أخبار متفرقة

حرقوا الكنائس والأيقونات، وداسوا الأناجيل، وأَهانوا المقدَّسات، وكسَّروا الصلبان، ونَبَشُوا القبور، مهددينَ بأصواتهم وكتاباتهم ” جئناكم بالذبح يا عباّد الصليب”

في ٢٧ سبتمبر، انعقد لقاء في مقر البرلمان الأوروبي في روما نظمته منظمة عون الكنيسة المتألمة بالتعاون من البرلمان الأوروبي لتعزيز الوعي بشأن المسيحيين السوريين. من بين الحضور كان الأب طلال تعلب المخلصي – وهو مدير مركز العناية في صيدا جنوبي لبنان – والذي ألقى كلمة مؤثرة جداً أخبر فيها عن الوضع وبخاصة عمّا حدث مع عائلته مباشرة.…

Published

on

في ٢٧ سبتمبر، انعقد لقاء في مقر البرلمان الأوروبي في روما نظمته منظمة عون الكنيسة المتألمة بالتعاون من البرلمان الأوروبي لتعزيز الوعي بشأن المسيحيين السوريين.

من بين الحضور كان الأب طلال تعلب المخلصي – وهو مدير مركز العناية في صيدا جنوبي لبنان – والذي ألقى كلمة مؤثرة جداً أخبر فيها عن الوضع وبخاصة عمّا حدث مع عائلته مباشرة.

قال: “تَعودُ بيَ الذاكرةُ اليوم إلى الرابعِ مِن أيلولَ 2013، يومَ اقْتَحَمَ مَنْ يَدَّعونَ أنفسَهُمْ أتباعَ الربيعِ العربيّ مدينتي الحبيبة معلولا، وللأسف، كان ذلكَ بحمايةِ واحتضانِ ومُسانَدةِ ودعمِ سُكَّانِـها مِنَ “المسلمين”، الذي كانَ مِنَ المفترضِ أن نكونَ معًا صفًّا واحدًا في الدِّفاعِ عن بَلدَتِنا وحمايَتِها، مِن كُلِّ غدرٍ وإرهابٍ وشَرٍّ وأَذًى.

يَومَها بَدَأُوا بإطلاقِ النَّارِ تَرهِيْبًا وتَخْويفًا للأَهالي دونَ مُراعاةٍ لِـحُرْمَةِ البُيُوت، وكبارِ السِّنِّ والنِّساءِ والأطفال، ولا احترامًا لكلِّ ما هو مُقَدَّسٌ مِن حجرٍ وبشر. في البداية، قَامُوا بِتَفْجيرِ حاجِزِ الجيش، حيثُ قَامُوا بِقَتْلِ الكَثيرين، فَهَرَبَ مَنِ اسْتَطاعَ الهربَ يومَها. وفي السَّابع من أيلول، كان اليومُ الأسود، مع أنّ الكنيسةَ برئاسةِ قداسةِ البابا  فرنسيس، أَرادَتْهُ يومَ صلاةٍ لأجلِ السَّلامِ في سوريا، حَيثُ دَخَلَ أَتْباعُ جبهةِ النُّصرة والجيشِ الحُر، بِدَعمٍ وسَنَدٍ مِن سُكَّانِ معلولا وأَعتَذِرْ هنا عَنِ اسْتِعْمالِ كَلِمَةِ “المسلمين” ولكنْ للأَسَف، كانوا منهم، فَدَخَلُوا البُيُوت، وهنا أَتَحَدَّثُ عن خِبرَتي الشَّخْصِيَّة وكَم كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَنْقُلَها لكم بشكلٍ مُفَصَّل، لِمَا فيها مِن أَلَمٍ وإِيمان، حين دَخَلُوا البيتَ الذي اجْتَمَعَ فيهِ إِخوتي وأقاربي، وهو بيتُ عَمِّي لَوَنْدِيُوس، حِينَها صَرَخُوا بِأَعلَى صَوتِهِم مُعْطِينَ الأَمَانَ للمَوجُودِين. وَقْتَها خَرَجَ ميخائيلُ ابنُ عمِّي وزوجُ أُختي وشادي ابنه، وأنطونُ ابنُ عمِّي وسركيسُ ابنُ ابنةِ عمِّي، وَقْتَها اسْتَطاعَ شادي الهربَ مِن أَيْدِيهم. أَرَادُوا إِرغامَهُم على اعْتِناقِ الإِسلام فَرَفَضُوا مُصِرِّينَ على أَنّ الإيمانَ هو علاقةٌ شخصيّةٌ مع الله وعلاقةُ احترامٍ للآخر. هَدَّدُوهم بِالقَتْل، فَأَصَرَّ الثلاثةُ على أَنَّهم خُلِقُوا مسيحيِّينَ ولن يَموتوا إِلاَّ مسيحيِّين. فَقَتَلوهُم الواحدَ تِلْوَ الآخَر. وسأَتركُ بين أَيديكم سعادةَ السفير شهادةَ أخي سركيس وابنةِ عمِّي أنطوانيت اللذَيْن شَهِدا على ما حَصَل، وشهادةَ ابنةِ عمِّي تقلا (حنينة) مقرونةً بالقَسَمِ على الكتابِ المقدَّس.

كانَ في الداخل أخي سركيس ورفيقُه ماجد، وعمِّي الرجلُ الطاعنُ في السِّنْ وابنةُ عمِّي أنطوانيت التي أُصِيبَتْ بَبعضِ الشظايا. أَمّا عن أَخي وصديقِهِ وبعد أنْ تَعَرَّضُوا حيثُ كانوا إلى الكثيرِ من الرصاصِ والقنابل، كانت يدُ الله معهم والقدّيسِ أنطونيوسِ الكبير حاضرةً معهم وأنقذتهم، (حيث ظَهَرَ لهم القدِّيسُ أنطونيوس مُغلِقًا بابَ المغارة (الغرفة) بِعُكَّازِه. أَمّا عن شادي ابنِ أخُتي وجهاد أخي وعاطف قلومة وداوود ميلانة وغسان شنيص وموسى شنيص فَتَمَّ اخْتِطافُهُم. وعَلِمْنا باستشهادِ خمسةٍ في العشرين من نيسان 2017 من الأَمنِ العامّ اللبنانيّ في عرسال، لبنان بعد أَنْ أَجْرَينا فحوصاتِ الحمضِ النوويّ. بَقِيَ مصيرُ موسى حتى اللحظةِ مجهولاً، نُصلِّي لعودتِهِ سالِـمًا إلى أَحضانِ أُمِّهِ وإِخْوَتِه.

حَرَقوا الكنائسَ والأيقونات، وداسُوا الأناجيل، وأَهانوا المقدَّسات، وكسَّروا الصلبان، ونَبَشُوا القبور، مُهَدِّدينَ بأصواتِهِم وكتاباتِهِم بالقتلِ لنا نحن “عُبَّادَ الصَّليب كما اسمونا” الجملة التي كتبوها على الجدران والبيوت ” جئناكم بالذبح يا عباّد الصليب”.

أَرفَعُ معكم وإِليكُم الصوتَ سعادةَ السفير بالدعوةِ إلى إعلانِ قداستِهِم كشهودٍ للإِيمانِ وشهداءَ للسيِّد المسيح.

أَيُّها الحضورُ الكريم:

معلولا ليستْ مدينةً عادية، فَهِيَ تَتَكَلَّمُ اللغةَ التي تَحَدَّثَ بها السَّيِّدُ المسيح، اللغةَ الآراميّة. هي مدينةُ الكنائس حيث تقلا وسركيس وجاورجيوس ولونديوس والياس وبربارة وتوما وقزما وسابا؛ هي مدينةُ العذراء مريم سيِّدةُ السلام. هي مدينةُ الصِّليبِ المقدَّس، حيث ما زِلْنا حتى اليوم في الثالث عشر والرابع عشر من أيلول نَحتفلُ برفعِهِ على قِمَمِ صخورِنا وجِبالِنا، إِكرامًا وإِيمانًا بالمصلوبِ عليه. معلولا هي مدينةٌ للثقافةِ والتاريخ، تَخْتَزِلُ في حناياها وبين صُخُورِها آلافَ السنين من الإنسانيّةِ والإرثِ الحضاريّ.

فَمَنْ أَرادَ أنْ يُدمِّرَها، أَرادَ ذلك لا لأجلِ موقِعِها الاستراتيجيّ، ولا لأجلِ ثرواتِها الباطنيّة، بل لأجلِ قيمتِها الإنسانيّةِ وإرثِها الحضاريِّ والدينيِّ والتاريخيّ، أَرادُوا مِنِ احْتِلالـِها تَغييرَ النسيجِ الوطنيّ والاجتماعيّ السوريّ، بقتلِ الشخصِ المسيحيِّ المكوِّنِ الأساس للإنسانِ السوريّ؛ أَرادوا حَرقَها ليقولوا للمسيحيِّين: لا مكانَ لكم في أرضِكِم وبَلَدِكم، ولا مكانَ لثقافتِكُم وحضارتِكُم بينَنا، أَرادُوا حَرقَ كلِّ ما هو جميلٌ وإنسانيّ؛ وللأسف، بعد كلِّ ما فَعَلوهُ مِن حرقٍ وقتلٍ وتهجيرٍ وتدمير، ها هُمُ اليوم يريدونَ العودةَ إليها تحتَ ما يُسمَّى بالمصالحة، بعد أنْ تمَّ تحريرُها على يدِ الجيشِ السوريِّ ومَن سانَدَهُ من محبِّيه وأبناءِ معلولا، وكأنّ دموعَ أُمَّهاتِنا وإخوتِنا بلا قيمة، وحياةَ أَبنائِنا لا معنى لها.

ونحن نتوجَّهُ إليكُمُ اليوم، ومِن هذا المِنبرِ الكريم، أنتم مَن تمثِّلونَ دولاً تحترمُ حقوقَ الإنسانِ وتنادي بحريّتِهِ وكرامتِهِ وإعلاءِ شأنه، نقولُ لهم: معلولا لأبنائِها الذين دافعوا عنها، معلولا لـِمَن يُحبُّها ويَروِيْها بقلبِهِ ودمِهِ. معلولا هي رئةُ سوريّا المسيحيّةُ والإنسانيّةُ إلى العالم؛ معلولا هي كشجرِ الأرزِ لا تَهابُ العواصف، جذورُها مغروسةٌ في الأرض ورأسُها يُعانقُ السماء، هي صليبُنا ودربُنا وقيامتُنا.

معلولا  صخرةٌ مقدّسةٌ تبنى عليها كنيسة المسيح، لن تُزعزِعُها لا يدُ إرهاب، ولا ربيعٌ مزعوم، ولا حتى أبواب الجحيم، ثابتون فيها حتى لآخرِ إنسانٍ وآخرِ مسيحيّ.

معلولا كلمةٌ نَقَشَها اللهُ على كَفِّه، ونَقَشَ اسمَهُ على صخورِها ومقدَّساتِها وإِنسانِها.

 هي مدينةُ الإنسان، كلُّ إنسان.

 مدينةٌ نريدُ أن نحيا بها بسلام، كما سوريا، فقط بسلام

Exit mobile version