أخبار متفرقة

خلال الحرب اللبنانية أراد بعض الكهنة ترك رعاياهم والسفر

كتب الاب إيليّا متري في إفتتاحية العدد الثالث من مجلة النور 2019: في البدء، سأروي لكم خبرًا سلاميًّا من أيّام الحرب. كان المطران جورج (خضر)، إبّان  الحرب اللبنانيّة، أعلى ما يهمّه أن يبقى الناس في بلدهم، ولا سيّما منهم كهنة أبرشيّته، أحياء يجاهدون مع محبّي السلام من أجل عودة السلام. بعض الكهنة بيننا كانوا يعيشون في…

Published

on

كتب الاب إيليّا متري في إفتتاحية العدد الثالث من مجلة النور 2019:

في البدء، سأروي لكم خبرًا سلاميًّا من أيّام الحرب. كان المطران جورج (خضر)، إبّان  الحرب اللبنانيّة، أعلى ما يهمّه أن يبقى الناس في بلدهم، ولا سيّما منهم كهنة أبرشيّته، أحياء يجاهدون مع محبّي السلام من أجل عودة السلام. بعض الكهنة بيننا كانوا يعيشون في مكان، ويخدمون في مكان آخر.

في إحدى المرّات التي منعتنا الحرب فيها من أن نصل إلى رعايانا، أرسل إلينا يقول: «ليخدم كلٌّ منكم في مكانه. أسقطوا حدود رعاياكم. رعيّتك حيث تقيم».

الحرب متعبة. كلّ حرب متعبة. شعر المطران جورج ببعض كهنته يتذمّرون من الحرب وآثارها عليهم وعلى عائلاتهم ومحبّيهم. بل علم أنّ بعضنا فكّر في أن يترك إلى البعيد، إلى أمكنةٍ أخرى أكثر أمانًا وسلامًا.

قال لنا: «ليس الكاهن أفضل من الذين يخدمهم. دمه ليس أقدس. يحيا الكاهن مع رعيّته، أو يموت معها».

هذه ذكرى تنفع لليوم، بل لكلّ يوم. في لبنان، ظاهريًّا انتهت الحرب. ولكن، هناك حروب قائمة فعليًّا في معظم هذا المدى العربيّ. وهناك إغراءات تتمشّى بيننا، على أفواهنا، وأمام عينينا جميعًا، صباح مساء، تهمس بنا: «اتركوا هذا الأتون المتّقد إلى الأفضل».

لا أشكّ في إخلاص الذين هاجروا أو الذين يفكّرون اليوم في أن يهاجروا، كهنةً أو علمانيّين. ثمّ لا أرى أنّ الباقين منّا في أرضهم هم أقدس من الذين رحلوا عنها. هذه سطور لم أكتبها ضدّ أحد أو تمجيدًا بأحد. أكتبها خوفًا على الشهادة في هذه البلاد. أعتقد أنّ معظم الذين خرجوا من بيننا إلى بلاد اللَّه الواسعة يمكنهم أن يشاركوا في هذا الخوف.

سأكون أكثر وضوحًا. أخاف أوّلاً على الإفخارستيّا التي هي طعام الشهادة!

سأخبركم أيضًا. التقيتُ بصديق لي مصادفةً في أحد مستشفيات بيروت. الرجل من سورية التي توشك الحرب فيها أن تنهي سنتها الثامنة! كلانا أتى يزور صديقًا مشتركًا تعرّض لحادث نجّاه اللَّه منه. بعد أن أنهيتُ زيارتي، رافقني صديقي إلى باب المصعد. سألتُهُ: «هل تبقى في بلدك إن لم يبقَ، هناك، فيه، كاهنٌ يخدم القدّاس الإلهيّ؟». أجابني بثقةٍ كنتُ أتوقّعها: «لا، لا أبقى!». لا أنادي الناس، إخوتي، إلـى قبول خيار الموت بالتزام هذه الأرض أو تلك! لكنّني أنادي نفسي أوّلاً إلى أن أعي أكثر فأكثر مسؤوليّتي تجاههم، أن أعي دوري في مساعدتهم على البقاء، بل على البقاء أحياء وقادرين على خدمة الحياة. الحروب لا تبقى إلى الأبد. ستنتهي. لا بدّ من أن تنتهي. ولكن، هل من معنى لبقائي هنا إن حوّلتُ نفسي، مسؤولاً في الكنيسة أو مؤمنًا قادرًا على الوعي أنّ وجوده شهادة، (إن حوّلتُ نفسي) إلى شخص يكتفي بمشـاهدة الـذين يرحلون، أو يكتفي بتحليلهم، أو بالأسف عليهم، أو بتقريعهم، أو بالشكّ في صدقهم… إن رحل أخي أمام عينيَّ من دون أن أستوقفه أو أقف معه، أكون موجودًا شكلاً، أي أكون قد رحلتُ قبله! أرجو أن تجد هذه السطور درب سلام يصل إلى قلوبنا التي يُنتظر أن تنبض دائمًا ببركات الفعل.

Exit mobile version