أخبار مباشرة
لعنة “سرقة الودائع”: مذكرة توقيف ألمانية… وتصنيف دولي “رمادي”
بعد فرنسا، ها هي ألمانيا بصدد إصدار مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفقاً لمصدر قضائي أبلغ “رويترز” بذلك أمس. ولم تستغرب المصادر القانونية المتابعة لقضية سلامة وآخرين صدور مذكرات توقيف أخرى في الأسابيع والأشهر المقبلة، على اعتبار أن هناك دعاوى في دول أخرى مثل بلجيكا وسويسرا واللوكسمبورغ وليختنشتاين وموناكو، وفي بريطانيا هناك ملف قيد المتابعة ايضاً. وأضافت: “نحن في أول المسلسل، وستظهر أسماء كثيرة في السياق، لأن الملفات الأوروبية تتقاطع عند سلامة، لكن، في كل بلد ملف مختلف نسبياً عن الآخر على صعيد تبييض الأموال باستخدام حسابات وتحويلات أو شراء عقارات وأصول أخرى. كما سترد أسماء شركات ومصارف ومصرفيين تبعاً لكل قضية وخصوصيتها.
وأكد ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أنّه «من المهم للحكومة اللبنانية احترام الآليات المعمول بها لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، والتركيز على مهمّة تحقيق استقرار الاقتصاد اللبناني وإحداث التغييرات الضرورية». وأضاف: «في شكل عام، يعود إلى الحكومة اللبنانية اتخاذ قرار في شأن من يتولّى ذلك المنصب، ونحن نعمل مع الحاكم المعين بصفته الرسمية».
ويفترض ان يستمع اليوم القاضي عماد قبلان الى حاكم مصرف لبنان في سياق المتابعة القضائية المحلية التي تحول دون تسليمه للخارج، وضمن الإجراءات المعتادة ستسحب من سلامة جوازات سفره، إلا اذا تغيب وتحجج بدفوع ومبررات شكلية على عادته منذ بدء التحقيقات معه والادعاء عليه، وتواطؤ قضاة معه.
في باريس، تصدر محكمة الاستئناف في الرابع من تموز قرارها بشأن قانونية عملية الحجز على أصول عقارية وأموال سلامة في أوروبا، وفق ما أفادت مصادر مطلعة على الملف وكالة “فرانس برس” أمس.
وتدرس غرفة التحقيق في المحكمة طلبات إبطال تقدّم بها فريق الدفاع عن سلامة حيال أكثر من عشر عمليات حجز قامت بها فرنسا على أصول وممتلكات تقدّر قيمتها بعشرات الملايين من اليورو، وتشمل شققاً في مناطق راقية من العاصمة كالدائرة السادسة عشرة وجادة الشانزيليزيه، وأخرى في بريطانيا وبلجيكا، وحسابات مصرفية.
وبحسب مصادر مطلعة على الملف، طلبت النيابة العامة تأكيد عمليات الحجز هذه. ووفق معطيات اطلعت عليها وكالة “فرانس برس”، تخشى النيابة العامة أن تحرم فرنسا من “كل مجال للمصادرة” في حال دان القضاء سلامة يوماً ما.
وأوضح أحد المعنيين بالملف أن المصادرة هي “عصب” المواجهة مع سلامة، بينما رأى مصدر آخر أن “استهداف رصيد” سلامة من الممتلكات والأصول يعدّ “الخطوة الأساسية الملموسة الممكنة في هذا الملف”، في ظل رفض لبنان تسليم مواطنيه المطلوبين للعدالة من دول أجنبية وإصراره على محاكمتهم على أراضيه.
وأعلنت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في أواخر آذار 2022 تجميد 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية، وذلك إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه رجا سلامة.
وبما أن الأخبار السيئة لا تأتي فرادى، وبما أن لبنان يعيش اليوم ولسنوات طويلة مقبلة ما يشبه “لعنة سرقة الودائع” مع اتهامات لسلامة والمنظومة التي تحميه، فقد تسرب أمس عن “مجموعة العمل المالي الدولية” امكان تصنيف لبنان في القائمة الرمادية، أي في قائمة الدول غير المتعاونة كفاية في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وبين الأسباب، التوسع الكبير في اقتصاد الكاش الذي بات يساوي نصف الناتج الاقتصادي تقريباً، مع ما يعني ذلك من عدم افصاحات ولا شفافية في مصادر الأموال ومآلاتها.
وأكدت مصادر معنية ان التصنيف الرمادي سيزيد تعقيدات تحويل الأموال إلى لبنان ومنه. وستتعرض تلك التحويلات الى كثير من الاسئلة والاستفسارات والتدقيق وقد يتأخر تنفيذها وتزيد كلفتها، ما قد يدفع بنوكاً مراسلة الى وقف التعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية اللبنانية، وينطبق الأمر عينه على شركات تحويل الاموال أيضاً.
وتحذر المصادر من انزلاق لبنان الى القائمة السوداء اذا لم يقم بفترة تراوح بين 6 أشهر وسنة بإجراءات مطلوبة منه. مع الإشارة الى توقع طول فترة بقاء القطاع المصرفي بلا سيولة كافية ولا ملاءة واضمحلال الثقة به في ظل بطء إعادة هيكلته، علماً أن الاصلاحات المطلوبة ستأخذ وقتاً ليس بقصير بالنظر الى تلكؤ الحكومة والبرلمان في تنفيذ شروط مسبقة وردت في الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي. وهذا التأخير اذا تفاقم فسيعرّض لبنان الى مخاطر إضافية مثل الإدراج في القائمة السوداء، ما يوجه ضربة شبه قاضية للتحويلات التي هي اليوم المصل الأساسي للبنانيين، ومن دونها يتسارع الإنهيار الى قاع لا يمكن تخيل عمقه.
ومن علامات الإنهيار الإضافي ما أقرته اللجان النيابية المشتركة امس لجهة تعديل و/أو الغاء احكام مواد في قانون النقد والتسليف وانشاء المصرف المركزي لجهة السماح لمصرف لبنان بطباعة فئات اوراق نقدية جديدة. وهنا المقصود ورقة الـ 500 ألف ليرة وورقة المليون. وفي ذلك مؤشر على الإنهيار الكبير الذي أصاب العملة الوطنية والتضخم الذي رافق ذلك بمعدلات سحقت الرواتب والمداخيل، وأدخلت شرائح واسعة من اللبنانيين عند خطوط فقر متعدد الأبعاد من العادي الى المدقع.