أخبار متفرقة

البطريرك الراعي: لا يستطيع أي فريق إلغاء فريق آخر

نهار الأحد، ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسا احتفاليا لتكريس كنيسة مار سمعان العمودي في القليعات- كسروان، وقد عاونه المطارنة بولس روحانا، بولس نجيم والياس نصار والخوري يوسف مبارك. وألقى الراعي عظة بعنوان “ماذا أعمل من الصلاح لأرث الحياة الأبدية؟ (لو18:18)”، قال فيها: “هذا السؤال الذي طرحه أحد الوجهاء على يسوع، ينبغي…

Published

on

نهار الأحد، ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسا احتفاليا لتكريس كنيسة مار سمعان العمودي في القليعات- كسروان، وقد عاونه المطارنة بولس روحانا، بولس نجيم والياس نصار والخوري يوسف مبارك.

وألقى الراعي عظة بعنوان “ماذا أعمل من الصلاح لأرث الحياة الأبدية؟ (لو18:18)”، قال فيها: “هذا السؤال الذي طرحه أحد الوجهاء على يسوع، ينبغي أن يطرحه كل واحد وواحدة منا، في صباح كل يوم. فجواب يسوع يذكرنا بأن الصلاح الضامن للحياة الأبدية هو السير في طريق وصايا الله. هذه ليست عبئا، بل طريقا آمنا يصل بالإنسان إلى الخلاص. ولما طلب ذاك الوجيه صلاحا أكبر، دعاه يسوع إلى كمال المحبة، بالتجرد عن كل شيء والانصراف إلى شؤون الله.

هذا الكمال اختاره لنفسه مار سمعان العمودي، فبات من أعلى عموده منارة للمارة بكلامه وإرشاده وبطولة تجرده وتقشفاته، وعلامة رجاء لكل مريض ومتألم، وقوة شفاء”.

أضاف: “بفرح كبير نجتمع اليوم لنحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية، ونحيي عيد مار سمعان شفيع هذه الرعية العزيزة ونتمناه عيدا مليئا بالنعم السماوية. ونحتفل بتكريس كنيستكم الرعائية القائمة من ركام الحرب، ومذبحها على اسم مار سمعان العمودي، الذي رافق حياتكم، يا أبناء القليعات الأحباء، في كل مراحلها الحلوة والمرة. وإنا نذكر نفوس الشهداء الذين سقطوا، وسائر موتاكم، راجين لهم سعادة السماء ولآهلهم العزاء. وإني أذكر في هذه الذبيحة المقدسة جميع أهالي القليعات، كبارا وصغارا، والمرضى والمسنين”.

وأردف: “ويطيب لي أن أحيي سيادة أخينا المطران بولس روحانا، نائبنا البطريركي العام الذي واكب أعمال إعادة الإعمار، وعزيزنا الخوري يوسف مبارك كاهن الرعية، الذي شرح لنا بكلمته محطات إعادة البناء منذ إعداد العقار وترسيم حدوده سنة 2004 حتى الإنطلاقة بمشروع إعادة البناء سنة 2010. كما أحيي سيادة أخينا المطران غي بولس نجيم، نائبنا البطريركي السابق الذي رافقكم وشجعكم، صامدا أمامكم بإيمانه وصلاته وتوجيهاته. وهكذا كلكم بشجاعة وصبر وتعاون أحييتم الكنيسة وقاعاتها ومجمعها من دمار حرب أظهرت أن في لبنان لا يستطيع أي فريق إلغاء فريق آخر، وأن إقصاء الآخر يتنافى وهوية لبنان التعددية، ويقوض أسس الوفاق والوحدة الوطنية. وعلمتنا تلك الحرب المشؤومة وسواها واجب السعي الدائم إلى توطيد دولة القانون والمؤسسات، لا دولة تقاسم الحصص بين الأحزاب والكتل النيابية، كما هو حاصل اليوم. فهذه أيضا تعطل مسيرة مؤسسات الدولة وتعتمد نهج الإقصاء وتقضي على أصحاب الكفاءة وعلى أصحاب الضمير الحر في العمل والرأي والحكم، غير المديونين لهذا أو ذاك من السياسيين”.

أحيي لجان الأوقاف التي تعاقبت، ورؤساء المجلس البلدي والأعضاء المتعاقبين، وصولا إلى رئيسها الحالي وأعضاء المجلس والمخاتير ومجالسهم، والأخويات وسائر الحركات الرسولية. وهكذا، كما جاءت الكنيسة ومجمعها وحدة جمالية متناسقة، كذلك أعدتم بناء وحدتكم لتكونوا حجارة حية متناغمة في هيكل الله.

وإني شخصيا أقيم هذا الاحتفال بتأثر، لأن الذكريات تعود بي إلى السنوات التي كنت آتي فيها من مدرسة سيدة اللويزة وألقي مواعظ الصوم، أيام كان عزيزنا الخوري حبيب مهنا كاهنا للرعية، في عهد المثلث الرحمة المطران مخايل ضوميط”.

وتابع الراعي: “أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل من الصلاح لأرث الحياة الأبدية؟” (لو18:18). هذا السؤال طرحه سمعان ذات يوم في بيت الله. واستنجد بأحد الحاضرين، فأشار عليه بالحياة النسكية. ثم ذهب إلى ضريح الشهداء، وجثا على ركبتيه وجبهته على الأرض، سائلا الله الهداية في عزمه. بدأ بالصوم المضني والتقشف. فطار صيت قداسته في منطقته، حتى راحت الجموع تأتيه من كل صوب لنيل بركته ونعمة الشفاء لمرضاهم. وبسبب كثرة الجماهير، قرر أن يقيم فوق عمود، وطلب أن يعلو ستة أذرع، ثم اثني عشر، وبعدها اثنين وعشرين، حتى بلغ أخيرا ستة وثلاثين. هذا كله رواه المطران توادريطس القورشي (458 و 466) الذي عايشه، وعرفه شخصيا، وسمع رواياته من فمه”.

وقال: “نحن أيضا في عيد القديس سمعان العمودي، وتكريس كنيسته بحلته الجميلة ومذبحها، ومجمعها، حيث كل شيء يتلألأ بجماله، ترانا مدعوين لنطرح ذات السؤال على أنفسنا: “ماذا أعمل من الصلاح لأرث الحياة الأبدية؟” وهو سؤال يتعلق بالقضية الأخلاقية، وبمعنى حياتي الشخصية، والخير الأسمى الذي يجتذبنا. إن من يتكلم مع المسيح، طارحا عليه هذا السؤال، يعرف تماما الصلة القائمة بين العمل الأخلاقي الصالح وتقرير مصيره الشخصي. ولذا، البحث عن الصلاح في العمل والمسلك يعني فعلا التوبة إلى الله، ينبوع كل صلاح.

ليس السؤال محصورا بفئة من الناس، بل هو واجب على الجميع وفي جميع القطاعات.

على المستوى الاجتماعي الاقتصادي، السؤال واجب من أجل تجنب أنواع الظلم والفساد، وحماية العدالة الاجتماعية وحقوق الغير الأساسية، وتعزيز كرامة الانسان وروابط التضامن. فإذا تم طرح السؤال بضمير حي، يوضع حد للسرقة، والغش في التجارة، وفي تأدية الضرائب، وهضم الأجور ظلما، واستغلال جهل الغير أو عوزه، واغتصاب إيرادات المؤسسات العامة، وتنفيذ الأعمال عاطلا، وتزوير السندات والبيانات المالية، والبذخ، والتبذير، وهدر المال العام (البابا يوحنا بولس الثاني: تألق الحقيقة، 100).

في المجال السياسي، طرح السؤال على الذات: “ماذا أعمل من الصلاح؟” يؤدي إلى التزام جانب الحق بين الحكام والمواطنين، والنزاهة والانصاف في خدمة الادارة العامة، وتعاطي الشؤون المالية العامة بالاستقامة، والامتناع عن اعتماد الوسائل المريبة في المحاولة بأي ثمن للاستيلاء على السلطة أو الحفاظ عليها. إذا لم تراع هذه الأخلاقية السياسية، فإن أساس التعايش السياسي يسقط، وكل عيش اجتماعي مشترك يتعرض تدريجيا للخطر ويزول (المرجع نفسه 101). ذلك أن بغياب هذه الأخلاقية سيقال للشر خيرا، وللخير شرا”.

وختم الراعي: “فليطرح كل واحد وواحدة منا هذا السؤال على المسيح. وهو ينيرنا بكلامه وإيحاءات روحه القدوس، تماما كما سأل القديس سمعان العمودي، وكما أجابه الرب يسوع، فوجد ذاته وأدرك معنى حياته الشخصية. ومعه نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

ثم تحدث روحانا شاكرا الراعي على “لفتته”، وبلدة القليعات على “ما قامت به لجنة الوقف فيها”، وكاهن الرعية. ووزعت دروع تكريمية للراعي والمطارنة وخادم الرعية، وأقيم حفل كوكتيل للمناسبة.

Exit mobile version