أخبار مباشرة
تبييض الأموال في العقارات وما علاقة الخزانة الأميركية في هذا الموضوع؟!
“افقت المصارف اللبنانية على قبول كميات هائلة من الأموال الآتية من سوق العقارات، مع علمها بأن المبالغ المصرَّح عنها خيالية, ولكن…”
ارتبطت صورة الاقتصاد اللبناني بالقطاعين المصرفي والعقاري. وتفاخرَ أرباب القطاعين بأنهم المساهمون الأساسيون في نهضة الاقتصاد. لكن تراكم الثغرات التي حاولوا إخفاءها بنشاطٍ وهميّ، انكشفت مع بدء الانهيار قبل نحو 3 سنوات. فكما بُنِيَ ازدهار المصارف على أموال المودعين، بُنِيَ القطاع العقاري على تبييض الأموال وإيداعها في المصارف لتحويلها إلى أموال شرعية. ولارتباط العلاقات بين القطاعين، لم تخرج عقوبات وزارة الخزانة الأميركية على بعض اللبنانيين، من دائرة البحث عن الأموال التي “نُظِّفَت” في القطاع العقاري وأحيلت إلى البنوك، ثم أُعيد إخراجها إلى أميركا وأوروبا. فأين هو القطاع العقاري اليوم؟.
قطاع وهمي
عندما يُحكى عن القطاع العقاري، يُستثنى حكماً مَن يشتري منزلاً واحداً للسكن أو قطعة أرضٍ لحفظ ماله أو لتوريثها لأبنائه. فهذا الفعل لا يُسَجَّل على أنه نشاط عقاري بالمعنى الاقتصادي. وبالتالي، تتّجه الأنظار نحو المقاولين والمطوّرين العقاريين وكبار رجال الأعمال والسياسيين والمصرفيين، واؤلئك الذين تتنوّع انشطتهم بين لبنان والخارج. وهؤلاء، جعلوا القطاع العقاري فقّاعة متضخّمة شكلاً، عن طريق الشراء الكثيف للعقارات بأسعار خيالية، فبقيَت الكثير من الأبينة والشقق السكنية فارغة وغير مستَثمَرة.
في التوصيف العام، يرى رئيس نقابة المقاولين في لبنان، مارون الحلو، أن “حركة السوق العقاري قبل الأزمة كانت طبيعية”. لكن بوادر الخلل بدأت تظهر “بين العام 2015 و2018. حيث أصيب القطاع بالجمود”. وحسب ما يقوله لـ”المدن”، تحسَّن الوضع “مع بداية الأزمة الاقتصادية في العام 2019. لأن المستثمرين اشتروا عقارات بأموالهم المحتجزة في المصارف، وبأسعار مشجّعة. ثمّ عاد الجمود وأصبحت العقارات اليوم معروضة بنحو 40 و50 بالمئة من قيمتها التي كانت عليها قبل الأزمة”.
هذا التوصيف، يعطي دليلاً إضافياً على أن ما يُسمّى بالحركة الطبيعية، لم يكن بالفعل طبيعياً، فالأسعار لم تكن متناسبة مع كلفة الانتاج وهامش أرباح معقولة، تسمح ببناء سوق اقتصادي حقيقي ملائم للقدرة الشرائية لغالبية اللبنانيين، بل كان السوق مرسوماً على قياس فئة صغيرة تريد حماية أموالها فقط لا غير. وعلى شاكلة الأمس، لا يشتري العقارات اليوم، سوى حَمَلة الكميات الكبيرة من الأموال.
عقوبات وزارة الخزانة الأميركية
وافقت المصارف اللبنانية على قبول كميات هائلة من الأموال الآتية من سوق العقارات، مع علمها بأن المبالغ المصرَّح عنها خيالية. لكن بذريعة الاقتصاد الحر، جرى إدخال الأموال إلى النظام المصرفي وإخراجها منه نظيفة.
ومع ملاحقة وزارة الخزانة الأميركية للكثير من الأسماء اللبنانية من باب الأموال غير المشروعة، برزَ القطاع العقاري كأحد الزواريب التي استعملتها بعض تلك الأسماء لتبييض أموالها. ومع أن الحلو لا يتبنّى تعميم هذه النظرة على تجّار العقارات وزبائنه، إلاّ أنه لا ينفي استفادة البعض من القطاع لتبييض الأموال. ويؤكّد أن “بعض أصحاب العقارات عُرِضَت عليهم مبالغ خيالية تفوق قيمة العقار. وكانت العروض من بعض الذين فرضت عليهم عقوبات أميركية. والقليل من أصحاب العقارات استجابوا وباعوا بتلك الأسعار. لكن هذه العمليات بقيت محدودة”. ويلفت الحلو النظر إلى أن العمليات تركّزت بشكل كبير في مناطق “بيروت وجبل لبنان. لأن مَن يشتري العقار سيبحث عن منطقة آمنة ومناسبة يمكن فيها إعادة بيعه والاستفادة منه”.
واللافت في هذا الملف أن بعض المستوردين والمطوّرين العقاريين، يسارعون في أوقات معيّنة، ورغم جمد سوق العقارات، إلى استيراد الحديد ومواد البناء بكميات هائلة بصورة تدلّ على استعدادهم لمرحلة ما لم تتكشَّف ملامحها. فتصعد الأبنية وتُشَيَّد الشقق ويُباع عدد زهيد منها وتبقى الأخرى فارغة، ثم يُحكى عن تنشيط لسوق العقارات، في حين أن أغلب اللبنانيين باتوا فقراء وفقدت رواتبهم قدرتها الشرائية. أما الخليجيون، فما زالوا على موقفهم المقاطِع للبنان. فمن ينغمس بتلك الحركة؟
خيوط كثيرة ما زالت متشابكة في هذا القطاع. وحلّها يحتاج وقتاً وظروفاً سياسية ملائمة. وإلى حينه، يبقى القطاع العقاري جامداً في الوقت الراهن وعاجزاً عن المساهمة في النهضة الاقتصادية المستقبلية، لأن هيكل هذا القطاع لم يُبنَ بشكل سليم. وما يزيد الوضع سوءاً، هو توقُّف البنوك عن الإقراض وعن قبول سداد قروضها للمطوّرين العقاريين بواسطة الشيكات أو بدولار الودائع المحتجزة، الأمر الذي ساهم في زيادة انكماش القطاع وتعزيز النظرة السلبية له. فلا يتوقّع نقيب المطوّرين العقاريين “نشاطاً في قطاع العقارات، إلا إذا عادت الظروف السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها، وساعدت في تشجيع الاستثمار”.
خضر حسان – المدن