. شاهدت أفلاما تحكي قصص مثلي الجنس، كما قرأت الكثير من التقارير عن مجتمعات النساء المثليات ومغايري الجنس ومزدوجي الجنس. وبدأت تفهم لغة الإنترنت.
وتقول: “لقد استخدمت الإشارات الخاصة (ميميز) كثيرا، إشارات محددة تستخدم للوصول إلى نساء أخريات”.
أرسلت بي بي سي برسالة إلى نيا، لنخبرها أننا سنستخدم صورا باللون البنفسجي لتوضيح هذه الإشارات. لقد اخترنا الرمز، الذي يختلف كثيرا عن الرموز التي تستخدمها النساء الأخريات، لأنه قيل أن النساء المثليات في مطلع القرن العشرين كن يقدمن أزهار البنفسج إلى صديقاتهن.
وردت على الرسالة قائلة: “هذا ممتاز. إنها ثورة البنفسج السرية الخاصة بنا”.
بدأت نيا تجمع قطع الأحجية وتحل اللغز ببطء.
تأكدت من خلال مشاهدة مقاطع فيديو اليوتيوب أنها لم تكن وحدها. لكن أين توجد النساء المثليات الأخريات في بوروندي؟
أيقنت نيا بحتمية وجودهن، لكن الأمر كله يتعلق بالعثور عليهن.
قصة ليلى
كان عمرها 17 عاما فقط، عندما أدركت ليلى أنها تحب صديقتها.
كانت تفكر فيها طوال الوقت. كانت تتخليها وتحلم بها. لا يمكن أن يكون هذا الشعور إلا الحب.
وتحكي عن هذا فتقول: “فكرت في هذا في البداية، وقلت يا إلهي، أنا أحب امرأة. ماذا يحدث؟”.
نشأت ليلى في أسرة محبة وداعمة لها من الطبقة الوسطى في مدينة بوجمبورا. كانت محبوبة. وكان لديها حبيب.
والآن وصلت إلى هذه المرحلة، وقعت في حب صديقتها.
بعد أشهر من التفكير المستمر في صديقتها، قررت أن تبوح لها بمشاعرها. أرسلت ليلى برسالة إلى صديقتها، جاء فيها “مرحبا، أعتقد أنني أعشقك”.
بعد ساعات من الصمت. ردت صديقتها برسالة قالت فيها: “أسفة ليلى. لكن لا. أنا لا أحب الفتيات”.
شعرت ليلى بالإهانة. وسألت نفسها: “ماذا فعلت؟”.
لكن لم يكن هناك ما يدعو للقلق. ليلى لم تفقد صديقتها. اتفق الاثنتان على وضع حد للحلقة المحرجة (في علاقتهما).
بلطف، تخلصت ليلى من شهور الافتتان بصديقتها.
وقالت: “لقد فكرت بأنني عندما أتجاوزها، سأكون (طبيعية) مرة أخرى”.
ثم حدث شيء لم تكن تتوقعه. عبث شقيق ليلى بهاتفها وعثر على الرسالة التي كانت قد أرسلتها إلى صديقتها.
فضح شقيقها أمر الرسالة لوالدتهم، وبدأت مواجهة مشحونة داخل العائلة.
وصفتها ليلى بقولها : “صرخت أمي. أنا بكيت. لقد أقنعنا أنفسنا أنها كانت مرحلة ستنتهي. طلبت مني بذل جهد لأكون (إنسانة طبيعية). قلت سأفعل”.
بدأت ليلى مواعدة رجل. لكنها شعرت أن شيئا ما كان خطأ.
وتقول: “لم أشعر بنفسي منسجمة في تلك العلاقة” وتضيف “اعتقدت أنه ربما كان ذلك بسبب الرجل، الذي لم يكن لطيفا. لذلك تركته لمواعدة رجل لطيف”.
بيد أن ذلك لم يحل المشكلة.
ثم سألها صديق إن كانت متأكدة فعلا من أنها لا تميل إلى النساء؟ وأجابت ليلى على مضض، “أنا متأكدة من ذلك”.
لكن عندما نظر إليها بسخرية، تقول إنها شعرت تماما بحقيقتها ومن تكون. وقالت ليلى لنفسها “أنا مثلية”.
لكنها ما زالت تأمل في أن يكون ثمة طريقة للخروج من هذا. “لقد صليت. تأملت حالي. أصبحت ناقمة على نفسي”.
لكن ببطء، بدأت تتصالح مع الحقيقة.
عندما أصبح عمرها 21 عاما، أفصحت أخيرا عن نفسها وحقيقة مشاعرها.
تقول ليلى: “يفصح كل شخص مثلي عن نفسه مرتين”. “الأولى تكون إلى نفسه. وهي اللحظة التي تدرك فيها أنه لا يمكن التراجع. هذا هو أنت. أنت مثلي الجنس. تحتاج إلى تعديل خططك وتوقعاتك بشأن ما تعتقد أن حياتك تحتاج إليه. ثم يكون الإفصاح الثاني عن هويتك إلى الناس من حولك”.
عندما أفصحت عن حالها لنفسها، بدأت ليلى تبحث عن مثليات مثلها. كانت تشك أن تجد نساء مثلها في بوروندي، لكنها بحثت عن مقاطع فيديو مثلية على فيسبوك ويوتيوب في بلدان أخرى.
وتوضح: “اعتقدت أنني قد أكون وحدي في بوجمبورا ولكني لست وحدي في العالم”.
وكانت خطوتها التالية أن توضح لأمها أن مثليتها لم تكن مرحلة وستنتهي، فالحياة الجنسية العادية لا تناسبها.
في البداية تعاملت أمها مع الموقف على نحو سيء. ولكن مع مرور الأيام بدأت في طرح المزيد من الأسئلة. كان والد ليلى أكثر دعما لها مما توقعت.
واتفقت الأسرة على أن ليلى، بصفتها امرأة مثليه في بوروندي، فهي معرضة للخطر بالفعل.
إذ يُمكنهم حمايتها أثناء وجودها في منزل العائلة، لكنهم لا يستطيعون ضمان سلامتها في الخارج إذا اكتشف الناس حقيقتها.
كانت تدرك أنها يجب أن تجد المجتمع الذي تشعر أنها تنتمي إليه.
الحظ والإنترنت
ثمة طريقتان فقط للنساء المثليات وذوات الميول الجنسية المزدوجة للعثور على بعضهن البعض في بوجمبورا، هما الحظ والإنترنت.
كانت ليلى ونيا محظوظتين في أن تلتقيا في العمل.
تقول نيا: “بدأنا نتحدث أثناء تناول الغداء، وخلال تلك المحادثة، أدركنا وجود تشابه بيننا. كانت هناك تلميحات، ثم اعترافا”.
وسرعان ما اصبحت الفتاتان شريكتين في علاقة.
تقول ليلى: “من الصعب وصف كيف يجتمع المثليون جنسيا مع بعضهم البعض في أفريقيا”.
وتضيف “ليس ثمة موقع مثلي يمكنك البحث عنه عبر غوغل، أو مكان معروف يمكننا الالتقاء فيه”.
وتكمل “تصبح خبيرا في التقاط أي نأمة مشاعر مشتركة من الآخرين، لأن الكثير من التواصل لا يكون لفظيا. وتصبح خبيرا في لغة الجسد والتواصل البصري”.
ثم جاءت شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
تقول نيا: “ليس لدينا تطبيقات مواعدة، ولكن لدينا وسائل تواصل اجتماعية”.
هناك بعض التلميحات الرموز أيضا، أمثال إشارة خاصة (ميمي) قد نلتقطها من مكان آخر، أو عبارة مشفرة. لا نستخدم شيئا يمكن لأي شخص آخر خارج مجتمع المثليات أن يفهمه”.
شكلت ليلى ونيا، وفيما بعد نيلا،مجموعة للمثليات.
وثمة الآن عشرات النساء يعتبرن أنفسهن ضمن تجمع المثليات السري في بوروندي. يحصل البعض منهن على دعم الأسرة. ونسبة قليلة منهن متزوجات ولديهن أطفال، بيد أنه لا أحد يتحدث عن الأمر علنا.
عندما تشكلت المجموعة لأول مرة، كن يتسكعن في الغالب في أماكن اللهو والنزهة في البلاد.
فبوروندي مشهورة في منطقة البحيرات العظمى بحياتها الليلية النابضة بالحياة.
وعلى الرغم منم أن عدد سكان العاصمة بوجمبورا أقل من 500 ألف نسمة، إلا أنها تحتفظ بثقافة شبابية حية.
تقع المدينة على شواطئ بحيرة تنجانيقا، حيث ثمة مبان بنيت بطراز الفن الزخرفي (آرت ديكو)، تعود إلى الحقبة الاستعمارية وتحيط بسوق وملعب لكرة القدم وأماكن للعبادة الواقعة على ضفاف بحيرة تنجانيقا.
لقد ظلت البلاد معقلا للنزاعات المسلحة منذ استقلالها في عام 1962، لكن الأمر تغير اليوم، فبالنسبة للعديد من الشباب الذين يستمتعون بالحياة الليلية في بوجمبورا، تبدو هذه التوترات أمرا مستبعدا من حياتهم.
يأتي السياح من بلدان رواندا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة للاستمتاع بالحياة الليلية في النوادي أو بارات الفنادق الفخمة بتصنيف خمس نجوم.
وغالبا ما تلتقي ليلى ونيا ونيلا الأصدقاء في هذه الأماكن، بيد أن استماعهن إلى قصص بعضهن البعض يكشف عن واقع كئيب.
أن تكوني أمرأة مثلية في بوروندي ليس أمر مرفوضا ثقافيا فحسب، بل هو أمر خطير.
الجانب المظلم
في عام 2009، أقرت حكومة بوروندي قانونا جنائيا جديدا يعاقب على العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي بين البالغين.
وتشمل العقوبات السجن لمدة تصل إلى سنتين وغرامة مالية تصل إلى 100 ألف فرنك (55 دولارا)، أو الاكتفاء بالغرامة فقط أحيانا.
ولا يعرف الكثير عن حقوق المثليات في بوروندي.
وعادة ما يستشهد بتقرير لهيومان رايتس ووتش عن بوروندي في عام 2009، تحدث إلى أن 10 أعضاء في مجتمع المثليين والمتحولين ومزدوجي الميول الجنسية، بينهم امرأة واحدة فقط مثلية الجنس، بيد أن بي بي سي تحدثت إلى عشرات المثليات في بوروندي.
ولكن ثمة قليل من البيانات، كما لا يوجد الكثير من الشهادات الموثقة، لذلك يتعذر في الغالب الحصول على صورة دقيقة عن حياتهن.
وبحسب سجلات الحكومة الأمريكية، فقد ألقي القبض على سيدتين مثليتين في عام 2012، لكن أطلق سراحهما لاحقا. وبخلاف ذلك، لم يوثق سوى القليل من الحالات الأخرى.
تقول نيلا إنها سمعت عن مقتل نساء في المناطق الريفية في بوروندي بسبب كونهن مثليات، وسمعت أيضا عن مثلية سُجنت مؤخرا في بوجمبورا.
ومع ذلك، تعتقد ليلى أن القضية ليست بهذا البساطة والوضوح، فالسلطات لم تقبض على المرأة بسبب نشاطها الجنسي، فهي لم تكن تعلم أنها مثلية، بل لأنها انتقمت من تعرضها لاعتداء وعنف منزلي في بيت عائلتها، فردت بمهاجمة من اعتدى عليها.
تعتقد ليلى أن إساءة العائلات لمعاملة المرأة التي يُشك في أنها مثلية أو مزدوجة الميول الجنسية تمثل مصدر قلق كبير.
لقد سمعت المجموعة عن حالات سوء المعاملة بسبب الميول الجنسية ولكن يتعذر التحقق من وقوعها. لأن النساء غالبا ما يتراجعن عن قصصهن خوفا من عواقب ما يمكن أن يحدث لهن.
يقول العديد من عضوات المجموعة إنهن تعرضن للعنف على أيدي أفراد في أسرهن الذين يشكون في ميولهن الجنسية.
وثمة سيدة تعرضت للضرب، وعندما ذهبت إلى مركز الشرطة قيل لها “إن الرجل الذي ضربك يستحق جائزة وكان محقا في ضربك”.
لقد حصلت نيلا على الطلاق الآن، لكن ثمة مثليات أخريات في المجموعة متزوجات. ولا يعلم أزواجهن شيئا عن حياتهن الجنسية.
تقول ليلى: “هناك ضغط كبير على النساء للزواج. وكثيرات تقبلن هذه الضغوط وتزوجن. إذا كنت في بوجمبورا، فأنت محظوظ، لأنك تمتلك الإنترنت ويمكنك البحث عن الآخرين مثلك في العالم. لكننا نشعر بالقلق بشأن النساء في الريف”.
وفقا لإحصائيات “Internet World Stats”، فإن 4.4 في المائة فقط من سكان بوروندي، البالغ عددهم 11 مليون نسمة، لديهم إمكانية استخدام الإنترنت، وجميعهم تقريبا في العاصمة بوجمبورا.
وتقول ليلى “لا عجب في أن عضوات المجموعة جميعهن في المدينة. ولكن من واجبنا إيجاد شقيقاتنا اللواتي يعشن خارجها”.
وتخرج ليلى وبعض النساء الأخريات للتحدث إلى النساء المثليات ومزدوجات الميول الجنسية في القرى، بعد أن يعرفن بوجودهن من خلال شبكات محلية، سواء عبرالإنترنت أو بدونه، ومن خلال أصدقاء بعيدين.
تقول نيا: “مجتمعنا قوي ونابض بالحياة. ونحن نفكر في طرق تمكننا من التواصل مع جميع النساء”.
وتقول ليلى: “خلال نشأتي كنت أتمنى أن أكون (طبيعية). لكننا الآن نتندر على أننا لسنا (طبيعيين). ونقول إننا كائنات فضائية ولدينا قوى خارقة”.
تأمل نساء امجموعة في أن تكون هذه بداية الحديث عن الأمر. بداية لثورة البنفسج.